«الاعتماد على الذات».. مسار سياسى واقتصادى طموح للقيادة الصينية لتحقيق الاكتفاء الذاتى خلال السنوات الخمس المقبلة، إلا أن هذه الخطة أثارت مخاوف الغرب فى ظل ظروف اقتصادية تعصف بالعالم أجمع جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية فى أوكرانيا.
وفى رسالة إلى الباحثين والمهندسين فى قطاع الفضاء بمناسبة يوم الشباب، أعرب الرئيس الصينى شى جين بينج عن طموحه للصناعة، قائلا إنه على العمال الشباب أن يدفعوا باتجاه الاعتماد الصينى على الذات، واتباع خطى أسلافهم الذين طوروا السلاح النووى والأقمار الصناعية داخليا بقليل من المساعدة الخارجية، فى حملة دشنها ماو تسى تونج مؤسس جمهورية الصين الشعبية سماها «قنبلتين وقمر صناعى واحد»، وتشير قنبلتان إلى القنبلة الذرية والصاروخ الباليستى العابر للقارات. ظاهريا، تبدو هذه الرسالة غريبة فى دولة استفادت أكثر من أى دول أخرى من آخر موجة للعولمة. ففى عام 2000، كانت الصين أكبر شريك تجارى لعدد محدود من الدول، إلا أنها الآن الشريك التجارى الأكبر لأكثر من 60 دولة. وفى الفترة بين 1985 إلى 2015، تضاعفت الصادرات الصينية من البضائع بمعدل 125 مرة، ويعود ذلك جزئيا إلى طفرة التصنيع، ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بمعدل 8% فى الفترة ما بين 2001 إلى 2020. لكن الحكومة الصينية لم تكن راضية بالكامل عن العولمة، مهما كانت نتائجها. سياسة الإصلاح والانفتاح التى أطلقها الرئيس دينج شياو بينج فى السبعينيات، والتى بموجبها قامت الصين بتحرير الإنتاج والتجارة، كانت عشوائية وغير منظمة. ولم يكن الحزب الشيوعى ينوى التخلى عن الدور الرئيسى فى الاقتصاد، لكنه كان قلقا من تسرب الأفكار الغربية. ويبدو أن دعوة شى للاعتماد على الذات تعكس رؤيته بأن التوازن بين مخاطر العولمة ومكافأتها تغير. ويعتقد الرئيس الصينى أن بلاده أصبحت أكثر اعتمادا على الآخرين، مثل أوروبا واليابان، لكن بشكل أكبر على الولايات المتحدة. ومن بين مخاطر هذه الاعتمادية، أن الغرب قد يختبر تباطؤا اقتصاديا مماثلا للأزمة المالية العالمية بين عامى 2007 و2009، وهو ما أضعف الطلب على البضائع والخدمات الصينية، أما مصدر الخطر الثانى فبدا جليا عندما فرض الغرب عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، وهو ما يعنى أن الغرب قد يستغل قوته الاقتصادية لإضعاف الصين. ولتجنب هذه المخاطر، يريد شى تغيير مكان الصين على خريطة الاقتصاد العالمى، ولتحقيق ذلك، فهناك عنصران مرتبطان ببعضهما البعض فيما سماه الرئيس الصينى «نصبح أقوى»، العنصر الأول، بناء وضع قيادى فى الصناعات الاستراتيجية والتكنولوجية والطاقة، أما العنصر الثانى، أن تعتمد الصين بشكل أقل على الشركاء الغربيين فى التجارة والتمويل، وبناء شراكات جديدة وأفضل مع دول أخرى. إن مبادرة «الحزام والطريق»، وهى مبادرة عالمية ضخمة لتطوير البنى التحتية، هى إحدى الطرق التى تأمل من خلالها الصين فى العثور على أصدقاء جدد. ونجحت الصين فى دعم الصناعات الاستراتيجية، وأكد بحث نشره بنك «جولدمان ساكس» الأمريكى أنه خلال 2020، حققت الصين الاكتفاء الذاتى فى صناعة المنتجات عالية التقنية. وفى عدد من الصناعات، تمكنت الصين من تحقيق الاكتفاء الذاتى، وهو ما يعنى أنها لا تحتاج سوى لاستيراد منتجات قليلة من الخارج. وبعد أن سجلت الواردات أعلى مستوى لها فى الفترة بين 2004 و2006، تراجعت إلى أدنى مستوى لها بعد ذلك. وتهيمن الصين على صناعات غير تقليدية وحققت فيها ازدهارا غير مسبوق مثل بطاريات السيارات الكهربائية. ورغم كل هذه النجاحات، إلا أن مجلة الإيكونوميست البريطانية رصدت بعض العوائق التى تقف فى طريق سياسة «الاكتفاء الذاتي» الصينية، ومن بينها أن الصين تعتمد بشكل كبير على صادرات من منافسيها الجيوسياسيين، فرغم دعوة شى للاعتماد على الذات فى مجال الطيران والفضاء، إلا أن الصين تستورد 98% من مكونات هذه الصناعات من الغرب. ويرى الخبراء الاقتصاديون أن تأثير النظام المالى الصينى على العالم ضئيل، على عكس أمريكا، «فعندما تعطس أمريكا يصاب العالم بالبرد»، حسب وصف الإيكونوميست.
رابط دائم: