منذ ولادتى
لم أر غير اقتراب الأجل
فى مصباح المنزل
الذى تغسل أمى زجاجته كل مساء
وأنا أراقبه مخافة الكسر
فوانيس الشوارع التى يتراقص لهيبها
وينطفئ من أول قبلة للهواء
جدتى القابعة على عتبة الدار
يردد لها العابرون «الله يسهلك ياحجة»
حمارتى العرجاء التى توصلنى لمدرستى
وهى تستمد وهج أنفاسها
من زعازيع بعض عيدان القصب
التى يلقيها البائع
فأسارع بالتقاطها
ضاربة الودع التى تحمل أصداف البحر الخرساء
وهى تنظر لى بعينى أفعى
لتلتقط كسرات الخبز المعجونة بالقريش
الرجل الذى يطرق الديار
حاملا الدف
ليشدو موالا يحكى عن أبى زيد الهلالى
البنت التى كنت انتظرها بشغف
كل صباح
وقد مشطت شعرى
وروضت قلبى على سحر ابتسامتها
حينما تمر على وهى تحمل وعاء الحليب
العرق النازف على وجه أبى
وهو عائد من رعاية أرض «الوسية»
لأسيادنا الإقطاعيين
منذ قيام الثورة
وأنا احلم بالحياة
تقبل باسمة
فاردة جناحاتها لتحتضننى
فأعانق أمنيات عودة روحى
امسح من ذاكرتى
شغب أطفالى
وعراكهم حول قطعة الحلوى
من تظفر قدماه بالكوتش البلاستيك
المشبع بالمزق
ومن يمشى حافيا
أسمع قيثارة اللقيا
أغنيات النيل
مع الشمس التى لم اكن أراها
لأنى أمشى مطأطئ الرأس
متكئا على همومى.
رابط دائم: