-
أستاذ التاريخ يجب ألا يحصر نفسه فى فترة تاريخية، لكن يجب أن يكون شاملا فالتاريخ حلقات متصلة
-
الاحتلال العثمانى من أسوأ فترات مصر التى أعادتنا سنوات للخلف
-
هذه قصة يهود مصر من البداية وعبدالناصر برىء من اتهامات طردهم
-
التاريخ ذاكرة الأمم ولا يمكن الجزم بأنه يوجد تاريخ موثوق فيه بنسبة 100% وهناك "الجرح والتعديل"
أشبه برحلة عبر الأزمان كان حوارنا مع الدكتورة زبيدة عطا أستاذة التاريخ والعميدة السابقة لكلية الآداب جامعة حلوان وعضو مجلس إدارة اتحاد المؤرخين العرب، حوارا استغرق ساعتين تنقلنا خلالهما بين حضارات قامت على أطراف الدنيا وأخرى اختفت فى ظروف وملابسات تستدعى التأمل، لكن اللافت أن مصر كانت دوما حاضرة بين كلمات الدكتورة زبيدة التى خطفها تاريخ العصور الوسطى منذ التحاقها بالجامعة بداية الستينيات من القرن الماضى وحتى اليوم كانت مصر دائما حاضرة فى مؤلفاتها بنسيجها المتفرد فتارة عن يهودها وأخرى عن القبطى أى المصرى فى العصر المسيحى ثم العصر الإسلامى ثم تقترب من النيل ووثائق حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، حوار طويل غصنا فيه فى كل ما يتعلق بمصر الضاربة فى عمق التاريخ بدأته بأننا أصحاب حضارة يمكن أن نستعيدها بالعلم ومعرفة من نحن وأين نقف وإلى أين نريد أن نذهب ليمكننا تحقيق كل ما نتمنى لكننا يجب دائما أن نعلم من أعدائنا وننتبه لمن يحاول عرقلة طريقنا, وإلى نص الحوار:
لماذا دراسة التاريخ؟
كنت أرغب فى الدراسة الأدبية واختيار التاريخ كتخصص جاء بنصيحة من صديق لوالدى وكان أستاذا كبيرا فى التاريخ الفرعونى وهو الدكتور أحمد فخرى أستاذ الآثار، وبالفعل قدمت بقسم التاريخ لأنى كنت معجبة بشخصيتين تاريخيتين بشكل كبير هما «كليوباترا» و«الإسكندر الأكبر» خاصة كليوباترا فهى سيدة ذكية ومثقفة وطموحة هزت عرش الإمبراطورية الرومانية، ومن أساتذة التاريخ التى أعتز بها رغم أنها لم تدرس لى الدكتورة سيدة الكاشف فهى من كبار أساتذة التاريخ ومن أوائل السيدات اللاتى درسن التاريخ وكانت صاحبة فكر متطور، ثم تخصصت فى تاريخ العصور الوسطى بشقيها الإسلاميه والأوروبى وأرى أن أستاذ التاريخ يجب ألا يحصر نفسه فى فترة تاريخية هى تخصصه لكنه يجب أن يكون شاملا.
ما أهمية دراسة التاريخ؟
التاريخ من أهم العلوم فهو يشبه الإنسان وهو ذاكرة الأمة، ولا أتصور أن بلدا لا يكون له تاريخ فحتى الدول الحديثة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وقد درست بها عاما ووجدتهم مهتمين بالتاريخ بشكل كبير وغيرهم فكل الدول تأتى لنفسها بمرجعية تاريخية، فما بالنا نحن ولدينا تاريخ متصل لقرون طويلة تضرب فى جذور الحضارة الإنسانية.
ما رأيك فى أقاويل مثل التاريخ يكتبه المنتصرون وأنه لا يوجد تاريخ حقيقى فهو دائما ما يحمل وجهة نظر كاتبه أو راويه؟
لا يمكن القول بأن هناك تاريخا موثوقا فيه بنسبة مائة بالمائة، فنحن كدارسى تاريخ نأتى بموادنا من الوثائق وصحيح أن التاريخ يكتبه المنتصرون فدائما المهزومون تغلفهم الضبابية فى حين التركيز على الشخصية التى حققت انتصارا أو نجاحا فحتى فى تاريخنا الإسلامى حين كان الخلاف بين الأمين والمأمون وانتهى الأمر بقتل الأمين وانتصار المأمون وعندما نراجع الكتب عن هذه الفترة نجدها جميعها تقريبا تذم الأمين وتنسب بطولات لا يمكن للعقل استيعابها للمأمون، وهناك مصطلح «جرح وتعديل» فى التاريخ على أساس أن هناك روايات لا يمكن التأكد منها تماما، كما أن هناك أحداثا تمت كتابتها بعد حدوثها بفترات طويلة ما يطرح تساؤلا عن كيفية إثباتها.
بالعودة للتاريخ المصرى الذى وصفته بأنه ضارب فى عمق الحضارة الإنسانية فهل أحطنا به جيدا؟
حقيقة أن التاريخ الفرعونى القديم لدينا أساتذة كثر متميزون به، ومنذ اكتشاف الحروف الهيروغليفية وفك رموز حجر رشيد وكأننا فتحنا صندوقا مغلقا فأصبح فى استطاعتنا فهم اللغة المصرية القديمة ومقارنة النصوص اليونانية بالديموطيقية والهيروغليفية وضعنا أمام كنوز ما أدى إلى أن جميع الأسرار أصبح بالإمكان فهمها بعد أن كان يتم تفسيرها بتفسيرات عدة.
ولكن هناك أقاويل بأنه كان متعمدا طمس التاريخ المصرى قبل ذلك فهل هذا صحيح؟
ليس صحيحا فحتى الغرب الأوروبى كان مهتما بفك أسرار الحضارة المصرية القديمة والكشوف الأثرية المصرية والتنقيب عنها جميعهم فى البداية كانوا أوروبيين، وغموض الفراعنة كان يجذب الغرب ولكن لذلك كان سلبياته لأن جزءا كبيرا من الاكتشافات الكبيرة والمهمة كانوا يأخذونها للخارج؟
هذه الاتهامات طالت الرومان فهل يمكن لحضارة أن تقوم على أنقاض حضارة أخرى؟
هنا لابد من توضيح فمثلما قال «ابن خلدون» رائد علم الاجتماع ان لكل حضارة دورة تشمل بداية ثم ازدهارا ثم انهيارا، والحضارة الفرعونية استغرقت آلاف السنوات ولم يتم طمسها وآثارها باقية حتى اليوم ولا يزال غموضها يتكشف، وهناك حضارة أخرى قامت هى الحضارة اليونانية وبرغم ما تضم من فخامة ومبان وغيرها لكن الحضارة المصرية كانت لها من التقدم فى مجالات علمية مثل الطب والهندسة والمنشآت والفلك الذى لا يزال حتى اليوم يتم الاحتفال بأمور يندهش العالم كيف وصل لها المصرى القديم منذ آلاف السنين مثل تعامد الشمس على وجه تمثال الملك فى يوم مولده ويوم تنصيب الملك وغير ذلك، والحضارة اليونانية كانت حضارة فكر حيث أفلاطون وأرسطو ثم جاء الرومان وقامت الإمبراطورية الرومانية التى انتهى بها الأمر للسقوط فيما بعد وقامت دول الغرب الأوروبى على أنقاضها فهى دورات تاريخية مختلفة، وحتى خلال الحضارة الرومانية وحكم البطالمة لكن كان هناك اهتمام بالناحية العلمية فى مصر وبناء مكتبة الإسكندرية والازدهار الثقافى، وقديما قيل ان الطبيب الذى لم يتخرج فى جامعة الإسكندرية لا يعتبر طبيبا وهذا يعكس مدى الازدهار لكن بالطبع كنا نعتبر ولاية بعد أن كنا دولة كبيرة فى العصر الفرعونى لدولة فى العصر البطلمى ثم ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية فانتهى استقلالنا.
وكيف انعكس ذلك علينا؟
التفرقة بين اليونانى والمصرى حتى وصل الأمر أنهم كانوا يعتبرون الإسكندرية لما لها مكانة خاصة لديهم أنها مجاورة لمصر، وازداد الأمر سوءا فى التفرقة بعد أن جاء الرومان حتى أنه كان لا يجوز لرومانى أن يتزوج مصرية فلا يعتبر زواجا واستمر الحال حتى عام 476 وانقلب الجزء الشرقى للدولة البيزنطية وهى الدولة الرومانية لكنها عندما دخلت اعترفت بالمسيحية لذلك يتم اعتبارها فترة جديدة من الدولة الرومانية هى الدولة البيزنطية لكن الجزء الغربى كان قد انفصل فى فترة سابقة فظلت مصر تحت سيطرة الدولة البيزنطية وكانت مصر من أوائل الدول التى اعتنقت المسيحية وكان أكثر من تعرض للاضطهاد من الأباطرة الرومان هم أهالى مصر وكنيسة الإسكندرية كانت تعتبر من أهم كنائس العالم ولو أنها دخلت فى خلاف مع الدولة حول المذهب فكان هنا الأرثوذكس وهناك الارثوذكس الروم الذين كانوا يسمون المالكانيين وكانت الحبشة تتبعنا، ومنذ البداية كان الأسقف الخاص بهم بتعيين البطريرك المصرى.
وماذا عن يهود مصر وهل أخطأ الرئيس الراحل عبدالناصر بطردهم أم أنه كانت له مبرراته فى ذلك؟
جميعهم حاليا يركزون على عبدالناصر لكن القصة من البداية أن اليهود وقت حكم محمد على كان عددهم 7000 هم اليهود المصريون ومع بداية عملية النهوض بمصر فهو يعتبر بالفعل مؤسس مصر الحديثة ولعمل الإنشاءات استعان بالأجانب وخاصة الفرنسيين وكانت بنوك مثل أوبنهايم وروتشيلد وغيرهما تقرض أموالا فبدأت تأتى مصر عناصر يهودية يجذبهم النشاط الاقتصادى الموجود وزاد الأمر فى عهد الخديوى إسماعيل الذى كان يطمح لأن تكون مصر على غرار باريس وهو ما انعكس حتى على المبانى فى عهده ومع التوسع بدأ يستدين بكثافة وكانت لهم سياستهم فى الإقراض فإذا كان يحتاج 11 مليون جنيه يعطونه فعليا 7 ملايين ويكون مدينا لهم بـ 11 مليونا والباقى هى فوائدهم وبدأوا يدخلون مستشارين أجانب فى الحكومة وبدأت مصر تكون مطمحا للأجانب عامة وخاصة اليهود فبدأت أعدادهم تزداد إلى أن وصل عددهم فى الثلاثينيات إلى 60 ألفا منهم عدد كبير من اليهود من جنسيات مختلفة بدأوا بنزع ملكية الأراضى من الفلاحين بعد إقراضهم أموالا وتوقيعهم على اشتراطات لم يكن يقرأها الفلاح ومع تعثر السداد يتم نزع ملكية الأرض حتى اضطر رئيس الوزراء إسماعيل صدقى إلى إصدار قانون لمنع نزع ملكية أراض أقل من 5 فدادين لتحجيم هذا الأمر، وهناك كتاب لطلعت حرب اسمه «علاج مصر الاقتصادى» يتحدث عن سيطرة الأجانب واليهود اقتصاديا وكان بداية الفكرة للمنشآت الاقتصادية المصرية التى أنشأها فيما بعد فى كافة المجالات الزراعية والصناعية والفنية حيث شركات السينما والتأمين والتجارة والبنوك وغيرها وحتى مع إنشاء بنك مصر ونتيجة قوة نفوذهم اضطر لإدخالهم فى مجلس الإدارة وبعدها أبعدوه هو عن المجلس وانتشر نشاطهم فى كافة المجالات مثل المواصلات وشركات الترام والسوارس والأقطان وغيرها وحتى الحرف الصغيرة انتشروا بها وكانت الكثيرات من وصيفات الملكة نازلى يهوديات وكذلك بالسينما والتجارة، ومع التوغل ظهرت كيانات سياسية تهاجمهم مثل مصر الفتاة والإخوان المسلمين.
ولكن كان متاحا لهم فيما بعد الحصول على الجنسية المصرية فماذا فعلوا؟
بالفعل بعد الحرب العالمية وهزيمة العثمانيين تم فتح باب الجنسية المصرية فى نهاية العشرينيات ولم يتقدم سوى عدد قليل لطلب الجنسية لكن الغالبية فضلت الإبقاء على جنسياتهم للاستفادة من قانون المحاكم الأجنبية فكانت تتم محاكمتهم وفق قانون خاص بهم والقضاة كانوا من الأجانب، كما كانت محلاتهم وفق وثائق الشركات منتشرة بوسط البلد والعمالة غالبيتها يهود إلا فيما ندر وفى الوظائف الدنيا، وعندما صدر قانون الشركات عام 1947 كان من بين الأسباب لرحيلهم من مصر خاصة وأنه قد بدأ استشعار الخطر قبل ذلك بمؤشرات مثل صدور جريدة من مصر اسمها «إسرائيل هنا» تدافع عن حق اليهود فى فلسطين وتهاجم المفتى والفلسطينيين وكان من ضمن مقالاتها مقالة لـ «بن جوريون» وبظهور كيانات سياسية تهاجمهم وكذلك الفكر العروبى يدعو لعروبة مصر والقومية العربية التى انتهت بقيام الجامعة العربية برئاسة عبدالرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية.
ولكن ماذا كان الأمر على المستوى الشعبى؟
فى البداية لم يكن هناك شعور بالخطر بدليل أن مفكرين كبار مثل طه حسين ولطفى السيد ذهبا للجامعة العبرية وكان طه حسين مشرفا على رسالة بها عن يهود الحجاز فلم يكن هناك تصور لأن تتحول المشكلة للواقع الحالى، لكن منذ عام 1936 وبدء الصراع بدأ استشعار الخطر مع فهم القضية، وهناك وثيقة طريفة عام 1940 وهى شكوى ضد «قطاوى» وكان من كبار الملاك الأراضى كان يملك 30 ألف فدان بقيمة «5 صاغ» للفدان وبعد بناء خزان أسوان نقل الفلاحون لمنطقة قريبة من الخزان وبدأوا الزراعة فأراد وفقا لاتفاقية أن يحصل على 30 ألف فدان أخرى فقام الفلاحون بتقديم شكاوى للملك وضمن ما كتبوه بها أننا لا نريد أن نصبح مثل الفلسطينيين، ثم ألقت الأجواء العالمية بظلالها مع الخطر النازى وموقف هتلر من اليهود وقدوم روميل بجيوشه خاف اليهود هنا على أنفسهم وهاجر منهم الكثيرون خاصة الأثرياء ومنهم مثلا «بلاتشى» الذى باع ممتلكاته وهاجر لجنوب إفريقيا، وكانت قد بدأت عمليات الجذب الإسرائيلية للمستوطنات بالترويج لفكرة الحلم والحياة المنشودة وصادف ذلك هوى لدى غير الأغنياء من اليهود ومنهم الموجودون بمصر الذين يعتنقون هذا الفكر.
هل تقصدين أن أثرياء اليهود لم يهاجروا لإسرائيل؟
نعم لكنهم كانوا يتبرعون لها بالأموال للمساهمة فى بناء المستوطنات، وكانت حرية الحركة متاحة بل وكان هناك إعلانات بالجرائد لشراء أراض بفلسطين وكانت الخمور يتم الإعلان عنها فكانت هناك إعلانات لشراء النبيذ من المستوطنات باعتباره أفضل الأنواع، حتى أن كبار المحلات مثل شيكوريل وشملا كان لديها صناديق تبرعات للصندوق القومى الإسرائيلى ليتبرعوا فيه للوطن القومى وفق معتقدهم.
وماذا عن اليهود المصريين؟
جزء منهم أحبوا مصر وبقوا بها ولم يغادروها وكثير منهم كانوا ضد الصهيونية خاصة من الشباب وكونوا رابطة لكن مؤيدى الصهيونية كانوا يحاربونهم وكانت الحكومة تساندهم للأسف لخوفها من الشيوعيين، لكن هناك من سافر منهم ووفق كتابات يهودية كانت هناك مستوطنة لليهود المصريين ومنهم من حارب ضدنا فى حرب 1948، وبالعودة لصحف تلك الفترة تم ضبط أعداد كبيرة تتخابر مع إسرائيل حتى أن الملك فاروق أصدر قراره بمنع الهجرة خوفا من ضياع رأسمال البلاد وإحداث هزة فى الاقتصاد المصرى ومن يريد الخروج يكون خروجا بلا عودة.
وماذا كان الموقف الشعبى لبقية المصريين سواء المسلمين أو المسيحيين؟
بدأت عملية الشك وبعد أن كان النسيج الوطنى ليس بينه خلاف أصبح هناك تشكك من اليهود، وكان كل ذلك قبل مجىء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى استقبله اليهود القرائيون فى الحاخامية وكانت كلمته حينها طيبة فلم يكن قد أخذ منهم موقفا حتى وقت عملية «لافون» أو فضيحة لافون الفاشلة عام 1954 وكانت عملية سرية إسرائيلية تستهدف تفجير أهداف مصرية وأجنبية بمصر وللأسف من فعلها يهود مصريون ومن بينهم طبيب ووفق اعترافاتهم كانوا قد ذهبوا لإسرائيل تدربوا بها ثم عادوا لمصر لتنفيذ العملية.
لك العديد من المؤلفات مثل «قبطى فى عصر مسيحى وقبطى فى عصر إسلامى» بجانب مؤلفات «يهود مصر» و «يهود العالم العربى» فما سر هذا الاهتمام الذى يغوص فى التفاصيل؟
أولا بالنسبة للمؤلفات عن اليهود فقد قرأت ذات مرة كتابا لمؤلف يهودى اسمه مارك كوهين الذى كان يتفاخر بالكتابة عن تاريخ اليهود فى مصر رغم عدم اهتمام المصريين بالكتابة عنهم، ووصل الأمر بمطالبة مصر بالأملاك يدعون أنها كانت لهم رغم أنهم باعوها واختاروا الهجرة مثلما ذكرنا وغير ذلك من ادعاءات بناء الأهرامات، وهو ما جعلنى ابحث وأكتب بالوثائق هذه المؤلفات التى تدحض كافة الإدعاءات الإسرائيلية الخاصة بمصر.
وقد درست مثلا وثائق الجنيزة وهى وفق معتقداتهم؟
هذه الوثائق التى بحثت فيها هى وثائق تخص اليهود نسبة لجنز ووفق معتقداتهم الكتابات التى عليها اسم الله يضعونها فى غرفة فى المقبرة وتتعلق بكافة نواحى الحياة وتضم خطابات شخصية وتجارية و خطابات بيع وشراء وعقود زواج وغيرها، وتنقسم لنوعين الأول عن العصور الوسطى وجميعها تقريبا خرجت من مصر للمكتبات الأوروبية واهتم بدراستها المؤرخون اليهود، والنوع الثانى هو المجموعة الحديثة أو مجموعة «موصيرى» وهى ما قمت بالعمل عليها وهو موجودة بمصر وتعتبر تراث مصر ورغم أن هناك مطالبات يهودية بها لكن كارمن وينشتين الرئيسة السابقة للطائفة اليهودية بمصر رفضت وأعلنت أنها تراث مصرى عندما طلبوا الوثائق الموجودة بالمعبداليهودى، وهذه الوثائق اعتمدت عليها فى كتاباتى عن يهود مصر الجانب الاجتماعى والاقتصادى بجانب الوثائق التى خرجت من مصر فى كتاباتى عن يهود العالم العربى، وبالنسبة لمؤلفات «قبطى فى عصر مسيحى» و«قبطى فى عصر إسلامى» فكلمة قبطى تعنى مصرى وكنت أعنى المصرى فى الفترة المسيحية والمصرى فى الفترة الإسلامية.
وما هى أوجه الشبه والاختلاف؟
الشخصية المصرية لها تكويناتها الأساسية التى لا تتغير، فمثلا جزئية الدين فالمصرى متدين بطبعه منذ الفراعنة حتى وإن كان تدينا ظاهريا ما أثر على سماته الشخصية التى تميل للسماحة ولا تميل للعنف إلا فى حالات قليلة وساهم فى ذلك طبيعة الحياة حيث النيل الذى يفيض فى أوقات معينة فيسر الأمور وعبدالنيل وأقصى ما كان يعترض به «شكوى الفلاح الفصيح» والتدين كان من الأمور التى استغلها الحكام والمستعمرون فحتى عندما جاء اليونانيون زاوجوا بين الآلهة المصرية واليونانية واتخذوا من العادات الفرعونية والأزياء تقربا، ورغم أن الرومان فى البداية هاجموا المصريين وعبادتهم للحيوانات إلا أنه فيما بعد وجدنا عبادة إيزيس انتشرت فى روما واعتنقها بعض الأباطرة.
إذن مسألة أن المصرى يترك بصمته على المحتل وليس العكس صحيحة؟
بالفعل فحتى اللغة لم يتحدثها المصريون رغم سنوات الاحتلال، لكن نجد امتزاجا للحضارات المختلفة فى شخصية المصرى فترك بصمته على الجميع، فضلا عن تعرض مصر لأهوال تاريخية لكنها بقيت مستمرة.
لكننا تراجعنا حضاريا؟
هناك عدم تقدم فكرى خلال فترات الاحتلال خاصة خلال الاحتلال العثمانى الذى أراه أسوأ فترة فى تاريخ مصر أرجعتنا عصور للخلف، بالإضافة إلى الاستنزاف الذى صاحب هذه الأحداث الجسيمة، وحتى العالم الإسلامى بعد فترات توهج «ابن سينا» و«ابن رشد» و«ابن النفيس» أصبح الحال بعد ذلك متراجعا.
من أين نبدأ لنستعيد مكانتنا؟
تاريخيا البداية السليمة من بناء الإنسان بالتعليم والاهتمام بالعلم والبحث العلمى.
وماذا عن التاريخ وتدريسه؟
كنت ضمن لجنة منذ أكثر من عشرين عاما لمراجعة كتب التاريخ والحقيقة وجدنا أخطاء كثيرة، ولابد أن يكون الهدف إيجاد انتماء لهذا البلد لدى الطالب ويشعر بقيمته وتاريخه ورموزه خاصة أن غنى التاريخ المصرى لابد أن يكون مصدرا للفخر فى مقابل حملات التشويه التى يتعرض لها.
رابط دائم: