تخرجت أخيرًا دفعة 2022 من الأكاديمية العسكرية الأمريكية، وتعرف أيضا بـ«ويست بوينت» نسبة إلى المنطقة التى توجد بها فى ولاية نيويورك. هذه الأكاديمية هى أعرق الجامعات العسكرية الأمريكية وتأسست عام 1802. ورغم سعادة هؤلاء الشباب بتخرجهم من أكاديمية الصفوة، وإحساسهم بالفخر لأنهم صاروا مقاتلين برتبة ملازم ثان بالجيش الأمريكى، إلا أن تخرجهم يأتى لحظة تشهد تغيرات جوهرية فى طبيعة الحروب ومهام الجيوش.
وفى حديثه للخريجين، اختار الجنرال «مارك ميلى»، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكى، أن ينبه الخريجين للتحديات التى تواجه دفعتهم، فأمريكا اليوم تشتبك فى حروب فضاء وإنترنت إلى جانب الحروب التقليدية فى البر والبحر والجو.
قال «ميلى» إن أمريكا لم تعد القوة العالمية التى لامنازع لها، بل ويتم اختبارها فى كل مكان. فى أوروبا من خلال حرب روسيا على أوكرانيا، وفى آسيا حيث النمو الاقتصادى والعسكرى الهائل للصين والتهديدات الصاروخية لكوريا الشمالية، وفى الشرق الأوسط وإفريقيا حيث الصراعات الإقليمية والإرهاب.
ورغم أن الحرب لاتزال قرارا سياسيا من قبل طرف ما لفرض إرادته السياسية على الخصم، لكن كل ما يتعلق بكيفية خوضها ووسائلها يتغير بصورة أساسية وعميقة، وسيستمر التغير خلال السنوات الخمس والعشرين أو الثلاثين القادمة. ويقدم الجنرال «ميلى» الحرب الحالية فى أوكرانيا كنموذج لحروب المستقبل المعقدة التى يتم فيها الاشتباك مع أعداء مراوغين يجمعون بين الإرهاب والحرب التقليدية، وتجرى فى مناطق حضرية وتستهدف السكان المدنيين. يقول، فى الأسابيع الأولى من هذه الحرب كان التركيز على الأسلحة بعيدة المدى الدقيقة مثل صواريخ «ستنجر» و«جافلين». الآن ومع تطور العمليات صار الاعتماد على المدفعية لاسيما مدافع «هاوتزر».
يقول إن الجيش الأمريكى لايمكنه التمسك بالمفاهيم أو الأسلحة القديمة، لابد من تحديث طرق التفكير والتدريب والقتال بما يضمن الردع والفوز فى الصراع العالمى. لابد للجيش الأمريكى أن يحافظ على السبق فى مجال الابتكار. خريجو اليوم من رتبة ملازم ثان سيقاتلون بالوسائل التقليدية، ويعتمدون كذلك على الذكاء الاصطناعى والوقود الاصطناعى والتصنيع ثلاثى الأبعاد والهندسة البشرية.
وتجرى منذ فترة عمليات تحديث غير مسبوقة. مثال ذلك تسليح الأسطول بصاروخ «هيل فاير» المتطور الذى يقول الخبير العسكرى «كريس أوزبورن» إنه يمكن إطلاق هذا الصاروخ من سطح السفن لتشتيت العدو وتوسيع نطاق العمليات القتالية. ومن ذلك أيضا المناورة التى جرت مؤخرا بنجاح فى ولاية يوتا، لاستخدام سرب من الطائرات المسيرة كى تتوغل فى أراضى العدو لجمع معلومات عن منطقة هبوط مقصودة لعملية هجومية تقوم بها طائرة هيليكوبتر مأهولة.
ولم ينس الجنرال «ميلى» أن يُذكر خريجى دفعة 2022 بأنهم أمريكيون أحرار يتحدد تقدمهم فى المؤسسة العسكرية بمقدار مايمتلكه كل واحد منهم من قدرات ومواهب. وأن ذلك الشاب الذى يرتدى هذا الزى، الجندى سيظل أهم ماتمتلكه الأمة. وفى استعارة شاعرية تجسد التحديات المنتظرة، شارك الجنرال «ميلى» هؤلاء الشباب ذكريات تخرجه من الأكاديمية نفسها قبل 43 عاما، مقتبسا مقطعا من أغنية قديمة لـ»بوب ديلان» تقول، «الآن، وبينما نجلس هنا على متن طائرة فى «ويست بوينت»، يمكننا رؤية الأعلام ترفرف مع الريح، ونسمع صوت الرعد يزأر، فالأمطار الغزيرة على وشك السقوط».
رابط دائم: