جددت التداعيات الاقتصادية التى خلفتها حزمة العقوبات الغربية ضد روسيا ،على خلفية العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، الحديث عن ضرورة الابتعاد عن ربط العملات المحلية بالدولار. وقد كانت الصين من أوائل الدول التى بدأت هذا الاتجاه، خاصة مع تفاقم الأزمة مع الولايات المتحدة وبدء الحرب التجارية بين البلدين. فالعاصمة الصينية غير راضية عن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى ووجدت أن الخطوات الروسية التى بدأتها موسكو بعد 2014 الهادفة إلى خلق نظام مالى دولى جديد، تصب فى مصلحتها خاصة بعد اندلاع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة فى عام 2018 واستخدام الولايات المتحدة لتدابير مالية عقابية بحق بكين.
وفى 2019 ، رفعت الصين مستوى العلاقات مع موسكو إلى شراكة استراتيجية شاملة، بدأتها بإبرام صفقات تبادل تجارية مرورا بأخرى فى مجال الطاقة، ثم توجتها باتفاقية 2019 لاستبدال الدولار بالعملات الوطنية فى التجارة عبر الحدود. ومؤخرا كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن أن المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط فى العالم، تدرس عرضا بقبول اليوان الصينى بدلا من الدولار فى مبيعات النفط للصين.
هو أمر يرى العديد من المحللين السياسيين أنه مؤشر قوى على قوة اليوان الصاعدة بالتوازى مع استقرار شعور يقترب من اليقين بضرورة التحرر من سيطرة الدولار. وبالتالى، عدم التأثر بشكل كبير بسلاح العقوبات الذى لطالما لوحت به واشنطن فى وجه أعدائها غير عابئة بتأثيراته السلبية حول العالم. الأمر المهم هنا أننا نعرف أن الدولار استمد الجانب الأعظم من قوته قبل نحو 50 عاما، حين وافقت الرياض على ربط بيع النفط بالدولار. لذا، فإن مجرد تواتر هذه الأنباء يمهد الطريق أمام إنشاء الصين لنظام مواز للمدفوعات الدولية سيحتل فيه اليوان الصينى أهمية وقوة على غرار الدولار الأمريكى، وبالتالى سوف تتغير آليات سوق العملات العالمية مما يصب فى مصلحة محاولة روسيا بتجاوز العقوبات الخانقة التى فرضتها الدول الغربية. غير أن المتشككين يؤكدون أن مسألة التحول إلى اليوان ستواجه تحديات عملية، نظرا لأن النفط الخام مسعر بالدولار وأن الريال السعودى نفسه مرتبط بالدولار. كما أن اليوان لا يتمتع بنفس الجاذبية النفسية من الأفراد تجاه الدولار كعملة احتياطية نقدية باعتباره أصلًا آمنًا وخالياً من المخاطر.
والسؤال المهم هنا، هل ستنجح بكين فى إثبات أهمية اليوان كعملة تصلح بديلاً للدولار المهيمن على النظام المالى العالمي؟ وللإجابة عن هذا التساؤل نطرح بعض النقاط. فأولاً: من الضرورى أن تضمن الصين استقرار اليوان على المدى الطويل لكسب ثقة الدول الأخرى، خاصة إذا ما علمنا أن بكين تخفض قيمة عملتها من حين لآخر لتعزيز الصادرات، وهذا يجعل الدول الأخرى متشككة وغير راغبة فى الاحتفاظ بعملة من هذا القبيل. ثانيا: من المهم أن تبدأ الصين حملة على أكثر من صعيد لشرح وجهة نظرها الخاصة بضرورة وجود عالم متعدد الأقطاب لا تحكمه أجندة سياسية لبلد واحد يلوح بين الحين الآخر بسلاح العقوبات المدمر.
الآمال الصينية بخصوص مستقبل اليوان عالية وبدأت بكين خطوات طموحة للاستثمار فى بلدان عدة وإن كانت إفريقيا المرشحة بقوة لأن يحل اليوان محل الدولار فى التعاملات بسبب الارتباطات التجارية والسياسية الواسعة القائمة على المنفعة المتبادلة. وعلى الرغم من أن الصين أظهرت للعالم أنه يمكن تحدى السلاح الأمريكى الأقوى على مر التاريخ وربما إضعافه أو إظهار الحاجة لوجود نظام مالى عالمى جديد على المدى الطويل، خاصة أن بلدا مثل الهند تدرس استخدام اليوان فى مشترياتها النفطية من روسيا للحيلولة دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية، لذا يبقى أمام العملة الصينية الحمراء مهمة الصمود أمام اختبار الوقت وتعقيدات استمرار تسعير معظم المعاملات النفطية بالدولار.
رابط دائم: