رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صوت على الحجار.. صديق وقت الضيق

بهاء الدين يوسف
على الحجار

أثارت عودة على الحجار لغناء تتر مسلسل جزيرة غمام فى رمضان الماضى حالة من الوجد والشجن التى عاشها الجيل الذى تفتح وعيه فى ثمانينيات القرن الماضى مع صوته وهو يشدو بتترات عدد من أبرز مسلسلات الشهر الكريم، وهى الحالة التى دفعت البعض لتذكر بأن رمضان لم يعد هو نفس الشهر الذى كنا نعيش أمسياته فى الماضى بشغف كبير ونحن ننتظر الاستماع لتتر المسلسلات التى يغنيها على الحجار من كلمات سيد حجاب وألحان الشريعى أو عمر خيرت.

.............................

هذه الجملة فى الحقيقة تختصر كثيرا من الكلام الذى يمكن أن نصف به الحالة الإنسانية وليست فقط الفنية التى نجح المطرب الموهوب فى أن ينقلنا إليها خلال سنوات الثمانينيات وبداية التسعينات حين كان يشدو بتترات مسلسلات رمضان منذ ظهوره الأول فى مسلسل «الأيام» مرورا بـ «الشهد والدموع» و«أبو العلا البشري» و«غوايش» و«اللقاء الثاني» و«المال والبنون» وغيرها.

فإلى الآن لا يتفق الكثيرون من مواليد الستينيات والسبعينيات على شيء بقدر اتفاقهم على أن صوت على الحجار كان هو الشيء الأكثر امتاعا لهم، بل يمكن وصفه ببساطة أنه كان وسيبقى صديقا وقت الضيق الذى يستطيع وحده أن يزيل من داخلنا أى حالة ضيق مهما بلغت حدتها، فقد كنا نجد فى صوت الحجار سلوانا لنا حين نخفق فى قصة حب من تلك القصص البلهاء التى اعتدنا أن نعيشها فى سنوات الجامعة وما قبلها، مثلما كنا نلتمس عنده فى أحيان أخرى الصبر على ما كنا نتعرض له من قهر عائلى أو اجتماعى، فقد كنا فى ذلك الزمن البعيد نردد دائما جملته الشهيرة من تتر مسلسل «الشهد والدموع» «كلنا من أم واحدة أب واحد دم واحد بس حاسين باغتراب» التى أبدعها سيد حجاب بقلمه وصاغها بعشق عمار الشريعى بألحانه وفجرها الحجار بصوته فى قلوبنا.

كان الحجار إلى جانب محمد منير جناحى الغناء اللذين نقلا جيلنا إلى تخطى فترة الطفولة إلى مرحلة الوعى بقضايا بلدنا السياسية والاجتماعية، كان منير يقود ثورة التمرد على إرث الأجيال السابقة وموسيقاها وأغانيها التى عاشت فى وجدان المصريين لعقود، بينما كان الحجار الأقل تمردا يحرك الأرض بهدوء وعمق تحت تماثيل الفن التى عبدتها الأجيال السابقة لسنوات طويلة.

نجح الحجار فى بدايته أن يقدم شكلا مختلفا عن من سبقوه، صوت أجمل وأعمق تأثيرا فى نفوس من يستمعون له، ومواصفات جديدة للنجم مختلفة تماما عن المواصفات التى كانت سائدة طوال ما يقرب من 60 عاما قبلها والتى جسدتها فى مواضع متباينة وسامة فريد الأطرش وجسد محمد قنديل الممتلئ والقوة البدنية الواضحة فى محمد رشدى وخفة ظل محمد فوزى بجانب النظرة المكسوة بالحزن والحرمان التى كسب بها عبد الحليم حافظ شعبية فاقت كل من سبق ذكرهم.

لكن على الحجار ظهر بوجهه الذى تبرز منه عظام الوجنتين وجسده النحيل ونظرته الجادة التى لا تترك أثرا على مشاهديه لا بالإيجاب ولا بالسلب، كان كل ما لديه صوته العميق الذى يثير فى النفوس شجونا لم نكن ندرى وقتها إنها موجودة داخلنا من الأساس، وكلمات أغانيه التى لا تشبه ما كان يغنيه المطربون السابقون بداية من ظهوره الأول فى ليلة رأس السنة لعام 1977 حين قدم أغنية «على قد ما حبينا» من تأليف عبد الرحيم منصور وألحان بليغ حمدى، مرورا بأغنيات «اعذريني» و«متصدقيش» و«فى قلب الليل» وغيرها من أغنيات تركت كل واحدة منها فى قلوبنا ذكرى تستعصى على النسيان.

ربما ساعد فى تقبل الناس لعلى الحجار كوجه جديد أنه ظهر فى ذروة مرحلة تغير فى مواصفات النجوم أو لنقل مرحلة تمرد مجتمعى على الصورة النمطية للنجم، وكان نتاج تلك المرحلة أن تقدم الصف نجوما لا يحملون صفات نجومية العصور السابقة، فكان أحمد زكى ويحيى الفخرانى فى التمثيل، والحجار ومنير فى الغناء، وبقدر ما كان هؤلاء محظوظين باعتبارهم طليعة مرحلة التمرد على المألوف، كان المجتمع كله محظوظا بوجودهم فى ذلك الوقت كونهم شاركوا فى إنقاذ الفن من السقوط فى هاوية أذواق مجتمع الانفتاح الذى كان قد تشكل قبل ذلك بسنوات قليلة وبدأ يفرض ذوقه الهابط على السينما والغناء ليفرز ما اصطلح على تسميته أفلام المقاولات التى وصفها المخرج محمد كامل القليوبى بأنها شكّلت الموجة الأكثر هبوطًا فى تاريخ السينما المصرية، كما ظهر فى الغناء مطربو شارع الهرم أو المطربون الشعبيون بمواصفات رجال أعمال عصر الانفتاح.

شيء واحد ظل ينقص المسيرة المهنية الناجحة لمطرب صاحب صوت عبقرى مثل على الحجار، هو خصامه غير المقصود مع الإعلام الذى ظلمه فى عدم حصوله على ما يستحقه من شهرة فى وقت حصل فيه مطربون ظهروا بعده ولم يملكوا ولو قدرا ضئيلا مما كان يملكه من موهبة وثقافة كانت تمنحه قدرة على اختيار كلمات أكثر عمقا لأغانيه، لكن هؤلاء تفوقوا عليه بسلاح العلاقات العامة الذى لا يجيده الحجار بحكم تربيته المحافظة فى حى إمبابة الشعبى الشهير مع والده وأخيه الراحل أحمد الحجار، وهو قصور لا يتحمل «علي» أى ذنب فيه، حيث يتعامل الرجل مع الإعلاميين بكل أدب وود ولا يتعالى على إعلامى مهما كان صغيرا ولا يرفض دعوة لحوار أو مشاركة فى ندوة، لكنه فى المقابل لم يفعل مثل غيره فى صنع جيش من الإعلاميين المستفيدين منه والمدافعين عنه بالحق وبالباطل.

جمعتنى أكثر من صدفة مهنية بعلى الحجار ووجدته على الطبيعة أكثر أدبا وأرفع خلقا مما كان خلف الميكروفون أو على الشاشة.

لن أبالغ اذا قلت إن على الحجار لديه من الخجل ما يجعل وجهه يحمر حياء حينما يتجاوز بعض الصحفيين حدود الذوق واللياقة فى حديثهم معه، وهناك مواقف فى هذا السياق كنت أنا وأحد الأصدقاء فى الصحف الأخرى شاهدين عليها، لكن لا يتسع المجال لذكرها هنا دون استئذان صاحبها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق