تعد اليابان من أكثر القوى الكبرى اهتماما بتنمية القارة الإفريقية والاستثمار فى تطوير حاضرها والبناء لمستقبلها، وهو اهتمام ليس بجديد، ولكنه بدأ منذ عقود وتحديدا بعد نهاية الحرب الباردة.
ففى الوقت الذى بدا فيه أن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفيتى آنذاك صرفت أنظارها عن تنمية إفريقيا، كانت اليابان فى مقدمة المهتمين بالشأن الإفريقى، وهو الاهتمام الذى تمت ترجمته فى إنشاء أو إطلاق مؤتمر طوكيو الدولى لتنمية إفريقيا «تيكاد»، الذى يرى الجانب اليابانى أنه يختلف ويتميز إلى حد كبير عن الأطر الأخرى الخاصة بإفريقيا فى ثلاث نقاط أساسية:
الأولى أنه الأقدم بين الشراكات العالمية المهتمة بالشأن الإفريقى، حيث بدأ عام 1993.
والثانية أنه يستند إلى مبدأ الشراكة الدولية التى أصبحت بعد ذلك الفكرة السائدة فى تنمية إفريقيا.
والثالثة أنه منتدى شامل ومفتوح، فالمشاركون ليسوا فقط من الدول الإفريقية واليابان، ولكن من الدول غير الإفريقية الشريكة والمنظمات الدولية والشركات الخاصة والمجتمع المدنى، وذلك بهدف إجراء نقاش مكثف من أجل تنمية إفريقيا، يجمع كل الأفكار والجهود من جميع الأطراف المعنية.
فهو من هذا المنطلق، مؤتمر دولى تقوده الحكومة اليابانية وتشترك فى رعايته كل من مفوضية الاتحاد الإفريقى ومكتب المستشار الخاص لشئون إفريقيا التابع للأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، والبنك الدولى، بهدف إتاحة الفرصة أمام كل هذه الأطراف مجتمعة لفتح نقاش موسع حول مستقبل التنمية فى إفريقيا. وكان المؤتمر فى دوراته الأولى يعقد كل خمس سنوات، ولكن خلال اجتماعات القمة الخامسة عام 2013، تم الاتفاق على أن يعقد كل ثلاث سنوات، ليعقد عام 2016 فى نيروبى بكينيا، لأول مرة خارج اليابان، ثم يعود لينعقد فى دوراته اللاحقة فى مدينة يوكوهاما.
وتقدم اليابان نفسها باعتبار أن مساعدتها التنموية تهدف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء القدرات، فالقمة التى تعمل اليابان من خلالها على تعزيز مكانتها الدبلوماسية فى القارة بأكملها، طالما كانت فرصة لكى تؤكد طوكيو أمام الحشد الدولى المشارك على أن جهودها فى دعم النمو تستند على عدة مفاهيم أساسية هى الجودة والشفافية والاستدامة، وهى مفاهيم يمكن أن يلمسها المتابع لعمليات تطوير البنية التحتية فى عدد من دول القارة، سواء فيما يتعلق بالتكلفة أو تلبية المعايير الدولية، أو الكفاءة الاقتصادية وأخيرا القدرة على تحمل أعباء الديون.
وهنا يشير بعض المحللين اليابانيين إلى أن تحركات اليابان فى إفريقيا تنسجم تماما مع نهجها الدبلوماسى الذى اتخذته بعد الحرب الباردة، والذى يوضح أن إفريقيا تعد مجالا مهما للدبلوماسية اليابانية من ثلاثة محاور:
أولها: هو دورها كعضو مسئول فى المجتمع الدولى يسهم فى حل المشاكل التى تعيشها القارة.
وثانيا: بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا باعتبارها سوقا واعدة تحقق معدلات نمو مرتفعة، وتمتلك كثافة سكانية متزايدة.
وثالثا: أن التعاون مع الدول الإفريقية يعد من وجهة النظر اليابانية أساسيا لحل بعض القضايا العالمية مثل إعادة هيكلة مجلس الأمن والتغير المناخى، وما إلى ذلك.
هذه المعانى كانت حاضرة خلال الإيجاز الصحفى الذى نظمته وزارة الخارجية اليابانية مؤخرا، عبر تقنية «زووم»، تمهيدا لعقد الاجتماعات الوزارية التمهيدية لقمة «تيكاد 8» نهاية الشهر الحالى، والتى ستعقد افتراضيا عن بعد، حيث حرص كل من تادايوكى مياشيتا نائب مدير إدارة الشئون الإفريقية بالخارجية اليابانية، وريوشى كاتو نائب رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولى «جايكا» خلال اللقاء الصحفى على توضيح عدة نقاط حول القمة المقبلة المقرر أن تعقد فى تونس فى شهر أغسطس المقبل.
وكان الجانب اليابانى حريصا أيضا على تأكيد أن المساعدات اليابانية تقدم فى أكثر من مجال وعلى عدة أصعدة، منها على سبيل المثال المساهمة فى حفظ السلام والاستقرار وتعزيز الحوكمة والاستثمار فى البنية التحتية، ومؤخرا تميزت فى ظل جائحة كوفيد -19 التى اجتاحت العالم، بتقديم مساعدات هائلة من خلال آلية «كوفاكس»، ليس فقط على مستوى توفير اللقاحات، ولكن أيضا على مستوى الدعم الفنى وتدريب الكوادر الطبية ورفع كفاءتها، وتوفير سلاسل التبريد اللازمة للحفاظ على اللقاحات المقدمة.
ومثلما كانت القمة السابقة مناسبة مهمة لطرح العديد من المبادرات التى تسعى للاهتمام بالجهود الإنسانية والتنموية على المستوى المتوسط والطويل، والتركيز على التعاون فى مجال التعليم، وطرح العديد من المبادرات فى هذا الاتجاه، مثل «مبادرة آبى» التى تحمل اسم رئيس الوزراء اليابانى السابق شينزو آبى، والتى أتاحت ثلاثة آلاف منحة للدراسات العليا والتدريب فى الشركات اليابانية أمام الطلبة الأفارقة، فإن الآمال معلقة على القمة القادمة فى تونس فى أن تواصل اليابان العمل لتحقيق التغطية الصحية الشاملة فى إفريقيا وبناء مفهوم الأمن الإنسانى، بحيث تكون القمة المقبلة محطة مهمة على طريق تعزيز التعاون واستكشاف آفاق أوسع للشراكة بين الدول الإفريقية واليابان، وتكثيف المبادرات الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة والعادلة، وتوطيد أسس ومقومات الأمن والاستقرار لدول القارة بأكملها.
رابط دائم: