وحدك تواجه هذا العالم الغريب. تدخله بكامل إرادتك. على غير العادة يحدث أن يستحيل الأزرق رمزاً للقسوة والجنون. النداهة التى تدعى أنَّها تخطفك من عالمك بلا هوادة. تنقلك بين شعور وآخر.. بسرعة البرق ثم تتركك وحيداً فى روحك وقد انطفأت، تحاول فك الشفرة والتحرر.
................
كل عدة أيام تصلها رسالة على بريدها الإلكترونى من العالم الأزرق تطلب منها أن تعيد اختيار الأشخاص الموثوق بهم. هم من سيتحكمون بصفحتها حين تسافر إلى عالم النور. لا تفتحها، تحذفها دون تردد. فهى لم تقرر بعد إن كانت ستتركها أم سترغب فى محوها إلى الأبد. فمعنى الحياة يلتبس عليها، حين تصادف صفحة أحد الأصدقاء وعليها كلمة «للذكرى»
................
كتبت إحداهن على حائط إحدى مجموعات العالم الأزرق سؤالاً بصيغة ساخرة: مع من أقف فى هذه الحرب؟!
فردت عليها أخرى: مع الحرية والحياة.
................
نشر صورته وهو عارى الصدر ناظراً إلى الأفق البعيد، ثم كتب تعليقا ساخرا «لأن الحلال أجمل سأنتظر الجميلات». بينما يضحك من التعليقات، فقأت صورةُ لاجئةٍ عينيه.
................
الآن، عليها أن تجمِّد مشاعرها لبعض الوقت، أن تتجاهل الفقد وتعلن نبأ وفاة والدها. عليها أن تكتب نعياً يليق بمفكر كبير لتنشره فى العالم الأزرق. جاهدت كثيراً وهى تكتب، روحها تنسحق مع كل حرف. راجعت الصيغة جيداً بينما عيونها ممتلئة بدموع متحجرة. شعور بالثقل تملَّكها، ترددت لبضعِ ثوان. ثم ضغطت.. «نَشر».
الآن وقد أنهت مهمتها، أغلقت الكمبيوتر، ثم سمحت لنفسها بممارسة الفقد. تعلم أن كارهى والدها أكثر من محبيه. وتعلم أن هناك من سينشرون صوره وعليها تعليق «نفق فلان». ما لم يخطر على بالها أبداً، أنها حين ستضغط.. «نَشر»، سوف يضغط الآلاف من جنود الحرب المقدسة على «إيموشن» هاهاهاها، ليس فقط على النعى، بل وعلى كل من كتب تعزية تليق بوفاة إنسان.
................
لماذا يبدو العالم على رحابته ضيقاً أكثر ممَّا ينبغي؟ لم تعد تعرف كيف تختبئ من العالم الأزرق، ولا إلى أين تذهب؟ أغلقت صفحتها عليه لعدة أشهر وارتاحت حين انضمت إلى عالم المتحدثين.
«ربما أجد نفسى بين هؤلاء، ربما أجد مساحة للوجود كإنسانة يمكنها أن تُعبِّر عن نفسها»
لا تجيد الحديث ولكنها قابلة للتعلُّم. هناك الكل يتحدث، يُعبِّرُ عن نفسه، ويتبجَّح حين يجد مساحة لذلك. حين تندَّر عليها أحدهم، هربت كعادتها. عادت إلى العالم الأزرق، ظنَّت أن لا شىءَ سيذكِّرُها بما حدث. الآن عليها أن تهدأ، ستفعل ما يحلو لها فى مساحتها الخاصة وتحافظ على مساحة الآخرين.
مر يوم.. إثنان.. خمسة عشر يوماً لم يعكر صفوها إلَّا تلك الرسالة اللعينة التى أرسلتها لها صديقتها المقربة: «الراجل مات»
لم تفهم سر الارتباك الذى احتل مشاعرها لحظتها، لم تجد كلمة تقولها أو تُعبِّرُ بها.
الله يرحمه.. أشوفك بكرة، ليلتك سعيدة!
من باب الفضول قررت أن تعود إلى عالم الأصوات، وجدت ما كانت تتوقعه. صورته احتلت بعض حسابات من تتابعهم، وغرفة تلاوة قرآن فُتحت باسمه. بعد عدة ساعات سيفتحون غرفة للحديث عنه.
ما لم تتوقعه، أن تجد رسالة من شخص مجهول يبلغها بخبر وفاة الشاعر ويطلب منها أن تسامحه!
................
ظهر أمامه منشور قديم كتبه منذ عشرة أعوام، يمدح فيه إحداهن ويصفها بالوطنية الأصيلة. لم يمنعه من إعادة النشر سوى خوفه من أن يصفه أحدهم بالساذج، السنوات كانت كفيلة بكشف النفوس.
................
وحدك تحاول فك شفرة هذا العالم. ربما تتحرر!
رابط دائم: