«نحن بحاجة إلى الحماية والأمان، فالعنف قد تغلغل بصورة كبيرة»، كانت تلك الجملة بمثابة صرخة استغاثة أطلقها بعض العاملين فى مجال الرعاية الصحية فى المكسيك مؤخرا، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين، تحت تهديد السلاح، على تقديم الرعاية الطبية للمصابين من العصابات الإجرامية التى تسيطر على معظم الأراضى فى المناطق الريفية الأقل كثافة سكانية. ففى الآونة الأخيرة، وجد الأطباء أنفسهم محاصرين فى مرمى النيران، إذ يتم اختطافهم للاعتناء بأفراد العصابات المصابين فى الاشتباكات مع الشرطة. ومع تزايد العنف والتهديد بالقتل، يزداد عزوف الأطباء عن العمل فى مثل هذه الأماكن، مما يفاقم من تعذر الوصول إلى الرعاية الصحية فى بعض أفقر مناطق البلاد.
«إنهم يقومون باختطافنا، وعلينا أن نطيع الأوامر، وإلا تعرضنا للقتل»، هكذا قال أحد الأطباء المكسيكيين الذى يخدم فى منطقة ريفية بولاية تشيهواهوا فى شمال المكسيك، مشيرا إلى أنه دائما ما يقوم المسلحون باختطافه تحت تهديد السلاح وإجباره على تقديم الرعاية الطبية لأحد أفراد العصابات الإجرامية. ومن أجل زيارة المرضى، يجب عليه اجتياز نقطة تفتيش فى بلدته التى يسيطر عليها تجار المخدرات.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، لا يعد التهديد بالقتل الوسيلة الوحيدة التى يستغلها أفراد تلك العصابات لإخضاع الأطباء للامتثال إلى تعليماتهم. ففى ولاية جيريرو، تفرض الجماعات الإجرامية رسوم ابتزاز شهرية على العيادات الطبية. وفى ولاية زاكاتيكاس، قُتل طاقم طبى بالكامل نظرا لقيامه بإسعاف أحد أفراد عصابة معادية، وذلك حسب روايات العاملين فى مجال الرعاية الصحية. أشار التقرير أيضا إلى أن تزايد انعدام الأمن وانخفاض الرواتب، دفع الأطباء وغيرهم من العاملين فى مجال الرعاية الصحية إلى ترك وظائفهم. ويعادل متوسط الراتب للممارسين العامين فى المكسيك حوالى 15 ألف دولار سنويا، لذلك لا يرى العديد من الأطباء من المناطق الحضرية الكبيرة حافزا يذكر للمخاطرة بحياتهم للعمل فى المناطق التى يعصف بها العنف.
ونتيجة لذلك، أعلن الرئيس المكسيكى، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، عن توافر حوالى 50 ألف فرصة عمل للعاملين فى مجال الصحة، والعديد منها فى المناطق الفقيرة، وذلك على الرغم من أن الخبراء يقولون إن العدد الفعلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير.كما أطلقت الحكومة المكسيكية مؤخرا موقعا على شبكة الإنترنت يعرض أكثر من 13 ألف وظيفة طبية شاغرة فى جميع أنحاء البلاد، والعديد منها فى مناطق تشهد عنفا كبيرا.
ويؤكد التقرير أن هذا النقص الهائل فى عدد مقدمى الرعاية الصحية فى المناطق الريفية، أجبر الحكومة الفيدرالية على الاستعانة بأطباء من جنسيات أخرى، فقد أعلنت الحكومة نيتها توظيف 500 طبيب كوبى للمساعدة فى سد الثغرات فى المجتمعات الفقيرة، وهو إعلان أثارغضبا هائلا بين أوساط العديد من الأطباء المكسيكيين، الذين قالوا إن المشكلة لا تكمن فى قلة عدد الأطباء أو عدم الرغبة فى العمل فى المجتمعات الريفية، ولكن فى الظروف التى تهدد حياتهم. ووفقا للمعهد الوطنى للإحصاء، هناك نحو 2.4 طبيب لكل 1000 مقيم فى المكسيك، وهذه النسبة تعد أعلى من معظم البلدان الأخرى فى أمريكا اللاتينية، وأقل بقليل من الولايات المتحدة، التى لديها 2.6 طبيب لكل 1000 نسمة. وبصرف النظر عن معالجة العنف فى المناطق الريفية، يقول خبراء الرعاية الصحية إن الحكومة بحاجة إلى رفع الرواتب والتأكد من أن المستشفيات والعيادات لديها الإمدادات الأساسية. حيث قال الدكتور فاجاردو دولتشى، مدير كلية الطب فى الجامعة الوطنية المستقلة فى المكسيك، إن التعيينات فى المناطق الريفية غالبا ما تكون عبارة عن عقود مؤقتة منخفضة الأجر.
من جانبهم، تساءل مسئولون حكوميون عن تجاهل الأطباء غير الراغبين فى العمل فى العيادات الريفية، لمبدأ المسئولية المهنية تجاه المرضى، وبدا ذلك جليا فى تصريحات الدكتور خورخى ألكوسر فاريلا، وزير الصحة المكسيكى، الذى قال «إن الأطباء لا يدركون حق المريض الأساسى، وهو أن يتم الاعتناء به أينما كان، ولهذا السبب كنا بحاجة إلى اللجوء إلى التعاقد مع الأطباء الأجانب». فى حين جادل بعض الخبراء بأن قرار الحكومة بالاستعانة بأطباء كوبيين كان قرارا «أيديولوجيا وسياسيا»، وليس قرارا «مهنيا أو عقلانيا»، من منظور إدارة نظام الرعاية الصحية. مؤكدين أن «السلامة الشخصية» هى الشاغل الأكبر للعديد من مقدمى الرعاية الطبية.
رابط دائم: