رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مبادرة «السلام الأزرق»تروى بذور الاستقرار لمواجهة التغير المناخى

رسالة جنيف د.نبيل السجينى
ندرة المياه تفاقم التوترات السياسية بين دول العالم

سويسرا ليست فقط مدينة الساعات الشهيرة، والشوكولاتة والجبن الفاخر، والبنوك المليئة بأموال الآخرين، ومقر العديد من المنظمات الدولية، لكنها أيضًا دولة تسعى إلى الابتكار فى مجال الصناعة المالية، للحفاظ على البيئة والسلام فى العالم.

وعلى الرغم من أن سويسرا موطن لأكثر من 1500 نهر وبحيرة وتمتلك 6٪ من احتياطيات المياه فى أوروبا، فإنها تشهد حاليًا زخمًا متزايدًا بشكل ملحوظ فى الجهود المبذولة لحل المشكلات المتعلقة بندرة الموارد المائية عالميا.

 

ومن خلال مبادرتها «السلام الأزرق»، بهدف تعزيز مفهوم دبلوماسية المياه، لتحقيق السلام بين الدول المتشاطئة فى الأنهار والبحيرات بدلاً من الصراعات والحروب، حشدت كل ما لديها من المؤسسات السياسية والمالية والأكاديمية للاستثمار فى تمويل المشاريع الصديقة للبيئة للوصول الى (صفر كربون) لمواجهة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات ودرجة حرارة الأرض

دبلوماسية المياه و«السلام الأزرق»

أصبحت المياه عنصراً له أهمية سياسية قوية فى عالمنا المعاصر بل أكثر أهمية من أى مورد جيوسياسى آخر، بما فى ذلك النفط الخام، حيث سيرتفع الطلب عليها بنسبة 50٪ بحلول عام 2030. مما يجعل المياه مصدرا رئيسيا للنزاعات فى العديد من مناطق العالم. بسبب الجفاف أو النزاعات المسلحة او النمو السكانى، والتنمية الاقتصادية، والتلوث وتغير المناخ.

سويسرا لديها تاريخ طويل فى تعزيز التعاون المائى العابر للحدود وهى ملتزمة بدعم البلدان من أجل الوصول المستدام إلى المياه النظيفة.ولذلك أطلقت فى عام 2010،مبادرة « السلام الأزرق « لتلعب دورًا نشطًا كوسيط بين البلدان فى إدارة مواردها المائية المشتركة بأمان وبشكل مستدام وتقليل التوترات بين مستخدمى المياه «من خلال الإدارة المتكاملة لموارد المياه بطريقة عادلة وفعالة.

وفى إطار الاحتفال بشهر المياه، فى الفترة من 26 فبراير إلى 31 مارس الحالى، بدأت فعاليات مبادرة «السلام الأزرق» هذا العام، بالتزامن فى عدد من المدن السويسرية ودبى، بمشاركة باتريشيا دانزى، مديرة الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، إيجور مالجراتى، ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ودانيلو تورك، المستشار الدبلوماسى لمركز جنيف للمياه ورئيس سلوفينيا الأسبق. وتضمنت الفعاليات برنامجًا متنوعًا من ورش العمل ونقاشا جادا حول موضوع «المياه كعامل محفز للتنمية المستدامة والسلام»، فى مجال الوصول إلى المياه.

خريطة الطريق للسلام الأزرق فى الأمم المتحدة

وكان من أبرز الفعاليات حلقة نقاشية بمقر الأمم المتحدة بجنيف بمشاركة «مركز جنيف للمياه» التابع لجامعة جنيف، الذى يطور أجندة سياسة مائية للتصدى للأزمات التى قد تندلع عن نُدرة الموارد المائية على مستوى الكيانات السياسية والبلدان. وتوفر خدمات التسهيل والتوفيق والوساطة.

وتضمنت المناقشات أدوات إدارة الموارد المائية العابرة للحدود بين الدول وكيفية استخدامها على النحو الأمثل، بما يضمن عدم غبن أى دولة من الدول المُشتركة فى هذه الموارد المائية أو حرمانها من حقوقها. حيث يُعانى أكثر من مليار شخص على مستوى العالم من نقص الوصول إلى مياه الشُرب الآمنة.

وأكد البروفيسور. كريستيان بريثوت، أستاذ السياسة المائية فى جامعة جنيف وخبير المياه باليونسكو. ان المياه العابرة لا تعرف الحدود والتقسيمات السياسية بحكم طبيعتها، وتتشارك 153 دولة من إجمالى 195 دولة فى أحواض عابرة للحدود (الأنهار والبحيرات وآبار المياه الجوفية) لتوفر مياه الشرب لما يقارب مليارى شخص فى جميع أنحاء العالم، وتدعم جميع قطاعات المجتمع عبر الحدود الوطنية. وتكمن المشكلة ان ثلثى أحواض الأنهار والبحيرات العابرة للحدود فى العالم البالغ عددها 286 لا يتم تغطيتها بأطر متفق عليها للتعاون السلمى فى مجال المياه.

يعانى أكثر من مليارى شخص حول العالم من نقص المياه. مما قد يؤدى إلى نزوح 700 مليون شخص بسبب ندرة المياه الشديدة بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يعيش أكثر من 40 ٪ من سكان العالم فى مناطق تعانى نقصا مائيا حادا بحلول عام 2050.

وأضاف بريثوت: ان الأمراض المُتعلقة بالمياه تتسبب فى وفاة ما يتراوح بين 2٫2 و5٫4 مليون شخص سنوياً. ويسعى المركز منذ عام 2014 إلى الاضطلاع بدور فاعل فى التخفيف من حدّة هذه الكوارث، وذلك بالتعاون مع العديد من الكيانات الدولية المعنية بقضية المياه. لتظل المياه أداة لبناء السلام والتنمية المستدامة بدعم من اليونسكو.

المياه قضية رئيسية فى الشرق الأوسط وإفريقيا

تعتبر المياه قضية رئيسية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تشكل ندرة المياه مشكلة حادة ومهددة للحياة فى مناطق معينة.

يقول السفير جاى بونفين، مسئول شئون المياه فى وزارة الخارجية السويسرية، إن تغير المناخ أدى إلى زيادة معدلات الجفاف والفيضانات وذوبان الأنهار الجليدية والكوارث الأخرى. علاوة على ذلك، أدى النمو السكانى السريع، والاستخدام المكثف للمياه فى الصناعة والزراعة، والإدارة غير السليمة للمياه إلى صراعات أدت إلى تفاقم التوترات السياسية حول استخدام المياه، وبصورة متزايدة حول الوصول إلى موارد المياه المشتركة أو استنفادها أو تلوثها.

تلعب الدبلوماسية والوساطة المائية دورًا مهمًا فى تخفيف التوترات وتقليل النزاعات حول العالم. وتتمتع سويسرا بتجربة طويلة الأمد ومكانة ريادية فى مجال دبلوماسية المياه. ويؤكد السفير بونفين ان لكل نهر او بحيرة عابره للحدود سياقها الجغرافى والتاريخى وتحدياتها الخاصة، فقد صممت مبادرة السلام وفقًا للسياق الخاص بكل منطقة جغرافية، تشمل مبادرة السلام الأزرق حاليا ثلاث مبادرات إقليمية: الأولى فى الشرق الأوسط، والثانية فى آسيا الوسطى، والثالثة فى غرب إفريقيا.

ويواجه تحقيق السلام المائى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخاصة شبه الجزيرة العربية تحديات كبيرة باعتبارها من أكثر المناطق التى تعانى ندرة المياه فى العالم، بحلول عام 2025، حيث ستكون إمدادات المياه العذبة المتجددة فى المنطقة قد انخفضت إلى أقل من ثلث مستويات السبعينيات.

وعلى مدى العقود الماضية، كانت النزاعات والتنافس على المياه فى الشرق الأوسط جزءًا من الصراعات الإقليمية والتوترات بين دول الجوار ومصدرًا للصراعات الداخلية. نظرًا لأن موارد المياه تميل إلى أن تصبح أكثر ندرة مع استمرار تغير المناخ، فإن التعاون السلمى من أجل الاستخدام العادل والمستدام للمياه أكثر أهمية من أى وقت مضى.

ولا يزال برنامج السلام الأزرق للشرق الأوسط يمثل مبادرة مهمة لإدارة المياه العابرة للحدود وبناء السلام فى المنطقة. وتشمل العراق والأردن ولبنان وتركيا. وتركز المبادرة الإقليمية على أربعة تحديات رئيسية للإدارة المستدامة للمياه: المعلومات الدقيقة المتعلقة بتدفق المياه؛ تعزيز بناء القدرات والثقة، وتطوير الحوار بين البلدان الشريكة وضمان إدارة المياه بكفاءة.

ويشكل الطلب المتزايد على المياه المقترن بالنمو السكانى، ونقص المياه بسبب تغير المناخ، تحديات كبيرة لبلدان آسيا الوسطى. مما يجعل التعاون العابر للحدود بين بلدان المنبع والمصب والإدارة التعاونية للمياه أمرًا أساسيًا لتلبية احتياجات المياه والطاقة والغذاء والأمن البيئى. وتدعم سويسرا بقوة الإدارة المتكاملة لموارد المياه وتعزيز التعاون الإقليمى فى مجال المياه فى المنطقة: كازاخستان، جمهورية قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، وأوزبكستان.

وتعمل الجهات الفاعلة الإقليمية فى دول غرب إفريقيا، بدعم الوكالة السويسرية للتنمية، ومنظمات التعاون للأحواض من أجل تحقيق سلام دائم والمشاركة العادلة فى المياه العابرة للحدود فى إفريقيا. وفى أكتوبر 2021 فى جنيف، وقع وزراء المياه فى جامبيا وغينيا بيساو وموريتانيا والسنغال اتفاقية تعاون عبر الحدود بشأن حوض المياه الجوفية السنغالية الموريتانية، التى يعتمد عليها 15 مليون شخص.

التعاون لمواجهة مخاطر المناخ

من داخل مبنى وزارة المالية السويسرية، قال ماريو تور،رئيس الاتصالات بوزارة المالية السويسرية، يجب أن تظل الأسواق المالية مستقرة وجديرة بالثقة وداعمة للتنافسية. وهذا ما تتجه إليه سويسرا لتكون موقعًا رائدًا للخدمات المالية المستدامة وتسعى الحكومة السويسرية لدعم هذا الطموح بإطار عمل متوازن بعناية، من خلال المعلومات الجيدة والمشورة والخدمات المستنيرة وتقييم مستويات المخاطر والمنظور طويل الأجل للانتقال والتكيف مع التمويل المستدام الجديد على خلفية اتفاق باريس بشأن تغير المناخ فى عام 2015 وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 والحد من الاحتباس الحرارى بحلول عام 2050.

وأكد كريستوف بومان، رئيس فريق التمويل المستدام فى وزارة المالية السويسرية، أن تمويل المشاريع فى سويسرا وخارجها يعتمد بشكل أساسى على التمويل المستدام والبعد البيئى، ولفت إلى «ضرورة استقطاب الأسواق المالية وتوجيهها نحو استثمارات جديدة ترتبط بصورة مباشر بمكافحة تغير المناخ فى العالم».

ويؤكد ألكسندر إيدلمان، مسئول الحملات فى وزارة الخارجية السويسرية، أن الحكومة السويسرية تنظر إلى التمويل المستدام على أنه فرصة لتعظيم وضعها المالى. فهو يجمع بين الخدمات المالية المستدامة والتكنولوجيا الرقمية (التكنولوجيا المالية الخضراء) بشكل خاص. وتشارك فيه جميع قطاعات الدولة.

دور المؤسسات التمويلية

لا يعنى التوسع فى مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطواحين الهواء الوصول إلى منتج مالى مستدام خاضع للعرض والطلب، خاصة أن مجال تحسين البيئة يتطلب استثمارات ضخمة وفى نفس الوقت لن تؤتى ثمارها إلا على المدى الطويل

وشهدت سويسرا زيادة فى الطلب على الاستثمار المستدام بنحو 30٪، التى تعمل على جذب الأسواق والشركات المالية وتوجيه استثمارات جديدة لمكافحة تغير المناخ فى العالم، والحفاظ على بيئة مستدامة حقيقية تعتمد على قواعد دقيقة وتفكير غير تقليدى، وتشريعات سليمة، وحوافز مالية، وقواعد للشفافية.

وشدد خبير التأمين «سويس رى»، على أهمية تركيز البنوك على تمويل مشاريع إنتاجية صديقة للبيئة خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، فى حين أكد لوكاس مولر، خبير التأمين، أن هناك عددًا من الدول العربية تعد سوقًا مثالية لتطبيق التمويل المستدام، فيما يتعلق بقطاع التأمين. وشدد على أهمية التأمين فى المشاريع الكبرى.

وحول آفاق التمويل المستدام فى سويسرا، أشار أوجست بنز، الخبير فى الأعمال المصرفية وإدارة الأصول، إلى أن حجم التمويل يبلغ عشرة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى لسويسرا، حيث يبلغ إجمالى حجم الودائع فى البنوك السويسرية حاليًا 8 تريليونات دولار، بينما الناتج المحلى الإجمالى 800 مليار دولار. وهذا ما أكدته سابين دوبيلى، الخبيرة المالية، حيث إن حجم الاستثمار المستدام فى سويسرا يتزايد منذ عام 2015.

واكد بنز أهمية التمويل المُستدام فى البلدان النامية خاصة ان فرص الاستثمار المُستدام واعدة فى عدد من الدول العربية لتمويل البنية التحتية فيها من خلال السندات الخضراء.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق