رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

60 عاماً من الإبداع
عز الدين نجيب: بالفن تمردت على آلام المرض الجسدية والنفسية

حوار ــ فاطمة العربى - تصوير ــ ياسر الغول

  • لابد من عودة قانون التجميل المعمارى وإقامة مشروعات فنية فى الهواء الطلق لمحو الأمية الجمالية
  • ثروت عكاشة بلور إستراتيجية استنهضت الجذور وكان يقول لمديرى قصور الثقافة «أنتم وزراء ثقافة فى الأقاليم»


الحوار مع الفنان التشكيلى الكبير والناقد والأديب عز الدين نجيب أشبه بإبحار فى رحلة ممتعة وسط أمواج عالية، فهو الفنان الذى احتفل منذ أيام بمولودين هما «معرض فنى» ضخم و«كتاب» يتوج بهما مسيرة 60 عاما من الإبداع قضاها منذ تخرجه فى كلية الفنون الجميلة بداية الستينيات من القرن الماضى بين العمل الفنى فى مؤسسات الدولة بالمحافظات والاشتباك مع قضايا فنية أوصلته للسجن والحرمان من الوظيفة أحيانا وتأسيس مؤسسات ثقافية أهلية تعنى بالفنون ورئاستها ثم تركها مرورا بمؤلفات ومعارض ومقالات نقدية عديدة، كان الهم الوطنى واستعادة الهوية والريادة الفنية هى ما تشغله طوال هذه الرحلة ومثلما كانت المسيرة كان الحوار الذى بدأ احتفاء بالمولودين ثم كانت الغصة حول ما أصاب الذوق العام وكيف يكون الفن سلاحا لمحاربة جذور الإرهاب الكامنة وصولا إلى شعاع أمل وتفاؤل بالمستقبل وبناء مصر الجديدة.

وإلى نص الحوار:

بداية كيف كان التحضير للمعرض والكتاب اللذين وصفتهما بخط دفاع لتقوية عزيمتك؟

الفكرة فى البداية كانت الاستعداد لتجربة فنية جديدة العام الماضى بمعرض يضم لوحات جديدة لكن فاجأتنى أزمة صحية كنت أتخيل أنها ستستغرق أياما أو حتى أسابيع قليلة ثم أستأنف عملى فى الاستعداد للمعرض لكنها طالت لأكثر من 7 أشهر ووصلت لعملية جراحية كانت لها آثار جانبية ممتدة فتضاعف الألم وأصبح العلاج غير مجد انتهت بنوع من أنواع الاكتئاب بالعزلة وعدم اليقين فى استعادة صحتى وقدرتى مرة ثانية ما زاد الآلام الجسدية بآلام نفسية شديدة، لكنى وجدت أن علاجى ليس فى الأدوية والأطباء بقدر ما هو فى استظهار المقاومة من داخلى وتحدى كل الظروف بالإبداع والعودة لممارسة فنى واستئناف العمل للمعرض، ولأنه بالرغم من ذلك كانت قدرتى لم تعد مثل قبل محنة المرض فقد جاءت الفكرة بأن يضم لوحات من كل مراحل حياتى الفنية منذ بدايتها أوائل الستينيات وحتى اللوحات الجديدة التى قاومت بها آلام المرض الجسدية والنفسية.

ألهذا السبب كان عنوان المعرض «استيعادى»؟

نعم فكأنى أستعيد به رحلتى مع الفن والتى تمتد ل 60 عاما منذ تخرجى فى كلية الفنون الجميلة عام 1962 بعنوان «60 عاما من الفن بين المقاومة والبعث»، والمقاومة سواء لما عانيته شخصيا فى رحلتى أو بشكل عام مع قضايا الوطن، والبعث للإبداع مرة أخرى، وما وراء ذلك هو الأهم فى التعبير عن روح هذا الوطن سواء بالرسم أو بالنقد الفنى أو بالأدب ولو أردت تلخيص الرحلة أو المسيرة مع الفن والأدب والنقد، فستتمثل فى عبارة «قلبى كان دائما على قلب الوطن ويمتزج نبضى بنبضه».

وماذا عن الكتاب الذى صاحب افتتاح المعرض؟

تزامن مع الاستعداد للمعرض وضع اللمسات الأخيرة لكتابى «الفنان المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية» وقد كنت قد بدأته قبل أزمة المرض والمعرض ثم توقفت لكنى مع إصرارى على المقاومة والتمرد على الآلام وما سببته لى كان خروج الكتاب للنور هو الوجه الآخر من خروج المعرض فكان الرسم نهارا، ومواصلة العمل بالكتاب ليلا وما أمارسه فى لوحاتى الفنية كنت أمارسه فى الكتاب، الذى يضم بين جنباته العديد من المقالات التى كتبت فى فترات زمنية مختلفة لكن الناظم بينها لم يتغير حيث البحث عن الهوية، وذلك بداية من القرن العشرين مع جيل الرواد والحركة الفنية وصولا إلى بداية الألفية الثالثة حيث 100 عام من عروق الهوية وشحوبها منتصف السبعينيات من القرن الماضى لمصلحة الانفتاح على الغرب مع كشف مباشر لدور بعض مؤسسات الدولة فى ذلك.

وكيف ذلك؟

بالسياسة الثقافية خلال الربع الأخير من القرن العشرين وتحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى حيث انسحب المشروع القومى ثقافيا ولم يعد هناك مشروع قومى للنهضة الثقافية حيث الثقافة ضرورة وغاب هذا التوجه وأصبحت الثقافة زينة أو حلية تشبع النخبة فقط.

لكن فى هذا الإطار تحديدا هناك اتهام للمثقفين بأنهم أسهموا فى ذلك بتفضيلهم النخبوية وابتعادهم عن الجماهير العادية؟

أوافقك فى ذلك إلى حد ما لكن المثقف كان قد فقد المادة الفعالة التى كانت تحركه فيما سبق هذه الفترة ولم يعد من دوافعه الانحياز للشعب أو تقديم الغذاء الثقافى لاستنهاضه مع منتصف السبعينيات وسيادة سياسة الانفتاح الذى صاحبه انفتاح ثقافى ليس بمعنى توسعة الرئة للأدب العالمى لكن للتبعية لهذا القطب الواحد ففقدنا الريادة الثقافية التى حققتها الفئة الأولى من الرواد حتى أوائل السبعينيات وهو الدور الذى حاولت إبرازه فى الكتاب، حيث كانت الدولة تملك إستراتيجية ثقافية بلورها الوزير ثروت عكاشة سواء فى صورة بنية تحتية بمؤسسات ثقافية بكل المحافظات أو ببنية فوقية لتغيير الوعى الجماهيرى نحو القيم العليا واستنهاض التراث والجذور الحضارية فكانت النتيجة مدا ثقافيا انحسر تدريجيا حتى وصلنا للتصافى نهاية السبعينيات ثم فى الثمانينيات كان هناك إعلان صريح لتخلى الدولة عن هذه الإستراتيجية.

وما هى ملامح تطبيق هذه الإستراتيجية ودور الفنانين بها؟

يكفى الحديث عن دور قصور الثقافة فى كل الأقاليم والتى تم اختيار مجموعة من الشباب لقيادتها فى مناخ كان يسمح للمبدع أن يضحى بوجوده فى العاصمة ليعيش فى أقاصى الريف فقط لإيمانه بالرسالة التى يقوم بها الفن رغم أن الراتب غير مجز فقد كنت أتقاضى 20 جنيها شهريا أنفق منها على انتقالاتى الأسبوعية وإقامتى هناك بما يعنى الحياة متقشفا رغم فرص التحقق اجتماعيا وإبداعيا بعيدا عن الوظيفة لكن لم يكن التفكير كذلك، وخلال اجتماعه بنا كمديرى قصور ثقافة من الشباب كان وزير الثقافة ثروت عكاشة يقول لنا «لا تعتبروا أنفسكم مديرين لقصور الثقافة لكنكم وزراء ثقافة فى الأقاليم» الأمر الذى كان يعطينا إحساسا بالمسئولية والثقة والإيمان أكثر بالرسالة، الأمر الذى دعانى فيما بعد للاستمرار بهذه الروح وإنشاء جمعية أهلية هى جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية.

وهل كانت فكرة الجمعية انسحابا من المشهد الرسمى الذى وصفته بعد منتصف السبعينيات أم يأسا من الإصلاح؟

اليأس ليس فى قاموسى، فلدى قدرة كبيرة على المقاومة والتغيير والتمرد وعدم الاستسلام حتى فى تجربة المرض الأخيرة وما سبقها من تجارب صعبة وصلت إلى السجن وفقدان الوظيفة وغيرها من محن عديدة فالتمرد جزء من تكوينى، وأؤمن أن المثقف دائما يكون فى الطليعة ولابد أن يكون خارج القطيع من أى موقع، لذلك فأمارس هذا التمرد سواء من خلال سلسلة «ذاكرة الفنون» التى أشرف عليها بهيئة الكتاب والتى أصدرنا بها 51 كتابا عن فنانين كبار أو بالرسم وبالنقد وبالأدب الذين أمارسهم طوال حياتى.

وأيهم الأقرب لقلبك؟

«ضاحكا» أستعير هنا عبارة «كلهم أبنائى» لكن دائما ما يكون أقربهم ما أنا منغمس فى العمل به سواء كان لوحة أو رواية أو نقدا فطالما أنا منغمس فيه يكون أقرب أبنائى لى، ودائما أعبر أزماتى بمزيد من الإبداع فيهم وأعتبر نجاحى مقاومة ورد اعتبار لذاتى فى نظرى ونظر الجمهور حتى شعرت بأنى أصبحت مستعصيا على الكسر، فمنذ أكثر من 10 سنوات كنت أستعد لمعرض جديد وحدث حريق التهم جزءا كبيرا من اللوحات وخلال شهر أعدت اللوحات مرة أخرى بل استخدمت لوحات احترقت أجزاء منها وأقمت المعرض تحت عنوان «عصفور النار» كإعلان للانتصار على الحادث.

لقد ظلت العلاقة بين الأدب والرسم لدى متشابكة طوال حياتى، فرغم أن دراستى الأكاديمية هى الفنون التشكيلية إلا أننى تحققت أدبيا قبل التحقق تشكيليا، حيث حصلت على جائزتين فى الأدب من المجلس الأعلى للفنون والآداب ـ المجلس الأعلى للثقافة حاليا ـ وانا طالب بالجامعة، ثم اشتغلت بالرسم بعد التخرج وظل الإبداع الأدبى موجودا حتى شعرت وكأننى متزوج امرأتين، لكن كانت الغلبة للرسم لمدة أكثر من ٢٥ عاما إلى ان جا، عام ٢١٤ فكان التمرد عنوانا بروايتين تم نشرهما وهما « ندا، الواحة« و«المسافر خانة « وهناك رواية حاليا فى سبيلها للنشر بالاضافة إلى ٤ مجموعات قصصية لكن ظل النقد مرافقا لهما طوال المسيرة

هناك سؤال يشغل العامة.. هل الفن موهبة أم دراسة؟

بالأساس موهبة لكن الدراسة تصقلها، والمواهب مستويات فهناك صغير الموهبة الذى يستمر فى السير على القواعد وهناك كبير الموهبة الذى يكسر القواعد ويخلق لنفسه قواعد جديدة فيصبح مبتكرا.

وكيف يمكن اكتشاف المواهب منذ الصغر وتنميتها بحيث يكون لدينا أجيال من المبتكرين؟

المدرسة أول خلية لتكوين الفنانين فى كل ألوان الفنون، ويكفى أن نعرف أن الحركات الفنية العظيمة فى الأربعينيات كانت جماعات من الفنانين وراء كل منها مدرس رسم فى المدرسة سواء السرياليون من حامد ندا والجزار وماهر رافع أو التجريديون من جاذبية سرى وحامد عويس وغيرهما، لكنه كان مدرسا أسهم فى بناء مواهب وعبقريات وكان وراءهم خطوة بخطوة ويهيئهم للالتحاق بكليات الفنون الجميلة أو التربية الفنية التى كانت وقتها المعهد العالى للفنون، وكان الاشتراط للعمل مدرسا للفنون أن يكون خريج فنون ويلتحق بالمعهد عامين احتراما لقيمة المدرس والمدرسة للارتقاء بالذوق العام.

وهل إهمال حصص الفنون كان ضمن خطوات شحوب الهوية؟

فى البداية لم يكن توجيهًا سياسيا فالسياسة التعليمية لم تتعمد ذلك، لكن بالتدريج فقدنا الذائقة الفنية.

ولكن لو تحدثنا عن الوقت الحالى وبناء الجمهورية الجديدة من أين نبدأ لاستعادة هذه الذائقة ومن ثم الريادة الثقافية؟

لنبدأ من قانون التجميل المعمارى وإقامة مشروعات تشكيلية فى الهواء الطلق سواء جداريات أو تماثيل فى أماكن يرتادها الجمهور بكثافة لقضاء مصالحهم أو يمرون عليها بشكل يومى لتعتاد الأعين على الفن، وقد كان هناك مشروع قديم بهذا الشكل فى مؤسسات مثل مجمع المحاكم وكبرى الحدائق والميادين ومحطات المترو بحيث يصبح الفن فى الوجدان برؤيته وتذوقه فيصبح هناك محو أمية جمالية بعد أن اعتادت الأعين على القبح.

وهل يمكن أن يسهم ذلك فى محو القبح الفكرى والإرهاب الذى عانيناه طويلا؟

بالفعل وفى مواجهة الإرهاب تحديدا لابد أن يكون الفن سلاحا لأن انحسار الإرهاب قد لا يعنى زواله بغير رجعة لكنه قد يكون كامنا نتيجة قوة الضربة الأمنية خاصة أن دوافعه لا تزال موجودة حيث الفهم السيئ النية للدين ما يعنى أن البذرة كامنة ولابد من محاربة الجذور بأسلحة الفنون، والشيخ محمد عبده منذ أكثر من 100 عام قال «الفن مثله مثل الشعر يرقق المشاعر ويعلو بفكر الإنسان ووعيه، والشعر رسم بالكلمات والرسم شعر بالخطوط والألوان».

إذن فلابد من تجديد الخطاب الفنى مثلما نطالب بتجديد الخطاب الدينى؟

الأمر مناخ عام إذا توافر سيحدث التجديد تلقائيا وفقا لنظرية الأوانى المستطرقة بالثقافة فزيادة الاهتمام بالفن يعلى الذوق والجمال والعكس.

وكيف تقرأ القادم؟

متفائل إلى حد بعيد خاصة بالشباب الجديد والقدرة على نشر الوعى وبناء الإنسان المصرى مستقبلا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق