► مواطنون: ملوثات المصانع والطفيليات قضت على كل مظاهر الحياة بالبحيرة
► شيخ الصيادين: فقدنا مصدر رزقنا منذ ٩ سنوات وتعرضنا لأزمات كثيرة
► أهالى «شكشوك»: قريتنا أوشكت على الاندثار
إلى بحيرة قارون بمحافظة الفيوم والبيئة المحلية المحيطة بها، كانت وجهتنا، ذهبنا سعيا وراء تقديم صور حياتية من الواقع، فما بين إعلان محافظة الفيوم القيام بأعمال تطوير البحيرة لاستعادة الروح فيها من جديد واستغاثات الصيادين والأهالى الذين لا يشعرون بتحسن واقع البحيرة منذ تسع سنوات.
من أرض الواقع ننقل صورة قريبة لأحوال ومعاناة صيادى قارون بعد تردى أعمال الصيد بها، تحدثنا مع بعض من يقطنون قرية «شكشوك» المطلة على البحيرة والأقرب إليها.
فى البداية يقول عمر عبدالله - شيخ الصيادين بالقرية: «لا نشعر بأى تطوير والدليل على ذلك أنه على مرمى البصر لا تجد حولك سوى المياه الراكدة لونها مائل للسواد ولا دليل على وجود أسماك أو أى حياة بحرية من أى نوع أو حتى مراكب للصيد، وقد تعرضنا لأحوال لا يعلم بها إلا من خلقنا، وحاولنا كثيرا وعبر وسائل عديدة أن نبعث بشكاوى إلى المسئولين لكن لم يجد أى جديد. وتابع أن كل الصيادين فى بحيرة قارون فقدوا مصدر رزقهم منذ ٩ سنوات، وتحولت شكشوك لواحدة من أفقر القرى، وأى كلمات لا يمكن أن تصف حال قرى كاملة تعانى البطالة، فهم لا يجيدون سوى حرفة واحدة وفجأة فقدوها، وأى مواساة يمكن أن تهون عليهم ما يشعرون به؟
وبنظرات أقرب للصراخ أضاف: «احنا عايشين قصة مأساوية كبيرة، نحن عاطلون منذ توقف أعمال الصيد، وسيدات القرية أصبح عملهن تقشير الجمبرى مقابل جنيه ونصف الجنيه للكرتونة واستخدام القشر المتبقى لإطعام طيور البيوت، وأخريات يبعن هذه الطيور حتى يستطعن توفير احتياجاتهن، مهنة بسيطة حقا وعائدها هزيل لكنها أفضل من لا شىء، خاصة أن أكثرهن لا عائل لهن بعد هجرة الصيادين إلى محافظات أخرى بحثا عن عمل. يتدخل فى الحديث موسى صابر - صياد من القرية قائلاً: البحيرة كانت مصدر رزقنا الوحيد لقد ورثنا مهنة الصيد عن أجدادنا وتعرضنا للضرر بسبب صرف المصانع وعدم معالجة الصرف الزراعى، مما تسبب فى تكوين ترسبات بقاع البحيرة قتلت الأسماك، وتراجع إنتاج البحيرة منذ ٩ سنوات حتى وصل إلى الصفر فى إنتاج الأسماك بعد أن كنا «البريمو».
وبصوت يملؤه الشجن قال قدرى الصواف - صياد - إن تدهورإنتاج الأسماك فى البحيرة تسبب فى حدوث بطالة لجميع الصيادين، بعد أن أصيبت الأسماك بطفيل قاتل انتقل لها عن طريق نقل زريعة أسماك من بحيرات ملوثة، ومن ثم تكاثر وبات يهاجم خياشيم الأسماك.
فى انتظار التعويضات
رجب عبدالحليم -صياد- يقول: «اضطررنا لإرسال أبنائنا للعمل فى محافظات شاطئية أخرى على أمل إعادة الروح للبحيرة، المشكلة تحتاج إلى ميزانية ضخمة لتنقية مساحة٥٥ ألف فدان، وأقترح أن يتبنى بعض رجال الأعمال الشرفاء من أصحاب الواجب الوطنى احضار مزيد من المعدات لتنقية البحيرة، أما حسين على - أحد الصيادين فيقول: رغم توقف الصيد فإن الجهات المعنية تطالبنا بمبالغ باهظة لتجديد رخصة الصيد، كما أن هناك وعودا بصرف تعويضات لنا لكنها لم تحدث حتى الآن على الرغم من أن الدولة عوضت صيادين بمناطق بحرية عديدة فى مصر ونحن صيادى بحيرة قارون فى انتظار تعويضنا.
ويوضح خير الله محمد -صياد: كنا فى الماضى قبل تدهور البحيرة نستخدمها فى التعافى من بعض الأمراض الجلدية، لكن الآن رائحتها لا تطاق ومَن يحاول النزول لمياهها يصاب بالحكة ويتطلب علاجه عدة أيام على الأقل، أما عيد عوض - صياد فيقول: لم تقتصر خسائر تدهور بحيرة قارون على تفشى البطالة فقط، بل طالت أدوات الصيد والمراكب التى تعرضت للتلف بسبب توقف الصيد لسنوات ولم نتلق أى تعويضات حتى اللحظة.
البحث عن إجابات
تساؤلات عديدة تبحث عن إجابة منها: لماذا تدهورت أحوال البحيرة إلى هذه الدرجة؟ وهل السبب هو الصرف وهل يلقى بمخلفات المنطقة الصناعية «كوم أوشيم» منذ عام ٢٠٠٥ وحتى الآن وهل هو ما تسبب فى تجمع الأملاح بنسب عالية مما أضر بالبيئة البحرية وتسبب فى ضياع كل مظاهر الحياة بالبحيرة؟ أم فى مخلفات الصرف الصحى للقرى التى تصب على البحيرة؟
يؤكد المهندس طارق عبدالحميد - مدير عام المعدات بالهيئة العامة للثروة السمكية، فى بداية حديثه حرص المسئولين على بذل كل الجهود الممكنة تنفيذا لتطوير البحيرة وإعادتها كما كانت من خلال تنفيذ مشروع «الحزام الآمن للحد من التلوث» الذى تتولاه الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ويشير إلى أن الهدف من المشروع تقليل تأثير ملوثات المصرف المعروف باسم «البطس»، حيث يعتبر المصرف الرئيسى الذى تصب فيه كل المصارف الفرعية، عن طريق ترسيب أكبر قدر ممكن من المكونات، فضلا عن الحفاظ على حدود البحيرة ومنع التعديات عليها، وتم وضع خطة «الحزام الآمن لتطوير البحيرة».
ويستكمل أن أعمال تطوير المرحلة الأولى انتهت بالكامل، حيث أقيمت قناة بطول ٤ كيلومترات وعرض ٣٢ مترا وعمق ٤ أمتار، تضم بداخلها حوضا لتهدئة تدفق المياه بعمق ٦ مترات، تجرى فيه عمليات التكريك والفلترة لمنع دخول الملوثات والأجسام الصلبة بما يسهم فى زيادة نسبة الأكسجين وتقليل نسبة الأمونيا التى تنسف الأسماك، ويجرى حاليا استكمال أعمال التكريك لرفع كفاءة تلك المرحلة لتقليل كمية الملوثات لحين التوجيه للبدء فى أعمال المرحلة الثانية، لافتاإلى ان محافظة الفيوم تقوم بأعمال التنسيق والمتابعة وتذليل العقبات التى تواجه المشروع، فضلا عن تخصيص حراسة أمنية دائمة لحماية الموقع والمعدات.
ووفقا للدكتور صلاح مصيلحى، رئيس الهيئة العامة للثروة السمكية، فهناك العديد من الإجراءات المزمع البدء فيها، لإعادة التوازن البيئى للبحيرة، تشترك فى تنفيذها وزارات الرى والتجارة والصناعة والاسكان، بالإضافة إلى هيئة الثروة السمكية، تبدأ بمشروع استخراج الأملاح المزمع إقامته على مساحة 4 آلاف فدان لتحسين جودة المياه بالبحيرة، ومشروع معالجة الصرف الصحى، بالشراكة بين بنك الإعمار الأوروبى ومبادرة حياة كريمة، فضلا عن معالجة الصرف الصناعى بكوم أوشيم عن طريق الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى لرفع كفاءة المحطة وطرح مناقصة لتكنولوجيا المعالجة، مشيرا إلى اتفاق التعاون بين الهيئة وفريق بحثى متخصص من المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد لإجراء جميع التجارب للتخلص من الطفيليات داخل محطة بحوث شكشوك المطلة على البحيرة لإعادة التوازن البيولوجى داخلها.
مشروع متكامل للتطوير
النائب أحمد دياب أمين اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب يقول إن بحيرة قارون آلت إلى وضع سيئ، وتسبب فى تدمير مصدر رزق الصيادين وبات كل هؤلاء عاطلين أو مشردين بعد فقدهم مصدر رزقهم، ولفت إلى أن الأمرلا يقتصر على الصيادين فقط، حيث إن البحيرة فى سابق عهدها كانت تجتذب فئات عديدة من العمالة والحرفيين بجانب الصيد كلها توقفت وتبدل الحال للأسوأ. ويرى أن الحل لابد أن ينطلق من وضع خطة جديدة تماما، ويشير إلى أنه بدأ فيه بالفعل مع باقى نواب الدائرة، لافتا إلى أنهم بصدد التقدم بمشروع التطوير لإعادة إحياء بحيرة قارون، وأنه سيتم عرضه على رئيس الوزراء لبحث مختلف أبعاده.
وتقول منى الخشاب، عضو مجلس الشيوخ عن دائرة الفيوم، إن تفاقم الأوضاع في البحيرة أتى كنتيجة حتمية لعدد من المشكلات التراكمية التى لم تتم معالجتها أو التصدى لها فى حينها، وتفاقمت حدتها بمرور الوقت مما أدى إلى الوضع الحالي، وبعد أن كان الصيادون يتباهون بإنتاج البحيرة والتفرد بأنواع مميزة لها و منها اسماك موسى النادرة، آثروا الهجرة لكسب الرزق الحلال والعمل فى الصيد بمحافظات أخرى.
وتوضح النائبة انه طبقا لتوجيهات الرئيس السيسى بالاهتمام ببحيرة قارون، وبعد تطبيق الأبحاث العلمية والتنسيق والتعاون بين وزارتى الموارد المائية والرى والمحافظة، تم إمداد البحيرة بنحو خمس كراكات وفلتر ميكانيكي للحد من التلوث ضمن مشروع الحزام الآمن، ووضع خطة لإنشاء مصنع جديد لاستخراج الأملاح ورفع كفاءة محطات الصرف الحالية، فضلا عن تخصيص محطات صرف خاصة بكل قرية لمنع تكوين المعادن الثقيلة بقاع البحيرة بعد تطهيرها، وترى أن ما جرى يعد بداية محفزة، ولكنها ليست كافية، والامر فى حاجة الى ميزانية كبيرة لتطوير البحيرة وإعادتها لسابق عهدها والقضاء على بطالة الصيادين.
وتلفت إلى مبادرة حياة كريمة لتطوير البنية التحتية مما يعد نقطة انطلاق نحو المزيد من توفير الحياة اللائقة لمواطنى الفيوم وقراها.
رابط دائم: