رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإعلام الروسى والتشكيك فى جدوى المفاوضات مع أوكرانيا

د. سامى عمارة
> الإعلام الروسى يستعيد عافيته ليمارس دوره الطبيعى فى الدفاع عن روسيا

موسكو تواصل الصمود أمام هذا السيل الجارف من المعلومات «غير الدقيقة» التى تتهمها بارتكاب جرائم حرب، وبالعجز عن تنفيذ ما حددته من أهداف لعمليتها العسكرية فى أوكرانيا. الإعلام الروسى وبعد فترة من العجز «المهني» عاد ليستعيد بعض عافيته، وإن يظل متمسكا بعدد من رموزه التى تبدو على غير وفاق مع «أخلاقيات المهنة»، وهو ما يظل موضوعا مثيرا للجدل فى الأوساط السياسية والإعلامية. وعلى صعيد العمليات العسكرية تزيد القوات الروسية من وتيرة تحركاتها العسكرية، صوب إحكام حلقة توسعاتها فى شرق وجنوب أوكرانيا، بما تبدو معه قريبة من عزلها عن البحر الأسود، متسلحة بكل تبعات ما قاله الرئيس بوتين حول أن «لا حاجة لبلاده بعالم ليس فيه مكان لروسيا!

 

تتعالى بين جنبات روسيا أصداء ما صدر عن موسكو الرسمية من تصريحات سابقة حول احتمالات عودة ما يسمى بالحلم السلافى الكبير الى عناق امتداداته التاريخية والجغرافية فى القارة الآسيوية. ورغم تعدد سيناريوهات المعركة، وتصاعد الحملات الإعلامية الغربية التى تستهدف الإيحاء بكثير من انتصارات الجانب الأوكرانى، يتوقف المراقبون عند سيناريو موجز مفرداته يقول بان القول الفصل يظل بين يدى موسكو، ويتلخص فيما صدر عن المصادر الرسمية من تصريحات وبيانات تدحض وتفند تعمد إغفال ما مارسته وتمارسه القيادة الأوكرانية من خداع وتضليل منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية والإطاحة بالرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش فى فبراير 2014.

موسكو على يقين من أن لا أحد يستطيع اليوم أن يُنْزِل بها الهزيمة، فيما لا تكف عن تأكيد «عدم جواز الحديث مع روسيا من موقع القوة». ثمة تغيرات ملموسة يرصدها المتابع لما يصدر عن القيادة الروسية من تصريحات وبيانات تقول بتداركها ما وقع من قصور لم يُعْلَن عنه فى حينه بداية بمماطلات القيادة الأوكرانية فى تنفيذ «اتفاقيات مينسك»، على مدى ما يزيد على ثمانى سنوات منذ فبراير 2015 رغم كل ما جرى توقيعه من مواثيق واتفاقات على مستوى القمة بمشاركة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ورئيسى فرنسا السابق والحالى فرانسوا أولاند وإيمانويل ماكرون، وحتى تراجع الجانب الأوكرانى عما جرى التوصل إليه من إتفاقات بشأن حياد أوكرانيا والابتعاد عن التكتلات العسكرية، والتمسك بوضعيتها غير النووية، وغيرها من الالتزامات التى اضطر الرئيس الأوكرانى إلى التراجع عنها تحت «إملاءات» الخارج من جانب الإدارة الامريكية، وضغوط الداخل من جانب فصائل النازيين الجدد. ويذكر المراقبون أيضا نجاح كييف فى الوقيعة بين مو+سكو ومينسك فى صيف عام 2020 حين أوقعت بما يزيد على 30 من عناصر مجموعة فاجنر (شركة الحراسة الروسية الخاصة) قالت إنهم كانوا يستهدفون المشاركة فى الإطاحة بالرئيس الكسندر لوكاشينكو وهى العملية التى وصفها الرئيس بوتين آنذاك بأنها «عملية للقوات الخاصة المشتركة بين أوكرانيا والولايات المتحدة». ويتوقف المراقبون فى هذا الصدد عند المباحثات بين الوفدين الروسى والأوكرانى فى بيلاروس بجولاتها الثلاث ثم ما أعقب ذلك من اجتماعات عبر الفيديو كونفرانس، ثم فى إسطنبول تحت رعاية القيادة التركية وما أسفرت عنه من اتفاقات مكتوبة قامت روسيا بموجبها بسحب قواتها من محيط كييف والمدن الواقعة فى ضواحى العاصمة ومنها بوتشا التى كانت محور عملية خداع كبرى من جانب أوكرانيا بما شملته من اتهامات للقوات الروسية بارتكاب جرائم ومذابح ضد المدنيين، لتكون كلها تفسيرا لما يحتدم الجدل حوله بشأن الرفض الشعبى المكتوم لأى اتصالات مع أوكرانيا لا تستهدف إرغامها على الاستسلام والقبول بكل ما طرحته موسكو من مطالب امنية.

وذلك كله يعنى ضمنا أن موسكو تتدارك مغبة وأخطار الاستمرار فى طريق المفاوضات مع رئيس لا يملك من أمره شيئا. كما أنه يعنى أيضا أن ما تقوله موسكو حول الاستعداد للمفاوضات، يظل فى إطار التكتيك، على طريق إستراتيجية الحسم، وما قد يتبعه من مواقف مغايرة تفضح «بالصوت والصورة» ما تقوم به الدوائر الغربية من تحريض للقيادة الأوكرانية على المضى فى القتال حتى حسم القضية عسكريا، ما أشرنا إلى بعض مشاهده ومنها ما ذكره جوزيب بوريل المفوض السياسى للاتحاد الأوروبى، ووزيرا خارجية ودفاع الولايات المتحدة أنتونى بلينكين ولويد أوستين حول ضرورة التزام أوكرانيا بالمضى فى القتال حتى إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية، وتأكيد تعهدات الدوائر الغربية بالاستمرار فى تقديم المعونات المادية والأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا. ولعل موسكو تدرك أيضا مدى الاخطار التى يعنيها نجاح الرئيس الأمريكى جو بايدن فى انتزاع موافقة الكونجرس الأمريكى على تخصيص ما يقرب من 33 مليار دولار لدعم الجانب الأوكرانى بعد قروض ومعونات عسكرية هائلة تتواصل حتى اليوم من جانب مختلف بلدان الناتو. وها هو مجلس النواب الأمريكى يوافق على مشروع قانون يسمح باستخدام الأموال الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا و«دمقرطة روسيا»!، وذلك فضلا عن قرار بيع الكثير من عقارات وممتلكات كبار رجال الأعمال الروس الموجودة خارج روسيا لصالح أوكرانيا. ونقلت المصادر الروسية عن بايدن ما قاله حول إن الجانب الامريكي»سيبذل قصارى الجهد لحرمانهم من الأموال التى جمعوها ... سيتم إنشاء آليات جديدة لتنفيذ عمليات الاستيلاء والمصادرة على هذه الممتلكات. إننا نفعل كل شيء بحيث عند بيع أصول الأوليغارشية، ستذهب العائدات مباشرة للتخلص منها». وبالإضافة إلى ذلك، كشفت المصادر الأمريكية عن أن وزارة الخارجية تدرس إمكانية الاعتراف بروسيا كدولة راعية للإرهاب.

واذا كان هناك فى موسكو من يعترف اليوم بأن روسيا تدفع ثمن قصور سياساتها التى سمحت بترك هذه الأصول المالية فى الولايات المتحدة وما يقرب من 300 مليار دولار أخرى فى البنوك والمؤسسات الأوروبية تبدو عاجزة اليوم عن استردادها، فإن هناك أيضا من يدعو السلطات التنفيذية الروسية إلى اتخاذ قرار مماثل بحق ممثلى دوائر الأعمال الغربية فى الساحة الروسية.

وفى هذا الصدد يتوقف المراقبون داخل روسيا وخارجها عند ما صدر ويصدر عن القيادات الأمريكية والغربية من تصريحات حول المضى فى «سياساتهم وضغوطهم وعقوباتهم» ضد روسيا بغية إضعافها، على اعتبار أن مثل هذه التصريحات، ليست سوى تأكيدا لما سبق وخلص إليه كثيرون فى روسيا وخارجها حول أن الهدف من كل ما نشهده من أزمات وصراعات لا يستهدف أوكرانيا، بقدر ما يستهدف ما سبق وأعلنته واشنطن حول مخطط الإطاحة بنظام بوتين وتقسيم روسيا على غرار ما سبق وجرى مع الاتحاد السوفييتى السابق. وذلك ما يظل فى صدارة اهتمام واشنطن منذ اندلاع الحركات الانفصالية فى الشيشان وشمال القوقاز ومنطقة الأورال فى تسعينيات القرن الماضى، وما تبعها من مخططات الثورات الملونة التى اندلعت فى عدد من بلدان الفضاء السوفييتى السابق مع مطلع سنوات القرن الحالى.

من هذا المنظور يقول المراقبون بضرورة التوقف بالكثير من التمحيص والتحليل عند ما أعلنه عميد الدبلوماسية الروسية سيرجى لافروف حول أن «روسيا ملتزمة بمواصلة المباحثات»، بل وبالالتزام بثوابت الاستقرار الاستراتيجى، وما يتعلق منها باستخدام الأسلحة النووية. وكان الرئيس بوتين استهل العملية العسكرية الروسية بأمر أصدره إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان برفع درجة استعداد القوات الإستراتيجية النووية. وذلك ما تواصل البرامج الحوارية فى القنوات التلفزيونية الإخبارية الروسية ومنها «روسيا-1»، و»روسيا -24» ترديده وتدعو إليه حتى اليوم، بكل ما يحمل فى طياته من أخطار اندلاع حرب نووية!

وكان الرئيس الأوكرانى زيلينسكى نكث عن الكثير من وعوده بشأن المفاوضات مع روسيا، بل ومضى إلى ما هو أبعد حين التزم الصمت تجاه عمليات النازيين الجدد والجيش الأوكرانى فى منطقة الدونباس، فضلا عن «الحرب» ضد اللغة الروسية التى فرض حظر التعامل بها بموجب قانون رسمى، كان غطاء لعبث المخربين ممن راحوا يدمرون كل التماثيل والنصب التذكارية لأبطال الماضى من القيادات والرموز العسكرية والأدبية الروسية، فى نفس الوقت الذى قامت فيه السلطات المحلية فى أوديسا بتغيير اسم شارع «فلاديمير ماياكوفسكي»، شاعر ثورة أكتوبر، إلى شارع «بوريس جونسون» (رئيس الحكومة البريطانية)! وذلك ما أغفل الاعتراف به فى تصريحاته إلى القنوات العربية، متناسيا كل ما قاله فى حق العرب فى خطابه إلى الكنيست الاسرائيلى، وما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأراضى العربية المحتلة.

وكان سيرجى لافروف فى حديثه الى قناة «العربية» عاد إلى: أن الناتو والولايات المتحدة وقادة أوروبيين كثيرين... يتحدثون عن ضرورة إنزال الهزيمة ببوتين، وأنه يجب تحقيق الانتصار على روسيا»، ما دفعه إلى الكشف عن أن بلاده سوف تمضى فى طريق العملية العسكرية حتى تحقيق ما سبق وأعلنته فى بداياتها من أهداف، مؤكدا «أن أى شحنة أسلحة تدخل أوكرانيا من الخارج ستكون «هدفا مشروعا» بالنسبة لروسيا، لأنه «سلاح يتم تسليمه للنظام الذى يخوض حربا ضد شعبه»، وهو ما بدأت موسكو تضعه حيز التنفيذ فى أوديسا وما جوارها لاستكمال عملية إحكام عزل أوكرانيا عن حوض البحر الأسود.

وذلك ما دفع كثيرين من معلقى وضيوف البرامج الحوارية «شبه الرسمية»، على شاشات القنوات التليفزيونية الإخبارية الرسمية إلى الترحيب به والمطالبة بالمزيد، بما فى ذلك التفكير جديا فى ضرورة استخدام الأسلحة النووية، معيدين إلى الأذهان ما سبق وقاله بوتين حول «أن روسيا ليست بحاجة إلى عالم، لا مكان فيه لروسيا». وفى ذلك تكمن كثير من المتغيرات التى طرأت على الإعلام الرسمى الروسي. فبعد الاعتراف على استحياء ببعض ما اعترى العملية العسكرية الروسية فى بداياتها من قصور، عاد عدد من المعلقين الروس ليعترف صراحة بخطأ كثير من محاولات روسيا مهادنة البلدان الغربية تحت شعارات «البيت الأوروبى المشترك»، وهو ما يبدو على طرفى نقيض من ثوابت الوطنية الروسية التى تقدس الأصول السلافية المشتركة وما يجمعها من أواصر التاريخ والجغرافيا مع بلدان الأسرة السلافية وإمتدادتها التاريخية على مر العصور مع البلدان المتاخمة لأراضيها فى القارة الآسيوية. ومن هذا المنظور ظهر من يطالب اليوم فى روسيا بالكف عن محاولة تصوير روسيا على خلاف ثوابتها، وبما يتناقض مع أصولها التاريخية وتضاريسها الجغرافية. وذلك ما كان الرئيس بوتين أوجزه فى الكثير من مقالاته وتصريحاته ومواقفه على مدى العقدين الأخيرين. وفى هذا الصدد أيضا يتوقف معلقون فى الساحة الروسية بكثير من الدهشة المفعمة بالارتياح والإعجاب عند ما صدر خلال الأيام القليلة الماضية من تصريحات تقول بضرورة التخلص من بعض الكوادر التى كشفت الأحداث والمحن عن أن «وجودها لا يتسق مع متغيرات العصر». أما عما يقال وما ترفعه الدوائر الغربية من شعارات تنادى بالتخلص من نظام بوتين، فإن ما شهدته المنطقة من أحداث يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن روسيا تظل عند تمسكها بروح وتوجهات بوتين، وهو ما يعنى ضمنا أنه فى حالة رحيل بوتين، فإن القادم لابد أن يكون أكثر منه راديكالية وحرصا على الدفاع عن مواقع روسيا على خريطة السياسة الدولية. وذلك ما تواصل واشنطن محاولاتها من أجل تغييره بما فى ذلك من خلال الدفع ببولندا صوب تنفيذ بعض طموحاتها من أجل استعادة ما فقدته من أراض جرى ضمها إلى كل من أوكرانيا وبيلاروس بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، فضلا عن تزايد احتمالات التدخل من جانب الناتو، بكل ما يعنى ذلك من أخطار اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق