-
الإصلاح السياسى لم يُنظر بالقدرالكافى.. والبُعد عن الشعارات يقربنا من النجاح
منذ أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية أواخر شهر رمضان إطلاق "حوار سياسى" مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز، ورفع مخرجات هذا الحوار له شخصياً، حتى باتت الأوساط السياسية والحزبية في مصر تترقب انطلاق هذا الحوار، يملؤها الأمل في أن يفتح آفاقاً جديدة أمام القوى الوطنية للمشاركة في صنع مستقبل مصر في الجمهورية الجديدة في ظل متغيرات سريعة وتحديات صعبة يشهدها العالم كله.
وانطلاقا من أن مصر تتسع للجميع وإنه لا استثناء لأحد، ولأن الدعوة هي من أجل الخروج برؤية تتضمن أولويات العمل الوطني خلال المرحلة المقبلة، كان من الضروري أن نلتقي الأستاذ الدكتور على الدين هلال المفكر السياسي ووزير الشباب الأسبق لمناقشة كيفية الاستفادة من هذا الحدث المهم، وكيف تدار الحوارات الوطنية وما هي الآليات والضمانات والمنهج العلمي لنجاحه ؟ ومن هى الأطراف المدعوة إليه ؟ وما هي قضايا الحوار؟ وغيرها الكثير .. وإلى التفاصيل..
كيف ترى دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار في ظل التحديات الخارجية والداخلية الراهنة؟
الدعوة لهذا الحوار لم تأت من فراغ، فهي ضمن عدد كبير من التكليفات والقضايا التي شعر الرئيس عبدالفتاح السيسي بأنها على مقدمة جدول أعمال الدولة والمجتمع، قضايا مهمة للمشروع الوطني وللتنمية المصرية، وطلب أن تشارك كل الآراء وكل الاتجاهات، كانت نقطة البداية التي انطلق منها الرئيس هي مجموعة من التكليفات عن البورصة وعن مشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة وآخرعن تداول أسهم عدد من الشركات المملوكة للقوات المسلحة فى البورصة ضمن مجموعة شركات عامة وتكليفات اجتماعية وكذلك الحرص على محدودي الدخل وبرامج الحماية الاجتماعية وموضوع الغارمات، وتكليفات سياسية، وتكليف وزارة التضامن بعمل حوار مع الجمعيات الأهلية.
ما هو سياق هذا الحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس القوى السياسية والحزبية والشباب ولماذا الآن؟
الرئيس تحدث عن تحديات شديدة بعضها حدث وبعضها سوف يحدث، هذه التحديات جاءت نتيجة ثلاث قضايا كبرى شهدها العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، جائحة كورونا وقضية التغيرات المناخية وتدهور البيئة ثم الحرب الروسية الأوكرانية. الحرب التي تصور البعض – بسبب عدم التكافؤ في القوة العسكرية - أنها سوف تنتهي في أسبوع أوعشرة أيام وبدون الدخول في تفاصيل أو الأسباب من أكثر من 100يوم ولا يبدو أن هناك نهاية سريعة لهذه الحرب، وهذا يؤكد أن الآثار السلبية لهذه الحرب في تزايد مستمر.
وهذه الأزمة أخذت أشكالا مختلفة، فالرئيس تحدث عن الكساد التجاري والتضخم وارتفاع الأسعار، لأن الجزء الرئيسي من السلع مستورد، كما كانت هناك مشروعات مطلوب لها إنفاقات وتوقيتات معينة ونتيجة لوجود واستمرار الحرب لم تعد مستلزمات الإنتاج قائمة فضلاً عن ارتفاع أسعارها بدرجة كبيرة جداً، وهنا فكل الدول بدأت تعيد ترتيب أولوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه لحظة حاسمة، وهناك معنى آخر نريد أن نؤكد عليه وهو ما كان واضحاً في لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي بالإعلاميين في توشكى حيث قال: أنا حريص على الإصلاح السياسي وأنه كان أولوية مؤجلة.
وهذا معناه أن الرئيس يدرك أن ملف الأوضاع السياسية أو الإصلاح السياسي لم يُنظر فيه بالقدر الكافي وإنه كان أولوية مؤجلة وأنه حان الوقت لفتحها.
إذاً بوصلة الرئيس لفهم الحوار واسعة في القضية التنموية والاجتماعية والسياسية، ونص دعوة الرئيس: إنني أدعو إلى حوار سياسي بين التيارات السياسية والحزبية والشبابية بلا تمييز وليس حواراً وطنيا كما يطلق في الإعلام..
ما هي ضمانات أن يحقق هذا الحوار أهدافه؟
الحوار الحقيقي أن تدخل كل أطراف الحوار بروح الشراكة الوطنية وليس بروح سلطة ومعارضة، وهذا يفرض إننا جميعا متفقون ومختلفون شركاء في وطن واحد وعليهم أن يقترحوا سياسات وتعديلات تشريعية بشأن القضية محل البحث، .يجب علينا جميعا ألا ندخل الحوار بروح أن يتغلب طرف من الأطراف على الآخر، فمن الممكن أن يكون لدى الحكومة في بعض القضايا معلومات أدق، وبالتالي لا يصح أن تدخل الحوار بروح الثأر، فالحوار ليس لإثبات صحة وجهة نظر على حساب الآخرين وإنما البحث عن القواسم المشتركة فيما نتفق عليه كتيارات تحدد نقاط الاتفاق، أيا كانت نسبتها، ونستمر في القضايا الأخرى محل الخلاف قضية بعد الأخرى حتى نقلص مساحة الاختلاف .. والأهم هنا هو ما الذي يجمعنا؟ وما الذي نستطيع أن نتفق عليه؟ وهذا هو العنصر الأول والأساسي في الحوار.
ثانياً: عدم المغالاة في توقع عوائد الحوار، هناك من يطالب بوثيقة مشتركة أو ائتلاف، فهذا ليس مطلوباً أو متصوراً لأنه ستظل الأطراف التي لها اتجاه يميني أو يساري أو ديني أو محافظ أو ناصري أو اشتراكي على رأيها ولن يغير أحد رأيه، ونقول لهؤلاء جميعاً ما المساحة التي يمكن أن نتفق عليها معاً خلال هذه المرحلة أيا كان اتجاهك السياسي، فالتعبير الذي قاله الرئيس هو: نريد عمل اصطفاف وطني حقيقي، يعني الاتفاق على القواسم المشتركة، وهناك بيان خرج من الأحزاب المعارضة يطالب باستمرار الحوار والاتفاق على برامج عمل محددة وتوصيات وكذا في كل القضايا وهذا صعب تحقيقه.وإنما نريد أن نوسع دائرة الحوار، فإذا استطعنا أن نعمل برنامجاً في كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية فهذا أمر جيد، وإذا استطعنا مناقشة 70% من القضايا فهذا أيضا جيد، ونحن نريد نوعا من الواقعية في المطالب المختلفة والتوقعات، فعندما نعد بتوقعات عالية جداً والإعلام ينقلها للشعب، فالشعب ينتظر عقب الحوار هذه النتائج وعند عدم حدوثها يسبب إحباطا للشعب وتأتي نتيجة عكسية.
كيف يدار هذا الحوار حتى يحقق نتائجه؟
إدارة الحوار هي النقطة الثالثة في ضمانات الحوار، أول بيان خرج من الأكاديمية الوطنية للتدريب كان بيانا موفقا لأنه نص على أن الأكاديمية تلتزم أن تدير هذا الحوار بكل موضوعية وأمانة ولا تتدخل في مضمونه، وهذه بداية موفقة لكنها غير كافية، ذلك لأن إدارة الحوارات الوطنية أصبح مجالاً علمياً وهناك كتب وأدلة تدريبية في كيفية طرح الموضوعات، وكيفية تنظيم النقاش.وفي كيفية الميسرين داخل جلسات الحوار- وهم أشخاص ميسرين غير مشتركين في النقاش ودورهم هو البحث عن القوائم المشتركة بين المشاركين في الحوار من خلال الاستماع لكل ما يطرح في الحوار حتى وإن اختلفت الصيغ، والإدارة يقوم بها أناس تعلم كيفية إدارة الحوارات.
ما الفئات المطلوب أن تشارك في الحوار وعددهم؟
الرئيس قال: حوار بين التيارات السياسية والأحزاب والشباب بدون استثناء، ولكنني أرى واعتقد ومعي الكثير من الناس أن يشارك في الحوار الكل إلا الأشخاص أو التيارات أو الأحزاب التي استخدمت القوة أو احتمت بها بغض النظر عن أسمائها، وفيما عدا هذا التحفظ الكل يحضر لأن سلاحه الرأي. الأصعب على إدارة الحوار هو تحديد العدد الذي سيشارك في الحوار، وهنا يجوز أن تقول هناك الأحزاب التي لها تمثيل في البرلمان.
ونتساءل ما الكيانات والمنظمات الشبابية التي نعتبرها معبرة عن رأي الشباب في الحوار؟
والزيادة من نفس الأشخاص أصحاب الرأي الواحد ستكون زيادة عددية، وهناك قضية ثالثة هل سيتم إشراك النقابات أم لا؟ والنظر للجامعات وكيفية مشاركتها، حيث أرى أن ذلك يدخل في مجال العبث وغير مرحب به، ذلك لأن كل جامعة بها هيئة تدريس تضم الآلاف وكليات متنوعة، والجامعات لا تمثل وحدة فكرية ولا تياراً سياسياً، وداخل كل جامعة توجد كل التيارات السياسية.
ولكن إذا رأت إدارة الحوار بعد تحديد قضايا الحوار مشاركة الجامعات أو أحد الكليات فيُطلب رأي أساتذة الكلية أو الجامعة في موضوع محدد لطرح الحلول العلمية في قضية محددة، والفكرة كلها أننا إذا كنا جادين فأحد المحاذير التي تؤدي إلى إعاقة الحوار أن يتحول إلى "زفة ابن العمدة وكل واحد عاوز ينقط " فنحن نتعامل مع تنوع سياسي وثقافي وفكري، وكلما ابتعدنا عن الشعارات اقتربنا من النجاح. والنقابات بحكم القانون هيئة مهنية لا تعمل بالسياسة فهي ليست حزباً ووظيفتها الرئيسية رعاية المهنية والدفاع عن أعضائها وتقديم الخدمات لهم.
والسؤال هل نزج بالنقابات داخل هذا الحوار؟ هذا جزء من إدارة الحوار ولكن يمكن أن يطلب من النقابات إرسال ورقة عمل برأيها في قضايا المهنة كل في تخصصه.
ونأتي إلى العدد المشارك في الحوار ونقول يجب أن يشمل الأطراف الرئيسية تحديد العدد الذي يمثل في الحوار، وأين مكان الحوار؟ وأي قاعة يكون فيها الحوار؟ وما هو شكل هذه القاعة؟ وحتى تنجح في الحوار يجب أن تكون طاولة الحوار بيضاوية بما يشعر الناس بالمساواة وتحديد من الذي يدير الجلسة الأولى، ويجب عمل لجنة لإدارة الحوار من الأشخاص المشتغلين بالوضع العام لهم من السمعة الطيبة والخبرة ويشهد لهم بالوطنية والعمل العام ويتمتعون بالقبول والمصداقية لدى كل الأطراف، فهؤلاء هم الذين يقومون بإدارة الحوار وأتمنى أن يكون اختيار الأشخاص بشكل تشاركي في الجلسة العامة، ثم ينبثق عنها لجان متخصصة في القضايا المختلفة للحوار، وهذه اللجان سوف تتسع لعدد أكبر في المناقشات وزيادة عدد الخبراء، ويجب أن تتمتع هذه اللجان بوجود خبراء من المحاورين الرئيسيين، بحيث تكون فرصة للتعمق في المناقشات في قضايا بعينها مثل قضايا ارتفاع الأسعار والتضخم وتوطين الصناعة ومناقشة القرارات التي صدرت مثل قرار أن تكون الفائدة 18% والذي كان الهدف منه المباشر هو سحب السيولة لأن وجودها في السوق كان يؤدي إلى ارتفاع التضخم فهذا القرار له آثار سلبية بالقطع فمن أين تأتي البنوك بهذه الأموال لتفي بدفع الـ 18% فائدة والسؤال هنا هل لدينا نشاط اقتصادي يقدم عائد 18% في سنة واحدة ..
وما هو هذا المشروع الذي يوفر هذه العوائد الآن في مصر ، وهناك أموال كانت يمكن أن تذهب إلى الاستثمار ولم تذهب بسبب أنها وجدت 18% ربحية.
وأريد أن أقول هنا أن متخذي القرار هو يعلم تمام العلم هذه العواقب السلبية لكن ليس لديه حل بديل ورئيس الوزراء قال سوف تحرك الفائدة وتترك ذلك للبنك المركزي وهذا المثال نوضح من خلاله أننا كلما تعمقنا في بحث القضايا المحددة والمتخصصة من خلال الخبراء تكون النتيجة أفضل.
ما هي القضايا التي يجب أن تطرح خلال الحوار السياسي ؟
لن نبدأ من فراغ، فالرئيس طلب الحوار حول 13 قضية في إطار المشروع الوطني الذي بدأ من 2014 وحتى 2022 هذا المشروع الذي حقق نجاحات نعتز بها ولكن ينبغي مراجعته بالتعديل والإضافة وربما ونحن نسارع في الإنجاز والعمل سقط منا جزء مهم من المشروع، وأشار الرئيس إلى أن الباب مفتوح، لإضافة قضايا أخرى للنقاش والحوار طالما كان الهدف هو الإصلاح والتطور والتنمية لبلدنا.
وإذا تم التعامل مع هذه القضايا بطريقة أيديولوجية فستؤدي إلى انقسام لأن الاختلافات الأيديولوجية موجودة وستظل.
ما رؤيتك لتعامل الإعلام مع جلسات هذا الحوار؟
علينا أن نتفق أن الحوار هو انفراجة في الحياة العامة والسياسية والاقتصادية وإذا أخذ مأخذ الجد سيكون جزءاً من مرحلة جديدة والطريق إلى الجمهورية الجديدة وسيكون دفعة كبرى للمشروعات التي بدأتها مصر، فضلاً عن تفعيل لجنة العفو الرئاسي ومناقشة قانون الأحزاب لأنه لا يوجد تنشيط للحياة السياسية بدون أحزاب فحينما تشعر الأحزاب بأنه ليس لديها فرصة للوصول للحكم والبرلمان والاعتماد على القوائم المطلقة فهذا يعطل من نشاط الأحزاب إذا لابد من إعادة النظر في القانون وهناك صيغ كثيرة في الانتخابات غير القوائم المطلقة.
رابط دائم: