إيطاليا، التى لم تتردد فى التعامل مع الميليشيات المسلحة فى ليبيا للحد من الهجرة غير الشرعية القادمة إليها عبر المتوسط، تفتح أبوابها الآن على مصراعيها لاستقبال اللاجئين القادمين من أوكرانيا. وقد أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية استقبال أكثر من 100 ألف لاجئ أوكرانى حتى وقت قريب مع احتمال أن يصل إلى ما يقارب المليون. ويضم هذا العدد أكثر من 52 ألف امرأة وما يقارب 13 ألف رجل وما يزيد على 36 ألف قاصر. لكن هذه المرة لم تكن أقاليم جنوب إيطاليا وشواطئها الجنوبية هى بوابة العبور إلى البلاد، وإنما عبر إقليم «فريويلى فنيتسيا جوليا» الواقع فى شمال شرق البلاد.
وفى خضم اختبار صعب تخضع له إيطاليا، وستجيب عنه الأيام، وقع رئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى مرسوما يمنح اللاجئين الأوكرانيين الحق فى الإقامة لمدة عام ودخول قوة العمل والمدارس والجامعات. كما سيتمكن اللاجئون من استقدام باقى أفراد أسرهم من أوكرانيا إلى إيطاليا.
وقد حرصت السلطات الإيطالية على توزيع اللاجئين القادمين إليها بناء على رغبتهم. وكانت وجهاتهم الأساسية هى مدن: روما وميلانو وبولونيا ونابولى. ليس هذا فحسب، بل أعلنت إيلينا بونيتى وزيرة تكافؤ الفرص الإيطالية، أنها ملتزمة شخصيا بتوفير سبل للترحيب بالأوكرانيين وتعزيز عمليات الدمج فى المجتمع الإيطالى. وقالت إن توفير السكن لا يكفى، وشددت على أهمية المبادرات لتعزيز الاندماج مثل دورات اللغة الإيطالية ومبادرات للأطفال فى المدارس، فضلا عن مساعدة اللاجئات على التنقل فى سوق العمل.
وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ حتى نهاية ديسمبر 2022، من أجل تقديم المساعدات للأوكرانيين الفارين من الحرب. وقامت بتخصيص 10 ملاييين يورو إضافية كمساعدات إغاثية طارئة. وأقامت البلاد مراكز استقبال طارئة للاجئين بغض النظر عن كون هؤلاء اللاجئين قد تقدموا بطلب «الحماية الدولية» أم لا. ويشمل الدعم المقدم الرعاية الصحية والاجتماعية، ودورات فى لغة إيطالية، والتدريب الحرفى ودورات للمساعدة فى إيجاد فرص عمل. وأكد فابريتسيو كورتشو، رئيس مديرية الدفاع المدنى ، أن “الدعم المادى المباشر للاجئين الأوكرانيين الوافدين، سيتم صرفه بأقرب وقت ممكن، فى غضون أسابيع قليلة على أبعد تقدير». وأضاف أنه- فى ظل الزيادة السريعة فى أعداد هؤلاء اللاجئين- قد يتم منحهم مقترحات حول السكن فى أقاليم أخرى مستقبلاً.
وقالت هيئة الدفاع المدنى الإيطالية، إن «هناك بالتأكيد مناطق تتعرض للضغط بسبب توافد اللاجئين الأوكرانيين، مثل إيميليا رومانيا، لومبارديا، لاتسيو وكامبانيا، وهى مناطق تشهد حضوراً أقوى للجاليات الأوكرانية، التى كان بمثابة عامل جذب». ويذكر أن إيطاليا تستضيف جالية أوكرانية بشكل مسبق على أراضيها يصل تعدادها إلى 250 ألفا.
وقال باتريتسيو بيانكي، وزير التعليم الإيطالي، إن الفتيات والفتيان الأوكرانيين فى مدارس إيطاليا بلغ عددهم أكثر من 16 ألفا. وأكد أنه تم القيام بعمل استقبال استثنائى فى المدارس، لأبناء اللاجئين الأوكرانيين. وقال،خلال جلسة استماع أمام اللجنة البرلمانية الخاصة بشئون الأطفال، حول المبادرات التى سيتم تبنيها لصالح الأطفال والمراهقين الأوكرانيين، إن هؤلاء هم أطفال وشبان يتحدثون لغة أخرى ويكتبون أبجدية أخرى» وأنه “من الواضح أن هناك جهداً غير عادى بذلته المدارس الإيطالية، فى هذا السياق.
وكان الوزير قد أكد: «لدينا الكثير من الإيجابيات بعد صعوبة اللحظات الأولى. التلاميذ الأكبر سنًا يحضرون فى الصباح إلى مدارسنا وفى فترة ما بعد الظهر يواصلون الدراسة عن بعد مع وزارة التعليم الأوكرانية». ولكن الوزير حذر من مصاعب لاحقة محتملة إذا تحولت المسألة من حالة طوارئ إلى وضع هيكلي، وقال «هناك حاجة إلى موارد أخرى، خاصة المعلمين الذين يجب أن يكونوا قادرين على التعامل مع أطفال تعرضوا لصدمات معينة» جراء الحرب.
من جانبها، أوضحت بونيتى أن الحكومة الإيطالية تسعى لمحاولة استئناف الإجراءات القضائية الخاصة بتبنى أسر إيطالية لأطفال أوكرانيين والتى أوقفتها الحرب. وقالت وزيرة تكافؤ الفرص والأسرة إيلينا بونيتّي، لصحيفة (لا ريبوبليكا) الإيطالية، «إننا نحاول لم شمل الأطفال الأوكرانيين مع أسرهم الإيطالية»، أولئك «الذين كانت إجراءات التبنى الدولية الخاصة بهم قد أوشكت على الانتهاء».
وأوضحت أنه «بالنسبة للأطفال الذين عُهدوا لأزواج إيطاليين ويتواجدون الآن فى منطقة حرب، يمكن أن يحظوا بالرعاية الأسرية، فى بلادنا».
ويحدو إيطاليا الأمل فى أن تؤثر أزمة أوكرانيا «بشكل إيجابى» على اتفاقية الهجرة واللجوء الأوروبية، بحسب تعبير لوتشانا لامورجيزى وزيرة الداخلية الإيطالية.
وأعربت الوزيرة لامورجيزى فى جلسة استماع أمام لجنة شنجن البرلمانية، عن «الأمل بأن يتم تطبيق النهج الجديد الذى تم اعتماده لأجل أوكرانيا وشهد موافقة جميع الدول التى قررت بالإجماع منح الحماية المؤقتة، والاستقبال وإعادة توزيع اللاجئين بين جميع الدول الأوروبية، وفقًا لـ «منطق المسئولية والتضامن فى أوروبا».
قالت الوزيرة إنه «سيكون من قصر النظر أن نخدع أنفسنا بأن سيناريوهات التنقل البشرى غير المنضبط يمكن أن تحكمها القواعد الحالية، لوائح دبلن ونظام شنجن». وأوضحت أنه لهذا السبب «سيكون خطأً فادحاً غياب ميثاق بشأن الهجرة واللجوء».
رابط دائم: