رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحمد سليمان العالم المصرى بمختبر الدفع الصاروخى فى ناسا: نسعى لحل آخـر معضلة فى تفسـير نشـأة الكون من 13.8مليار سنة

أشرف أمين [تصوير: محمد عبده]
أحمد سليمان

  • عشت 6 أشهر فى القطب الجنوبى لتركيب تلسكوب يرصد موجات الجاذبية
  • نصيحة دكتور زويل غيرت مجرى حياتى من الهندسة للفيزياء






من بهتيم بشبرا الخيمة، لجامعة «كالتك» بالولايات المتحدة، ثم ذهابا وإيابا فى رحلات متقطعة لعدة أشهر للقطب الجنوبى حيث التلسكوبات والأجهزة الدقيقة أملا فى رصد إشارات عمرها من عمر الكون 13٫8 مليار سنة. تلك باختصار هى حياة الباحث المصرى أحمد سليمان على مدى السنوات العشر الأخيرة، مهندس الاتصالات الذى اجتهد كثيرا كى يصبح باحثا متخصصا فى مجاله، ثم غير مساره ودرس 21 مقررا فى الفيزياء والهندسة كى يرصد الموجات التى تؤكد صحة نظرية التضخم والتى بدورها تفسر الجزء المفقود من نظرية الانفجار العظيم لنشأة الكون. يحكى أحمد أنه برغم التحديات وقلة الدعم والمساندة إلا أنه لم يحد أبدا عن هدفه أو يضع خططا بديلة حال فشلة، فالفشل بالنسبة له فرصة للتعلم واكتساب الخبرات لذلك لم يكن من المستعجب أن يصل لهدفه وينضم لجامعة كالتك ليجاور د. أحمد زويل فى آخر أيامه ويدرس على يد علماء كثر من الفائزين بجوائز نوبل. فى الحوار التالى يسرد أحمد سليمان تجربته وأهمية البحوث التى يشارك بها حاليا، وأمله فى أن تشارك مصر ضمن شبكة المراصد العالمية لبحوث الفضاء وإلى نص الحوار:

........................

حدثنا عن بداياتك بمصر قبل سفرك للدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية؟

أنا من أسرة متوسطة فى بهتيم، شبرا الخيمة، تخرجت عام 2009 من كلية الهندسة بشبرا جامعة بنها، وكنت من أوائل الدفعة بقسم الكهرباء والاتصالات وخلال تلك الفترة حاولت التقدم لمنح الماجستير والدكتوراه بالخارج إلا أننى لم أوفق فى بادئ الأمر. ولحسن الحظ أن إحدى الجامعات التى رفضتنى ردت بشكل مفصل على أسباب الرفض وحددت الأخطاء التى وقعت بها، منها أننى فى تلك الفترة لم أكن أعلم أهمية أن أنشر أبحاثا قبل التقدم للدراسة بالخارج. كما حاولت أن التحق بإحدى الشركات التكنولوجية بما يمكننى من الإنفاق على إجراءات التقدم للدراسة بالخارج إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل. ولعل أكثر ما استفدت منه خلال تلك الفترة هو التعلم من أخطائى وتطوير نفسى باستمرار. كما تقدمت للعمل فى وزارة الكهرباء وتم قبولى. وخلال تلك الفترة أتيح لى بعض الوقت كى التحق بعدة جهات بحثية لإجراء دراسات فى مجال تصميم الهوائيات وتطبيقها فى مصر، مثل جامعة زويل ومعهد بحوث الإلكترونيات، كما التحقت بأحد المشروعات التابعة لوزارة الاتصالات، وحصلت على ماجستير بتقدير امتياز من كلية الهندسة جامعة عين شمس. كل تلك الجهود والمحاولات مكنتنى من نشر نحو 12 ورقة بحثية فى دوريات مهمة فى مجال الهندسة مثل IEEE ثم تكللت بالنجاح بقبولى فى جامعة كالتك فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى ذات الجامعة التى تخرج منها ويدرس بها أكثر من 45 من كبار العلماء الفائزين بجائزة نوبل ومنهم العالم الراحل د. أحمد زويل.

كيف كان استقبال د. أحمد زويل لك فى كالتك؟

كان سعيدا جدا بالتحاقى فى بداية مشوارى الأكاديمى بواحدة من أهم المؤسسات البحثية فى العالم حيث من المعتاد أن يبدأ الباحث فى جامعة متوسطة للحصول على الدكتوراه ثم تدريجيا يسعى للانضمام للجامعات الكبيرة مثل كالتك وستانفورد. وأذكر جيدا مدى ترحيب د. زويل بى حين زرته فى مكتبه ونصائحه لى باستمرار. ولعل أهم نصيحة قالها لى هى أن أركز على الشق العلمى والهدف من وراء تصميم محطات الرصد. تلك النصيحة غيرت مسارى البحثى تماما من هندسة الاتصالات والإلكترونيات إلى دراسة فيزياء الفضاء والكون.

كيف جرؤت على هذا التحول لتخصص جديد لم تدرسه من قبل؟

حين تقدمت لجامعة كالتك التحقت بقسم الهندسة وقمت بدراسة علوم متقدمة فى مجال الهندسة والفيزياء وحصلت خلال تلك الفترة على ماجستير ثان فى العلوم والهندسة عام 2017 كما كنت قد نشرت 4 أبحاث واختير أحد هذه الأبحاث أفضل ثانى بحث فى مؤتمر علوم الراديو بكوريا الجنوبية عام 2016 وحصلت على تكريم عن البحث أمام جمع كبير من العلماء.

وأذكر جيدا أننى عرضت تلك الورقة البحثية على الدكتور أحمد زويل قبل شهور من وفاته وكان سعيدا بالتصميمات الهندسية والأفكار التى قدمتها إلا أنه استوقفنى وطلب منى أن أفسر المعلومات الفيزيائية الداعمة لهذا العمل. فى تلك اللحظة أدركت أننى غير ملم بما نسعى لرصده اعتمادا على التقنيات الهندسية التى أصممها. كما تحدثت مع د. كيب ثورن العالم الشهير الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 2017 عن تطوير أجهزة الليزر لرصد موجات الجاذبية وهى الظاهرة التى تنبأ بها أينشتاين عام 1916. كان للدكتور كيب ثورن دور كبير فى توجيهى للتعرف على الفرق البحثية المختلفة المعنية بالدراسات حول أصل الكون وهو ما ساعدنى على اختيار موضوعى البحثى لرسالة الدكتوراة. على الجانب الآخر، لم يكن الأمر هين على الإطلاق حيث مكثت على مدى عامين أدرس 21 مقررا فى الفيزياء والهندسة لم يسبق لى أن درستهم من قبل. كان الأمر مقلقا وبالغ الصعوبة إلا أننى تمكنت من إتمام كل المقررات بتفوق وهو ما أهلنى لأبدأ رسالة الدكتوراة فى مجال الفيزياء التطبيقية.


د.أحمد سليمان خلال رحلته العلمية بالقطب الجنوبى


ما هو المشروع البحثى الذى تشارك فيه؟

أنا أعمل ضمن فريق بحثى كبير حيث نصمم تلسكوبا ذا كفاءة فائقة وحساسية عالية لرصد موجات الجاذبية التضخمية التى حدثت خلال جزء ضئيل جدا من الثانية بعد الانفجار العظيم مباشرة. أى أننا نحاول رصد موجات حدثت منذ 13٫8 مليار سنة. هذه الموجات كما يفترض العلماء التصقت بمرور الزمن بموجات أخرى حدثت وعمر الكون 400 ألف سنة وتعرف باسم الخلفية الإشعاعية للكون. وبالتالى إذا نجحنا فى رفع حساسية التلسكوبات المثبتة فى القطب الجنوبى بما يمكننا من الفصل بين إشارات موجات الجاذبية بالغة القدم عن موجات الخلفية الإشعاعية للكون فإننا بذلك نكون قد حللنا آخر المعضلات العلمية وفسرنا بشكل واضح كيف نشأ الكون وهذا سوف يمدنا بإجابات على أسالة كثيرة عن ماذا حدث فى بداية الزمن. هذا الاكتشاف إذا ما تحقق سينهى أى تشكك بنظريتى التضخم والانفجار العظيم كما سينهى جدلا دام على مدى قرن من زمان واجتهادات لعلماء الفيزياء النظرية والتطبيقية لتفسير ماذا حدث بالكون منذ 13٫8 مليار سنة.

ولا أستبعد حال الوصول لذلك الكشف أن يحصل العلماء على جائزة نوبل فى الفيزياء فما سنكتشف سينهى جدلا علميا استمر قرابة 100 عام ولن يكون هناك شك بعد ذلك فى نظرية الانفجار العظيم. ولك أن تتخيل أنه لرصد تلك الموجات فإننا نعمل بدعم بملايين الدولارات سنويا من المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم ووكالة ناسا، كما نتعاون مع عدة مجموعات بحثية بالولايات المتحدة من جامعات هارفارد وستانفورد وكالتك ومينيسوتا ومختبر الدفع الصاروخى بوكالة ناسا حيث نقوم بتطوير كفاءة التلسكوبات المثبتة بالقطب الجنوبى وقراءة ما ترصده دوريا.

لماذا اخترتم منطقة القطب الجنوبى لرصد الإشارات الكونية؟

أولا القطب الجنوبى بيئة نادرة على كوكب الأرض وملائمة لرصد تلك الموجات الدقيقة جدا. فمن حيث طبيعتها الجغرافية فإنها القطب الجنوبى مرتفعة بنحو 10 آلاف قدم عن سطح البحر كما أنها منطقة جافة جدا والطقس البارد ملائم لرصد تلك الإشارات الضعيفة والباردة. إضافة لذلك، فإنه غير مسموح استخدام أى إشارات هوائية من أى نوع بالقطب الجنوبى لمنع التشويش عن إشارات الكون المراد رصدها. ووفقا لخطة العمل والتى بدأت منذ أكثر من 10 سنوات فلقد نجحنا فى تركيب تلسكوب وفى السنوات القادمة سيتضاعف أعدادها إلى 4 وما نأمله أن نتمكن بعد كل هذه الجهود هو أن نرصد موجات الجاذبية ونفصلها عن كل الإشارات الأخرى المجارية والتى تشوش على محاولة رصدها. وبشكل شخصى فلقد عشت قرابة 6 أشهر على فترتين فى القطب الجنوبى ولقد ألهمتنى تجربة الحياة فى تلك المنطقة المنعزلة من العالم فى كتابة بعض مشاهداتى اليومية وأعتقد أن تلك التجربة ألهمت أطفالا وشبابا بعالمنا العربى كى يتابعونى ويعرفوا ما أشارك به ضمن فرق الأبحاث الدولية.


مع د. أحمد زويل بمكتبه


كيف يمكن لمصر وعلمائها أن يشاركوا فى هذا المشروع البحثى؟

أتمنى أن تشارك مصر فى هذه الأبحاث من خلال مشروع مجتمع تلسكوبات الأفق، وهو مشروع دولى يعتمد على تكوين شبكة من التلسكوبات من مختلف قارات العالم لرصد الإشارات الكهرومغناطيسية البعيدة والمرتبطة بالثقب الأسود. هذه المشاركة يمكن تنفيذها خاصة إذا ما تم تطوير مرصد حلوان كما أن موقع مصر بشمال قارة إفريقيا يدعم من فرص إشراكها لاستكمال شبكة المراصد الأخرى الموجودة فى الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وباقى الدول المشاركة. كما أن هذا الأمر سيعود بالنفع على البحث العلمى والتكنولوجى بمصر، وشخصيا فإننى لن أتأخر أبدا عن دعم مشاركة بلدى فى تلك الأبحاث وأتمنى أن تتوفر قنوات الاتصال مع المعهد القومى للبحوث الفلكية ووزارة التعليم العالى والبحث العلمى لتفعيل ذلك.

هل فكرت يوما ما فى خطة بديلة لحياتك حال فشلك فى الانضمام لزمرة العلماء؟

بصراحة شديدة، لم أفكر أبدا طوال السنوات الماضية فى أى خطة بديلة إذا ما فشلت فيما أسعى إليه، فأنا أتعامل دائما مع الفشل على أنه فرصة لاكتساب الخبرات والتعلم للمواصلة وتكرار السعى فى ذات المسار. ورغم الصعوبات التى واجهتها فإن ما أسعى إليه هو المشاركة فى إنتاج بحوث علمية تفيد البشرية هذا الأمر لا يحدث بين عشية وضحاها ويحتاج لوقت كبير وتراكم للمعارف والخبرات، ولدى يقين أن ما أقوم به سيعود بالنفع حتى وإن تطلب الأمر سنوات عديدة لتحقيق ما أصبو إليه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق