رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سر «السيدة زينب» و«جلباب الحنان»
أميرة سيد مكاوى تحكى ذكريات «مسحراتى» مصـر

كتبت ــ نيفين عمارة
المسحراتى سيد مكاوى.. الباقى في وجدان المصريين

طوال الشهر الفضيل، يجول المسحراتى شوارع مصر ليحيى بدقات طبلته ليالى رمضان. تتعدد الأصوات وأبطال دور المسحراتى على مر الزمن، لكن يظل سيد مكاوى وحده مسحراتى مصر الأول.

وللمسحراتى مع سيد مكاوى (1928- 1997) قصة طويله تحكيها نجلته أميرة سيد مكاوى للأهرام.


أميرة سيد مكاوى

فتقول: «كان المسحراتى برنامجا ثابتا تقدمه الإذاعة المصرية خلال شهر رمضان، وكان يتولى حلقاته أكثر من ملحن. فشارك فيه الموسيقيون أحمد صدقى، ومرسى الحريرى، وعبد العظيم عبد الحق، وظلوا يقدمون البرنامج بمصاحبة فرقة موسيقية».

وتكمل: «حين جاء الدور على (مكاوي)، أسند إليه ثلاث حلقات، فطلب وقتها أن يتولى الغناء بنفسه، واستبدل بالفرقة الموسيقية طبلة المسحراتى. فحققت الحلقات نجاحا كبيرا مما دفع مسئولى الإذاعة، إلى إسناد العمل كاملا لسيد مكاوى».

وتوضح أن سيد مكاوى قصد فى البداية صلاح جاهين لكتابة الحلقات، ولكن الأخير رأى أن فؤاد حداد هو الأجدر بكتابتها، وبالفعل تم التعاون بين مكاوى وحداد. وترى أميرة أن نجاح هذا الثنائى نتج عن اتفاقهما على أن مهمة «المسحراتى» ليست إيقاظ النائمين، بل إيقاظ الهمم.

وتكمل أميرة فى استدعاء رؤية والدها: «اعتمد فى أدائه على الشكل المعروف للمسحراتى، ليضفى على العمل المصداقية. ولعب اللجوء للطبلة منفردة دورا أساسيا فى إبراز قوة أشعار حداد، التى كان يرى مكاوى أنها تلعب دور البطولة». وتوضح أميرة أن الترحيب القوى بالحلقات دفع إلى تسجيل 120 حلقة، ولكن لم يذع منها إلا 30 حلقة، هى التى يتم تكرار إذاعتها كل عام.

وعن انتقال « المسحراتى» إلى التليفزيون، توضح أميرة: « كان ذلك مقترحا من الراحل ممدوح الليثى، وكان وقتها رئيساً لقطاع إنتاج التليفزيون. واستجاب والدى للمقترح لإيمانه أن التحول إلى الصورة التليفزيونية كوسيط سيضفى على المسحراتى واقعية أكبر. كما أنه اعتبرها فرصة لتوثيق تراث موسيقى ذى خصائص فريدة».

وعن استعداد مكاوى لمرحلة التليفزيون، تحكى الابنة بكثير من الحنين: «جهز جلبابًا، وطلب إحضار طبلة مسحراتى مستخدمة، موضحا أن الطبلة كآلة إيقاعية كلما طال استخدامها، تحسن صوتها. وفى عام 1983، قدم (المسحراتى) لأول مرة تليفزيونيا، وكانت من إخراج فتحى عبدالستار، ثم تولاها المخرج يحيى زكريا». ومازالت أسرة مكاوى تحتفظ بطبلة المسحراتى والجلباب الذى ظهر به فى التليفزيون.

وحول الأعمال الرمضانية والدينية لمكاوى، توضح: «قدم الوالد فى المجمل أكثر من 3500 عمل، ومن أبرز إبداعاته فى السياق الرمضانى والدينى، كان تلحينه أغنية «هل هلالك يا رمضان» ، وتلحينه الموسم الأول من فوازير فطوطة، أما بالنسبة للإذاعة، فقدم على سبيل المثال، حلقات (نور الخيال وصنع الأجيال) وهى من أشعار فؤاد حداد، التى يصف فيها القاهرة وتاريخها. وتولى خلالها مكاوى دور الراوى أيضا. كما لحن عدة أغان وموشحات دينية، من أبرزها أغنية «أسماء الله الحسنى»، التى شارك فى أدائها 35 شيخا من كبار القراء والمنشدين أمثال سيد النقشبندى، ومحمد الفيومى،وعبد السميع بيومى».

وعن شهر رمضان فى منزل «مسحراتى مصر»، تحكى الابنة، فتقول: « كان والدى حريصا على خصوصية منزله، فكان ينهى كل أعماله بمقر مكتبه. وكان حريص حتى آخر أيامه على مهاداتى أنا وأختى كل رمضان بالفانوس التقليدى ذى الشمعة، إذ لم تنجح الأشكال الحديثة للفوانيس فى بلوغ قلبه. التزم كل رمضان بشراء المخللات والفول من منطقة السيدة زينب تحديدا، وكان بالغ الحرص على اجتماع الأسرة على الإفطار كل أيام رمضان، ولا يبدأ تناول الإفطار إلا بعد جلوس والدتى معنا. وكان الراديو أنيسه خلال جلسات الإفطار والسحور. وتلك الطقوس لم تتغير مع مرور الوقت، وقدوم الأحفاد، فقط زاد عدد الفوانيس التى يجلبها أبى كهدايا».

تضيف: «كان حريصا طوال أيام رمضان على التزام حجرة مكتبه بين صلاتى العصر والمغرب، ليستمع للقرآن ويتلوه ويصلى. وكان عاشقا لصوت الشيخين محمد عمران، ومصطفى إسماعيل. ورغم أن الفرصة لم تتح له ليسجل القرآن بصوته، لكن له لقاءين فى الإذاعة شهدا قراءته سورة الضحى، التى كان يحبها، ويحرص على تلاوتها بطرق مختلفة».

وعن علاقة الأب بابنته، توضح أميرة أنها لم تدرك فقدانه البصر إلا فى سن متقدمة، لأنه كان حريصاً على عدم خلع نظارته أمامها. وتضيف: « كان يشعر بى وبما أريده قبل أن أبوح به، والأغرب أنه كان يبدى رأيه فى ملابسى من حيث الهيئة والألوان. كان يضع يديه على ملابسى وإما يبدى إعجابه، أو يحذرنى: ( ألوانك مش ماشية مع بعضها غيريها) وكثيرا ما يكون على حق، فأضحك وأسأله: (أنت بتشوف ومخبى علينا يا أبو السيد)». وتفسر أميرة تلك القدرة فى جانب منها بأن والدها لم يولد كفيفا، وفقد بصره لاحقا، فتكون لديه مخزون من «المعرفة البصرية»، على حد تعبيرها.

وتفسير ثان يتمثل فى روحه القوية التى ترفض الاستسلام. فقد كان حريصا على إتقان كل ما قد يبدو أنه سيعجز عن إتقانه. فقد كان يهوى إصلاح الأجهزة، والقيام بأعمال السباكة، ويحب ركوب الدراجات، حتى إنه قاد مرة سيارة برفقة أحد أصدقائه.

بصيرة سيد مكاوى كان يمكن أن تكتمل بعودة بصره، لكنه رفض إجراء عملية تحقق له ذلك. وبشأن ذلك تنقل أميرة تفسير سيد مكاوى لها قائلا: «الخيال ده نعمة جبارة من ربنا، أنا بتخيَّل كل حاجة، يعنى أنا متخيل شكل الحمار مثلًا أفتح ألاقيه حاجة تانية، أقوم أزعل منه وأنا بحبه، ليه؟ أنا راضى بحالى كده ومبسوط ليه أغيره؟».

وعن سر تربع سيد مكاوى فى قلوب المصريين، توضح ابنته أنه لم يسع يوماً ليكون الملحن الأول أو الأوحد. وكل ما كان يريده أن يصل لقلوب الناس. وتضيف: «كان عاشقا لمصر بمختلف تفاصيلها، وكان حريصًا على أن نرى مصر التى يراها، فيصحبنا إلى الموالد وإلى معالم بعينها فى القاهرة. ويقر دائما بأنه تعلم الموسيقى من شوارعها وسكانها، لذا كان حريصا على وصول ألحانه إلى قلوب الجميع». وقبل أن تنهى حديثها، قدمت وصفا موجزا لأبيها وأثره الإنسانى، فقالت: «كان جلبابًا من الحنان».


جاهين.. كان اختيار مكاوى الأول

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق