رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معاقل أثرية توثق حرفة «العصر على البارد»..
آخر معاصر «قوص» للزيوت العطرية.. تقاوم الاندثار

كتب ــ خالد مبارك

هى إحدى أقدم الصناعات المتوارثة منذ عهد القدماء المصريين.. لكن القلق يتزايد لدى المهتمين بالحرف التراثية والمعالم الأثرية فى جنوب مصر بشأن الاندثار الوشيك جدا لصناعة «استخلاص الزيوت التقليدية». والدليل الأبرز على الاندثار الوشيك يأتى من مدينة قوص، بمحافظة قنا، أحد أهم معاقل تلك الصناعة التقليدية والحرفة العريقة.

أسباب القلق تزايدت في العقود الخمسة الأخيرة، مع التساقط المتتالي للأغلبية العظمى من معاصر الزيوت البلدية والطبية والعطرية التقليدية، فلم يتبق من بين 24 معصرة، شكلت معقلا رئيسيا لصناعة استخلاص الزيوت على مدار التاريخ فى قوص، سوى معصرتين فقط.

تعود ملكية إحدى المعصرتين المقاومتين، للمهندس محمد عبد الفتاح محفوظ جاد، الذى أعاد فتح أبوابها عملا بوصية الأب، أحد رواد استخراج الزيوت البلدية. فقد عاد «جاد» الابن بعد أعوام طويلة قضاها خارج مصر، كان عمل المعصرة فيها متقطعا وكادت تغلق أبوابها. ولكنه عاد عازما على الاستمرار، مستعينا بأصول المعصرة من «مطحنة» آلية قديمة لطحن البذور على البارد بقدرة على التبريد الذاتى، و«مكبس» قديم يعد تحفة فى حد ذاته.

يوضح جاد الابن أهم أسرار الحرفة العريقة، قائلا: «المقصود هنا صناعة عصر الزيوت بالطرق الباردة، أو بالطريقة التقليدية التى تحفظ للزيوت المستخلصة كامل عناصرها. فالزيوت الطبية العطرية تمتاز بأن المادة الفعالة فيها هى الزيوت الطيارة، وسميت بـ(الطيارة) لأنها تتبدد بارتفاع درجات الحرارة. كما فى حالة زيت حبة البركة الذى يتألف أساسا من الزيت الطيار المسمى بـ (نيجللون)، الذى يتبدد عند تجاوز درجة الحرارة أكثر من 35 درجة، فيفقد الزيت فائدته».

ويكمل : «ومن هنا، فإن الطريقة الباردة التى توارثنا فنونها هى الأفضل فى استخلاص الزيوت، لأنها تتسم بالتزام درجات الحرارة المنخفضة فى جميع المراحل. فعملية طحن البذور بواسطة الحجر تتم مع الحرص على التبريد المستمر، ثم إن عملية العصر نفسها تتم على البارد. ونحرص على أن تكون الإضاءة المستخدمة فى أثناء العملية كلها خافتة جدا».

> اجتهاد للحفاظ على بقايا زمن « العصر على البارد»

ومن داخل معصرة قوص الثانية التى مازالت تقاوم من أجل الاستمرار، كان اللقاء بأولاد الحاج يونس زارع، الحاج محمد يونس( 77 عاما) وشقيقه الحاج يوسف يونس (66عاما)، فقالا لـ«لأهرام» «هناك عدة أنواع من الحبوب والنباتات التى يمكن استخدامها فى استخلاص الزيوت. وفي عهدها الذهبى، كانت معاصر قوص تقوم بعصر ما يناهز الأربعين نوعا من بذور النباتات، خاصة ذات الفوائد الطبية، والمستخدمة لأغراض طهو الطعام».

لكن الاعتماد بات يتزايد على الطرق الميكانيكية فى استخلاص الزيوت، لكونها تحقق معدل إنتاجية مرتفعا فى فترة بالغة القصر. وذلك مقابل محدودية الكميات الناتجة عن عمليات «العصر على البارد» والتى تستغرق فترة زمنية أطول.

يضاف إلى ذلك صعاب أخرى، مثل، الانصراف عن زراعة أصناف الحبوب والنباتات التى يقوم عليها نشاط المعاصر، مقابل محاصيل تعتبر أكثر إنتاجية وأكثر عائدا. وبالتالى، ترتفع أسعار المحاصيل اللازمة لصناعة الزيوت البلدية بشكل قياسى. وكذلك انصراف أغلبية الأجيال الأصغر من العائلات العاملة بهذه الصناعة، عن امتهان حرفة عصر الزيوت كعمل أساسى.

إذن هى محاولات للبقاء حاضرا دون رؤية واضحة للاستمرار مستقبلا؟ من جانبه يؤكد المهندس محمد جاد أن عودته وسعيه وراء التشغيل المنتظم للمعصرة فى حد ذاته نقلة إيجابية بالنسبة لأحوال آخر معاصر «قوص» . والأمل الثانى، وفقا له، فى أن نجله الذى يعمل مهندسا، يحمل عشقا واهتماما كبيرا بعمل المعصرة، ويتقن جميع تفاصيل عملها، متعهدا بأن يكمل العمل بها من بعده، مدركا أن تلك المعصرة أكثر من مجرد «شغلانة»، فهى تملك تاريخًا.

أما الحاج يوسف يونس، فيقول: «عاهدنا أنفسنا على المحافظة على هذه المعصرة التى تشكل أجدادنا. فوالدنا، رحمه الله، الحاج يونس، وكان من مواليد 1917، ورثها عن والده الحاج أحمد حنفى زارع، الذى ورثها بدوره عن والده وأجداده. وعلى مر العهود والأجيال، حافظت المعصرة على هيئتها المعمارية من حيث البنيان المسقوف بالطوب اللبن، ومكوناتها كلها من خشب الأشجار. ونالت المعصرة عمليات ترميم عديدة، إحداها عام 1914 والثانية فى الستينيات، ولكن مع الاحتفاظ بشكلها القديم.وفى بداية السبعينيات، تم تسجيل ( المعصرة) كأثر».

وعن آليات عمل المعصرة التقليدية والعمالة القائمة فى معصرة آل زارع ، يجيب : «تتم عملية طحن البذور بذات الطريقة التقليدية، وذلك بواسطة حجر ضخم من الجيرانيت، ويدار بواسطة الأبقار. أما عن العمالة فى معصرتنا، فللأسف باتت هى الأخرى عتيقة، ولدينا عاملون مدربون، أحدهم بلغ من العمر 78 عاما. والثانى محمد على كلش، 66 عاما، وكلاهما أصحاب خبرة واسعة فى هذا المجال».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق