وصف المجتمعات الأوروبية بالاستنزاف الروحى
«سولجنيتسين» لقـد نـسى النـاس الله

«إن القوة غير المحدودة فى أيدى الأشخاص المحدودين تؤدى دائمًا إلى القسوة». هكذا أعرب أديب نوبل الكاتب الروسى الكبير ألكسندر سولجنيتسين عن رأيه فى الحاكم ذى الامكانيات المحدودة.

وأضاف: يا له من إحساس شديد الوطأة: أن تشعروا بالعار من أجل الوطن، عندما تمسك بقيادته أيدٍ لا مبالية، مرتعشة، جاهلة. كيف يبدو الوطن للعالم من خلال هذه الوجوه المتعجرفة، الخبيثة الشائهة. إلى أى درجة من الدمار والفقر المدقع يقاد شعبنا الذى لا يمتلك القوة للنهوض على قدميه.

.......................



يعد ألكسندر أحد منتقدى الشيوعية، وقد ساعد على زيادة الوعى العالمى لانتهاكات حقوق الإنسان، وكشف عن معسكرات اعتقال النظام والقمع السياسى فى الاتحاد السوفيتى. باتت معارضته لنظام الحكم سببا فى طرده من الاتحاد السوفيتى وتجريده من الجنسية عام 1974، بعد أربع سنوات من حصوله على جائزة نوبل فى الأدب.

ليجبر بذلك على الرحيل نحو ألمانيا الغربية قبل أن يهاجر فيما بعد للولايات المتحدة الأمريكية.

بالنسبه لمؤلف ثلاثية أرخبيل جولاج، المعركة الفاصلة بين الخير والشر تجرى فى دماء كل إنسان..فيقول: الشر شىء معقد. لو كان الشر مجرد أشخاص سيئين يرتكبون أفعالا بغيضة فى مكان ما لأصبح من السهل محاصرته وتدميره، لكن الحد الفاصل بين الخير والشر يخترق جوهر كل كينونة إنسانية حية، ومن ذا الذى لديه الاستعداد ليتخلص من جزء من جوهره؟.

من ناحية أخرى، يولد البشر بقابليات مختلفة، إن كانوا أحراراً فهم غير متساوين، وإن كانوا متساوين فهم غير أحرار.

صدم الأديب الروسى التقليدى المحافظ المتشدد فى «قوميته السلافية» ومسيحيته الأرثوذكسية، بليبرالية الغرب وماديته الاستهلاكية، حتى إنه وصف المجتمعات الغربية بـ «المتفسخة أخلاقيا».

لذا وجّه كلمة شديدة اللهجة إلى الأوروبيين تحذرهم من مصير محتوم ينتظرهم بسبب عقلانيتهم وخواء روحهم:

أنتم يا أوروبيون، ذكاؤكم يمرّ بخسوف؛

سوف تُعانون؛ الهوة عميقة؛ أنتم مرضى، مصابون بمرض الخواء.. نظامكم الغربى يتجه نحو أقصى حالة من الاستنزاف الروحى: عقلكم القانونى لا روح فيه، مذهبكم الإنسانى عقلانى، وحياتكم فى دواخلكم معدومة.. كل نُخبكم فقدت معنى القيم السامية.

يتعجب من قلب الناس الأفكار حول ما هو جيد وما هو سيىء! إنهم يرون العيش فى قفص من خمسة طوابق مع قيام الناس بالطرق والمشى فوق رأسك وصوت الراديو من جميع الجوانب يعتبر أمراً جيداً، بينما العيش كمزارع مجتهد فى كوخ من الطوب اللبن على حافة السهوب يعتبر فشلاً ذريعاً!!

كانت فلسفته الروحية هى الوحى الصادق للكتابة. تدينه وتمسكه بمعتقداته كان يجلى بوضوح فى كتاباته. فى رواية يوم واحد فى حياة إيفان، كتب: لا تصلّون كفاية.. تصلّون بشكل سيئ، وبلا رغبة، ولذلك لا يتحقق رجاؤكم. الصلاة يجب أن تتم بلا انقطاع! فلو كنتم مؤمنين حقيقة، وقلتم لذاك الجبل تحرك من مكانك، لتحرك.

لقد قضيت خمسين عاما أعمل على تاريخ ثورتنا قرأت مئات الكتب وجمعت مئات الشهادات ساهمت بثمانية مجلدات لتطهير الأنقاض، ولكن إذا طُلب منى أن أصيغ باختصار ماحدث من ثورة ابتلعت 60 مليونا من أبناء شعبى، فسأجيب:

لقد نسى الناس الله وهذا سبب ما حدث.

لا شك أن هناك نخبا مثقفة طاردت وحشَ التعدى على حقوق الإنسان، فصارت أكثر وحشية من أعداء الإنسان، صلف وعنجهية مع الخالق، صلف وعنجهية مع قيم الأسرة والمجتمع، التطرف لا يأتى بخير، لأن دوافعه شخصية، بينما قضية الأحرار فى العالَم قضية موضوعية.

طوال حياته ناضل الأديب الروسى من أجل الفقراء والمقهورين، قائلا:

باسم كل من لم تكفِه الحياة أتحدث، وليعذرنى جميعُهم إن لم أكن قد رأيت، وتذكرت.. إن لم أكن قد عرفت عنهم كل شىء.