-
«مدينة الدواء» أكبر داعم للأمن القومى العربى
يسير العراق بخطوات واسعة، على طريق اللحاق بركب التنمية، على جميع المستويات، بعد سنوات من الدمار، الذى خلفته سلسلة الأزمات والنكبات التى خاضها العراق على مدار العقود الثلاثة الماضية، وما أسفرت عنه من صعود لافت للعديد من الصراعات الطائفية، وقوى الإرهاب التى لم تفلت فرصة، لتقويض أركان الدولة العراقية، قبل أن يشرع العراق خلال الفترة الأخيرة، بعد استقرار الأوضاع الداخلية فى البلاد، فى خطة نهوض شاملة، يعتبرها الدكتور هانى العقابى، وزير الصحة العراقي، هى السبيل الوحيد أمام العراق، للحاق بركب التنمية، والدخول إلى المستقبل، على نحو يليق بالعراق والعراقيين.
ويرى العقابى أن الخطوات الجادة والناحجة، التى اتبعها العراق فى جميع مناحى الحياة، تستهدف بالأساس، أن يقف العراق على قدميه من جديد، بعد سنوات طويلة من الخراب والدمار، لينطلق نحو المستقبل، بخطى مدروسة ومخططة، خصوصا فى المجال الصحي، الذى يُعنى بدعم وبناء الإنسان العراقى باعتباره نواة التنمية الأولى، مثمنا دور مصر، فى هذا المجال، فى إطار التعاون الوثيق، والعلاقات التاريخية، التى تربط دائما بين القاهرة وبغداد. وإلى تفاصيل الحوار..
بداية من موقعك كوزير للصحة والبيئة فى الحكومة العراقية، كيف تقيّم الجو العام الآن فى الشارع العراقى، بعد سنوات من التوتر والاضطرابات؟
يستطيع أى متابع أن يدرك الفارق الآن فى الشارع العراقي، وكيف اختلفت الأوضاع للأفضل عما كانت عليه فى السابق، فقد عانى العراق بالفعل خلال تلك السنوات كثيرا، خصوصا فيما يتعلق بعدم استقرار الأمن، لكن الأمور اختلفت إلى حد كبير مؤخرا، فهناك استقرار حقيقى وكبير بالشارع العراقى، وهو استقرار يتزامن مع خطة واسعة للتنمية وإعادة البناء والإعمار، والاهتمام بتطوير البنى التحتية للدولة، برغم تأثر الجانب الاقتصادى. وما يحسب للحكومة العراقية فى هذا المجال، أنها تحركت وبقوة على طريق التنمية، والعمل بجد واجتهاد من أجل أن يعيش المواطن العراقى بكرامة، ولعل أكبر دليل على الاستقرار الأمنى الذى يشهده العراق، هو عودة الحياة الطبيعية من جديد للشارع العراقي، الذى أصبح مفعمًا بالحياة.
يمتلك العراق أكبر احتياطى للنفط، فكيف تخطط الحكومة العراقية، للاستفادة من هذا الاحتياطى، خصوصا فى ظل التقلبات العالمية التى أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية؟
الحقيقة أن النفط دائما يعد سلاحا ذا حدين، ففى عام 2014 عندما حدثت انتكاسة فى أسعار النفط ووصل سعر البرميل إلى نحو 40 دولارا، كانت الانعكاسات صعبة على العديد من البلدان العربية المنتجة للبترول، ومن بينها العراق، وقد استمر تأثير انخفاض الأسعار على العراق لفترة كبيرة، قبل أن تعاود أسعار النفط التعافى من جديد، والآن بسبب الأوضاع العالمية للحرب الروسية الأوكرانية، حدثت طفرة كبيرة فى أسعار النفط، حتى وصل سعره إلى 120 و 140 دولارا، ومن المؤكد أن هذا الارتفاع سيكون له انعكاسات وتأثيرات إيجابية، على الموازنة العامة فى العراق، خصوصا ما يتعلق بالموازنة العراقية، وما يتعلق منها بالوفاء بالرواتب، ودعم الفئات المهمشة من المواطنين، والرعاية الاجتماعية وتنمية المجتمعات الفقيرة، وقد وضعت وزارة المالية العراقية كل هذه الملفات موضع الاعتبار، فى ظل هذه الزيادات الكبيرة، التى سوف نخصص جزءا كبيرا منها لبناء المدارس.
كيف ستنعكس زيادة أسعار النفط على المنظومة الصحية فى العراق، وهى الأهم والأكبر، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية لأطفال المدارس، وما ملامح خطتكم للاستفادة من تلك الزيادة؟
المنظومة الصحية بالعراق، من أقدم وأكبر المنظومات الصحية فى المنطقة، وقد كان كثير من الأطباء العراقيين يتخرجون فيما سبق فى جامعة إسطنبول بتركيا، وكان هناك تعاون كبير بين الجانب العراقى والجانب المصرى فى مجال الرعاية الصحية، وهو تعاون استمر لعشرات السنين، ولعل كثيرا من الناس لا يعرفون أن العراق كان من أوائل الدول العربية بالمنطقة، التى أجريت فيها عمليات جراحية كبرى ومتقدمة، وقد استمر هذا الوضع حتى اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية، لتشهد المنظومة تأثرا كبيرا، ثم ازدادت سوءا أكثر بعد سنوات الحصار التى بدأت منذ عام 1991، لكن الحقيقة أن الأزمة وضحت بصورة أسوأ منذ عام 2003، حيث لم يتم بناء أى مستشفى جديد فى العراق، ومع ذلك لم تكف الدولة عن السعى من إجل إصلاح تلك المنظومة، فالآن أصبح لدينا أكبر مدينة طبية، هى مدينة الطفل وسط بغداد، تحال لها كل الحالات الصعبة والمعقدة من جميع أنحاء البلاد، وقد تسلمناها فى السبعينيات، وهو المستشفى الوحيد الذى يقدم خدمات حقيقية، وتحول الى قبلة للأطباء وطلاب الدراسات العليا، والبورد العربى والعراقى وكليات الطب.
ما أبرز المشكلات التى تواجه المنظومة الصحية العراقية خلال الفترة الأخيرة؟
بعد عام 2003 حدثت موجات هجرة كبيرة للأطباء، استمرت حتى عام 2008، لكننا نجحنا فى إقناع عدد كبير من الأطباء بالبقاء فى العراق، عبر توفير بيئة آمنة لهم فى بعض المستشفيات الحكومية، وقد وضعنا خطة بعد عام 2010 لبناء عدد كبير جدا من المستشفيات، تضمنت بناء 62 مستشفى، بالإضافة لحوالى 20 مدينة طبية، تتوزع فى أنحاء العراق، وقد استمر تنفيذ هذه الخطة، حتى تعثرت مع ظهور تنظيم داعش، لكننا نجحنا بعد عام 2018 فى إعادة هذه المستشفيات إلى وضعها الطبيعى، وقد اكتمل بناء خمسة مستشفيات ومدن طبية، تقدم خدماتها لملايين المواطنين العراقيين.
ما أبرز ملامح التجربة العراقية فى هذا المجال؟
راعينا فى تجربتنا المحافظات التى تتميز بعدد سكان قليل، والفصل بين القطاع العام والقطاع الخاص، ووضعنا خطة مرنة فى وزارة الصحة، تعتمد على التأمين الصحى بالتزامن مع تطوير الموارد البشرية، ونحن نستهدف من ذلك كله، استعادة ثقة المواطن العراقى، فالعراقيون يسافرون للخارج من أجل العلاج، ونحن نستهدف استعادة ثقة المواطن فى منظومته الصحية.
ماذا عن التعاون بين مصر والعراق فى هذا المجال؟
يقبل كثير من العراقيين على مصر لتلقى العلاج، فى ظل الأسعار المناسبة للخدمة الصحية فيها، وكذلك عامل اللغة الذى يمثل أحد أهم عوامل الجذب، وهناك أيضا عدد كبير من الطلاب العراقيين يدرسون فى مصر، وقد يزيد عددهم على 25 ألف طالب، بعضهم فى مرحلة الدراسات الأولية، والبعض الآخر فى مرحلة الدراسات العليا، والحقيقة أننا استهدفنا التوسع فى إيفاد عدد كبير من أطبائنا وكوادرنا الطبية إلى مصر من أجل التدريب، ونستعين كذلك بالعديد من الخبراء المصريين فى هذا المجال، خصوصا فى مجال الدراسات العليا، والبحث العلمى، ودراسات الدكتوراة فى طب الجراحة والباطنة، وعدد كبير من الممتحنين المصريين يحضرون إلى العراق، ليقوموا بتدريب الأطقم الطبية العراقية، كما أن هناك تعاونا كبيرا بيننا وبين مستشفى 57357 فى مصر.
توفير الدواء من أهم المشاكل التى قد تواجه دولة فى مرحلة إعادة البناء، فكيف تغلبتم على تلك المشكلة؟
نحن لا نقتصر فى استيراد الدواء على بلد معين، وقد ساعدتنا مصر كثيرا فى هذا المجال، والحقيقة أن سوق الدواء المصرية، لعبت دورا كبيرا فى توفير احتياجات العراق من الأدوية، وهو ما يتجلى فى التوافق المصرى العراقى الأردنى، والتعاون فى المجال الصحى والصناعات الدوائية، ومدينة الدواء المصرية التى ننظر اليها باعتبارها إحدى أبرز مقومات دعم الأمن القومى العربي، نظرا لما تملكه مصر من تكنولوجيا حديثة متطورة، وما تتميز به مدينة الدواء المصرية من خطوط إنتاج عالية الجودة، تغطى جميع المجموعات الدوائية الأساسية، بالإضافة إلى الأدوية الحيوية وأدوية الأورام وغيرها، وقد شاركت فى اجتماعات عديدة مع المسئولين فى وزارة الصحة المصرية، ووقعنا بروتوكولا للتعاون بين وزارتى الصحة العراقية والمصرية لتدريب الأطباء والدراسات، ووصلنا إلى مرحلة أنه حتى المراكز الطبية للأطباء الموجودة للتدريب فى العراق، هى أيضا للجانب المصرى، وأيضا مع الأشقاء فى الجانب الأردنى توجد هيئة الغذاء والدواء الأردنية، وهناك تعاون مع الجانب الأردنى.
يشارك العراق فى مؤتمر المناخ الذى تستضيفه مصر هذا العام، فما أبرز الخطط التى تخص البيئة والتغير المناخى فى العراق؟
العراق من الدول التى تأثرت بالتغير المناخى والتصحر، وسوف يشارك الرئيس بنفسه فى هذا المؤتمر، لتأكيد دعم العراق لجميع المبادرات التى تقدم فى مجال التغير المناخى.
رابط دائم: