فى ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التى يمر بها العالم، يعزف كثير من الناس عن «الإقراض الحسن» لغيرهم، مخافة المماطلة أو عدم القدرة على السداد، وأملا فى استثمار هذا المال بما يدر عليهم عائدا كبيرا، لكن علماء الدين يطلقون دعوة للحث على التعامل بهذا القرض، بين الناس، كنوع من البر والتكافل ودعم العلاقات الإنسانية، واصفين إياه بأنه «تجارة الوقت، عظيمة الثواب، مع الله».
يوضح الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة ـ أن القرض الحسن هو تقديم المال من القادر عليه لمن يحتاجه مع رده عند طلبه من المقتَرَض منه دون أى زيادة عليه.. أى أنه تجارة مع الله سبحانه وتعالى، لذا فإن المولى عز وجل نسب القرض لنفسه فى قوله تعالى «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون»، فعندما ينسب الله القرض إلى نفسه فهو يقول للمقترض إذا كنت قد ضحيت بتقديم مالك للغير بغير استفادة فثواب هذا المال يقدمه لك الغنى الحميد، وقد كسبت رضاه، حيث جعل ذاته فى مقام المقترِض، وهنا يكون الثواب هو مضاعفة الأجر فى قوله تعالى: «إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ».
18 ضعفا
ويبشر عوضين بأن «القرض الحسن» يزيد على الصدقة فى الأجر، ففى رحلة «الإسراء والمعراج» وجد النبى صلى الله عليه وسلم باباً فى الجنة كُتب عليه: «الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر»، فسأل جبريل، فرد عليه بأن الصدقة يقدمها المتصدق ويعلم أنه لا يستردها أما القرض فعندما يقدمه المقُرِض فإنه يخاطر بماله ولا يعلم هل سيسترده أم لا، فأعطاه الله سبحانه وتعالى ثواب الصدقة، وهو عشرة أمثالها وثمانية زائدة مقابل المخاطرة بماله. فالقرض الحسن، كما يقول، تعود آثاره على المجتمع بالخير والنفع، فربما ينقذ مريضا أو يطعم جائعا أو محروما، أو يعين على تعليم طالب متفوق فيصبح عالما أو طبيبا أو غير ذلك. كما أنه يغرس فى المُقرِض روح التضحية بالمال، وهو ما وصفه الله بأنه زينة فى الدنيا، لذا فإن إخراجه للغير دون انتظار تعويض أو مقابل يُعد من أعلى درجات التضحية. ويضيف أن الإسلام حث على جميع صور التكافل، ومنها القرض الحسن، وتوعد الممتنعين عن ذلك حال قدرتهم، وهو ما توضحه سورة «الماعون» فى قوله تعالي: «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»، إذ فسر أهل اللغة «الماعون» بأنه: الأوعية التى يُطهى فيها الطعام، ويُقصد بهذا أنه إذا سألت الجارة جارتها أن تعيرها أو تقرضها وعاء لتطهو فيه الطعام فتتحجج بأن الوعاء مشغول أو ليس لديها، فإنها تكون ممن توعدهم الله بأنهم بهذه الفعلة ينالهم الويل، لأنهم مع قدرتهم على الإعارة وإقراض غير القادرين أدواتهم فإنهم يكذبون عليهم، ويمنعونها عنهم.
محمد قاسم المنسى - محمد نجيب عوضين
أفضل من الصدقة
ويقول الدكتور محمد قاسم المنسى أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة، إن القرض الحسن أفضل من الصدقة وكلاهما خير، إلا أن النتائج الاجتماعية المترتبة على القرض أفضل، وهو أحد الحلول الاجتماعية التى تقدمها الشريعة الإسلامية لتخطى مشكلات كثيرة من خلال مؤسسات أو أفراد، إذ يحثنا الإسلام على تحريك هذه الطاقة حتى يستفيد منها الجميع خصوصا من يُطلق عليهم وصف «محدودى الدخل». ويوضح أن القرض دون زيادة من شأنه إعانة الغير، وتنفيس الكربات عن المدينين، لذا كان أجره عند الله عظيما فى الدنيا والآخرة، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه». ويضيف المنسي: «من كان له عند أخيه دين فأمهله حتى يتيسر له السداد، أو تجاوز عنه إن كان غير قادر على السداد، فله عظيم الأجر من الله عز وجل، ففى الحديث: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ». وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أنظَرَ مُعْسِراً (أى أمهله)، أو وَضَع له (أى أسقط الدين عنه)، أظلَّه الله يومَ القيامة تحت ظلِّ عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه». وقد صحَّ عن بُرَيْدَةَ رضى الله عنه أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فإذا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ بعد ذلك فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». ويختم حديثه بأنه: «على المدين أن يؤدى الدين إذا حان وقت السداد، ولا يجوز مع المقدرة على السداد المماطلة أو التهرب، وإذا كان حال المقترض متعسرا فى السداد»، ففى هذه الحالة لدى مقرض المال حالان: إما أن ينتظر حتى يتيسر أمر المقترض لقوله تعالى: «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»، أو أن ينوى أن تكون زكاة إذا كان حاله متعسرا فلا يخبره بذلك، فإذا رده أخرجه لغيره من الفقراء والغارمين، وإن لم يرده عليه احتسبه من الزكاة، فهذا يجوز شرعا.
رابط دائم: