رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عقب فوزه فى استفتاء «البقاء أو الرحيل»
«أملو المكسيكى» بين حلوى الـ «تاماليس» والأهداف الخفية

هدير الزهار
> ‎الرئيس المكسيكى «أملو» يظهر على إحدى اللوحات الإعلانية التى كانت تدعو للمشاركة فى الاستفتاء

«سأدعم الرئيس فى الاستفتاء.. بالطبع سأصوت لبقائه فى الحكم».. بصوت عال يفيض منه الحماس بينما ترتسم ابتسامة عريضة على ثغرها، صاحت السيدة المكسيكية لورا جوميز بتلك الكلمات لتعلن عن تأييدها للرئيس المكسيكى الحالى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذى يشتهر باسم «أملو»، ومساندتها له بمنحه صوتها فى الاستفتاء الذى عقده الرئيس حول إنهاء فترة رئاسته أو الاستمرار بها حتى نهايتها فى عام 2024.

فالسيدة جوميز السابق ذكرها مثلها مثل الآلاف بل الملايين من السيدات الكادحات اللواتى يحملن قصصا متشابهة فى المشقة والأعباء حتى وإن اختلفت التفاصيل. فمنذ نحو 25 عاما، تقوم جوميز بعمل معجنات «التاماليس» المكسيكية الشهيرة - المصنوعة بخليط من دقيق الذرة - لكسب الرزق. فبعد ظهر كل يوم، يتحول المطبخ الضيق فى منزلها، الواقع فى بلدة فيلافلوريس بجنوب شرق المكسيك، إلى خط إنتاج للتاماليس. وعلى مدى سنوات، كانت مبيعات معجناتها فى اليوم بالكاد تغطى تكلفة مكونات صنع التاماليس لليوم التالي. لكن حياتها تغيرت وتحسنت أوضاعها المادية كثيرا منذ أن حصلت على المساعدة المالية التى قدمتها حكومة الرئيس «أملو»، حيث باتت تجد فائضا من المال، فالقرض الميسر الذى قدمته الحكومة، والذى لا يتضمن غرامات على التأخير فى السداد جعل السيدة جوميز تتمكن من شراء ما يكفى من دقيق الذرة طوال العام.. لذا فلا عجب من دعمها القوى للرئيس فى استفتاء منتصف المدة، الذى عقد قبل أسبوع.

حركة غير مسبوقة

تعد خطوة الاستفتاء على سحب الثقة التى دعا إليها الرئيس اليسارى لوبيز أوبرادور، 68 عاما، غير مسبوقة فى تاريخ رؤساء المكسيك حيث ينص الدستور على السماح للرؤساء بالحصول على ولاية واحدة فقط مدتها ست سنوات، لكن أوبرادور - الذى يحكم البلاد منذ ديسمبر 2018 بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية فوزا ساحقا بحصوله على أكثر من 30 مليون صوت، وهو الرقم الأكبر فى تاريخ المكسيك - قد وعد فى حملته الانتخابية قبل فوزه بالمنصب بمنح الناخبين فرصة لإقالته من منصبه فى منتصف فترة ولايته. ورغم أن البعض ظن أن ما تفوه به لوبيز أوبرادور كان مجرد محاولة لكسب المزيد من الشعبية والتأييد فى الانتخابات، فإن طرحه للاستفتاء جاء ليثبت مصداقية وعوده، بل وأشار فى عدة لقاءات إلى أن الاستفتاء أمر حيوى وضرورى لإضفاء الشرعية على تفويضه الديمقراطى، مؤكدا أنه من حق الشعب الاختيار بين سحب الثقة منه أو السماح له بإكمال فترة رئاسته، بل وتعهد بتنحيه فى حال عدم فوزه فى الاستفتاء.

شعبية يتبعها فوز

فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء ولايته، لا يزال لوبيز أوبرادور ـ الذى تبنى الانحياز للفقراء ـ المدافع عنهم ضد النخبة الثرية الفاسدة وقدم الكثير من المساعدات الاجتماعية، مثل القروض الميسرة وزيادة الحد الأدنى للأجور لصالح نحو 6.3 مليون عامل، ناهيك عن تمتعه بتأييد شعبى مذهل يبلغ نحو 60 %. ففى استطلاع للرأى أجرته صحيفة «أل فينانسيرو» المكسيكية بداية الشهر الجارى - أى قبل الاستفتاء - ذكر ثلثا المكسيكيين، الذين شملهم الاستطلاع، أنهم يريدون بقاء الرئيس. لذا لم يكن لوبيز أوبرادور قلقا إزاء نتيجة الاستفتاء، فقد توقع أن تترجم تلك الشعبية لأصوات تؤيده فى الاستفتاء. ورغم المشاركة الضعيفة فى الاستفتاء، التى لم تتجاوز نسبتها الـ 18 %، فقد فاز بنحو 92 % من أصوات المقترعين الذين أيدوا استمراره فى منصبه حتى عام 2024، وفقا لفرز الأصوات الذى أجراه المعهد الوطنى للانتخابات.

مساعدات غير مشروطة

وربما جاءت المشاركة ضعيفة نتيجة لدعوات أطلقتها المعارضة لمقاطعة الاستفتاء، حيث يوجه خصوم الرئيس عدة انتقادات بشأن طريقة تعامله مع العديد من القضايا والأزمات، مثل: جائحة كورونا والتضخم وحرب المخدرات، فالاقتصاد لم يتعاف أثر الوباء منذ أواخر العام الماضى، فضلا عن جرائم القتل التى باتت على مقربة من تسجيل مستوى قياسي. كما اتهمت أحزاب المعارضة الرئيس بأنه اشترى ولاء الناس وأصواتهم من خلال منحهم المساعدات، لكن عددا من الذين صوتوا له فى الاستفتاء قالوا إن العكس هو الصحيح، وإن المساعدات الاجتماعية فى عهد الرؤساء السابقين كانت مشروطة، وهو ما لم يحدث فى عهد الرئيس الحالي.

المعارضة وأهداف الاستفتاء

رغم الشعبية الكبيرة التى يتمتع بها الرئيس، فإنه يعد شخصية مثيرة للانقسام والاستقطاب بشكل كبير حيث يتساءل العديد من المكسيكيين عن سبب إجراء الاستفتاء. فيعتقد منتقدو الرئيس، الذين تجمعوا فى شارع ريفورما بمكسيكو سيتى للاحتجاج على الاستفتاء، أنهم يعرفون الإجابة، وهى «إعادة انتخابه»، أى أن الاستفتاء هو تمهيد لخطوة أخرى، ألا وهى إنهاء الولاية الواحدة لرؤساء المكسيك، وهو أمر يعد من المحرمات منذ العهد المسمى بـ «بروفيرياتو»، والذى أبقى على الرئيس بورفيريو دياز فى السلطة نحو ثلاثين عاما من 1884 وحتى 1911.

كما تعتقد المعارضة أن الاستفتاء قد يحمل هدفا آخر، وهو إلهاء المواطنين وصرف انتباههم عن المشاكل الحقيقية التى تواجه البلاد، فضلا عن كونه إهدارا للمال وذلك للتكلفة التى أنفقت على الدعاية والإعلانات الكبيرة التى غمرت شوارع العاصمة. لذا تقول إحدى الناشطات المشاركات فى المظاهرات المناهضة للرئيس: «لا نريده أن يمدد ولايته.. نريده أن يلبى الاحتياجات الملحة للبلاد أثناء وجوده فى السلطة».

طموحات «مورينا»

وفى تقرير نشرته شبكة «بى بى سي» الإخبارية، ذكر المحلل السياسى، كارلوس راميريز، أن فكرة اتخاذ لوبيز أوبرادور من الاستفتاء سبيلا لتمديد فترة ولايته تثير الخوف فى نفوس خصومه، قائلا: «لا أعتقد أنه يهدف للحصول على ولاية ثانية.. لأن عزمه القيام بهذا سيحدث اضطرابات شديدة فى المكسيك، حيث لم يُسمح بإعادة انتخاب أى من الرؤساء منذ ثورة عام 1910». لذا يرى راميريز أن الرئيس يريد فقط تعزيز سلطته خلال الجزء الأخير من رئاسته، خاصة أن الاستفتاء جاء قبل شهرين من انتخاب حكام ست ولايات من أصل 32، ويأمل حزبه «مورينا» فى تعزيز قاعدته الانتخابية بها، كما يتطلع أيضا إلى الفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2024. وعلى صعيد آخر، يعتقد البعض أن الرئيس وحزبه يهدفون لأمر أكبر وأكثر أهمية، ألا وهو تغيير الدستور وإدراج استفتاءات لسحب الثقة، وهو ما قد يخدمه هو وحزبه فى حالة فوز أحد مرشحى المعارضة فى الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فقد يلجأ حزب «مورينا» لعملية استفتاء مشابهة لسحب الثقة منه وإنهاء فترة حكمه.

وعودا على بدء، فإن السيدة جوميز بائعة معجنات «التاماليس» وأمثالها من الكادحين، الذين لم يتنفسوا الصعداء سوى مع تولى لوبيز أوبرادور منصب الرئيس، لا يقلقهم الهدف من الاستفتاء.. فهم من ذهبوا للتصويت له ليس خوفا أو إجبارا بل طواعية ورغبة فى أن يظل فى الحكم بعد ما قدمه لهم.. بل ويتساءلون: «إذا كان يعمل بشكل جيد.. ويعمل على تحسين مستوانا المعيشي.. فلماذا نريد التغيير؟!!».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق