لن يتفاعل الفلسطينيون والسوريون مع شهر رمضان المبارك هذا العام كما اعتادوا فى السنوات الأخيرة، رغم الأوضاع الصعبة الناتجة عن شراسة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين، وتداعيات الأزمة المشتعلة منذ 11 عاما فى سوريا.
فى هذا العام، ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها الثقيلة على الدولتين، مثل غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى تتأثر سلوكيات وعادات الناس، أو على الأقل ستشهد انخفاضا فى منسوبها،وتفقد بعضا من توهجها القديم، لاسيما أن الشعبين فى البلدين من العراقة التاريخية بمكان، ولديهما موروث شعبى كبير على صعيد تصنيع الأطعمة المميزة والحلوى المتنوعة الشهيرة، التى انتقلت إلى بلدان عربية أخرى بفعل هجرات مجموعات من الشعبين إليها، وإن كان الجانب الطقوسى المتمثل فى أداء عبادات الصوم وصلاة التراويح وغيرهما لن يتأثروا فى ظل إشعاعات المسجد الأقصى فى القدس المحتلة، والمسجد الأموى فى دمشق.
ففى فلسطين، امتدت تداعيات الأزمة الأوكرانية بدون شك إلى اقتصادها، باعتبارها مستورد أساسى للسلع الغذائية، لاسيما الزيوت والقمح من روسيا وأوكرانيا، وإن كانت الحكومة الفلسطينية تقلل من حجم هذه التأثيرات، نظرا لعدد السكان المحدود وتوافر مخزون من القمح والدقيق لثلاثة أشهر، والاتفاق مع أصحاب المخابز على عدم رفع سعر رغيف الخبز( 4 آلاف شيكل ) حتى ما بعد نهاية شهر رمضان، وذلك يعنى أنه لن تكون ثمة أزمة فى الحصول على الرغيف.
لكنها قد تتجلى فى مدى قدرة هذا المخزون على تلبية متطلبات الأسر الفلسطينية من المخبوزات والحلوى المرتبطة بالشهر الكريم. وهى بالمناسبة ليس نمطا سلوكيا ترفيهيا،وإنما مكون أساسى فى المائدة الرمضانية حتى للأسر المحدودة الدخل، إضافة إلى ذلك ثمة ارتفاع فى أسعار منتجات أخرى، غير الخبز، نتيجة ارتباطها بالاستيراد من الخارج،والتى تأثرت بتداعيات حرب أوكرانيا، وهو ما تحاول السلطات الحكومية التغلب عليه.
والمؤكد أن هذه التداعيات،على الرغم من محدوديتها ، لن توفر بيئة مواتية لإعداد الوجبات التى يشتهر بها الفلسطينيون، وفى مقدمتها المقلوبة، المسخن، المفتول، والقدرة الخليلية التى تميز موائد غزة والخليل، والقطايف بأنواعها: الجوز، الجبنة، القشدة، العصافيرى، والفسدق الحلبى ،لاسيما أن دقيق القمح مكون رئيسى فى معظمها .
وفى سوريا ،فإن منسوب التأثير السلبى، يبدو أكثر ارتفاعا عن فلسطين، وذلك بفعل ما نجم عن هذه الأزمة من نقص واضح، فيما تستورده حكومتها من القمح الروسى والأوكرانى، والذى كان يبلغ سنويا مليون ونصف مليون طن،وهى مفارقة ملفتة. فقد كانت سوريا قبل أحداث 2011، وبعدها بقليل، تعيش مرحلة الاكتفاء الذاتى من إنتاج القمح وتصدر الفائض منه، غير أن خضوع مناطق الشمال،التى تحتوى المساحات الواسعة من زراعة القمح،لجماعات مناهضة للحكومة ،أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل واضح فى المناطق التى تخضع للحكومة،التى بدأت بالفعل تشهد نقصا كميات القمح المستخدم فى صناعة الخبز. وهو ما دفع أسعار القمح للارتفاع بوتيرة متسارعة فى الشمال،الأمر الذى أثر على القدرة الشرائية للسوريين المقيمين بهذه المناطق.
ووفقا لتقارير واردة من سوريا، فإن الانعكاسات الأكثر فداحة تتمثل فى زيادة حدة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، هذا بخلاف أن العقوبات المفروضة على روسيا، والتى بدأت تطال قطاعى الغاز والنفط . علاوة على ما تعرضت له قيمة الليرة السورية من انخفاض ملحوظ ، بما يزيد من الأعباء اليومية على حياة السوريين ،فعلى سبيل المثال ، وصل سعر كيلو الأرز إلى 6500 ليرة هذا الشهر، بعد أن كان لا يتجاوز الـ 4500 ليرة الشهر الماضى ، فى حين زاد سعر السكر إلى 4 آلاف ليرة، بعدما كان فى حدود 3 آلاف ليرة .
كل ذلك سيدفع السوريين فى مختلف المناطق إلى تقليصــ لا التخلى ــ عن عاداتهم المرتبطة بالشهر الفضيل، ولكن حرب أوكرانيا ستجعلهم أقل قدرة على الاستمتاع بهذه الأجواء الاحتفالية.
ومع ذلك، فإن الرغبة فى الحياة ستدفع الفلسطينيين والسوريين ، إلى التعايش مع هذه التداعيات الطارئة ، فلديهم رصيد من الوجع يكفى لتزويدهم بقدر من الطاقة الإيجابية،للتفاعل مع رمضان المبارك، وإن قلت الإمكانات ونقصت المتطلبات.
رابط دائم: