رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تجنيد «البعبع».. حرب بالإيجار!

رشا عبد الوهاب
مرتزقة

«مفككون، طموحون، بدون انضباط، خونة، شجعان بين أصدقائهم، لا يخافون الله، ولا يثقون فى الناس».. هكذا وصف مكيافيلى المرتزقة فى كتابة «الأمير». فقد عاصر نيكولو مكيافيلى، صاحب مقولة «الغاية تبرر الوسيلة»، كيف انقلب المرتزقة على مدينته فلورنسا بعد أن استأجرتهم خلال الحرب مع بيزا، وقاموا بنهبها خلال الفترة بين 1500 إلى 1506. ويعتبر العمل كمرتزق، ثانى أقدم مهنة فى التاريخ بعد الدعارة، وفقا لجامعة أكسفورد، حيث كان المرتزقة جزءا لا يتجزأ من تاريخ بداية الحروب فى العالم.

ورغم وجود أدبيات عن المرتزقة فى جيوش اليونان وروما فى التاريخ القديم، إلا أن تجارة المرتزقة انتعشت بشكل كبير خلال الثلاثين عاما الماضية، خصوصا مع لجوء بعض دول الجنوب إلى هؤلاء المعروفين بشراستهم ودمويتهم، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة: لماذا تلجأ الدول الكبرى إلى استئجار هؤلاء الأجانب مع امتلاكها جيوشا نظامية قوية؟ ربما إحدى الإجابات على هذا السؤال تتمثل فى أن الحروب التقليدية تغيرت، وأصبحت أكثر خداعا، حيث نعيش فى عصر المعلومات والأسلحة التى توفر «غطاء للإنكار» فى حالة حدوث جرائم أو انتهاكات. فالشركات الأمنية والعسكرية موجودة منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولعل أبرزها شركة «بينكرتون» الأمريكية، التى اكتسب شهرتها من أنها منعت مؤامرة لاغتيال الرئيس إبراهام لينكولن، الذى استأجر الشركة فى وقت لاحق لحمايته الشخصية، ومع تزايد أعمال الشركة، مرر الكونجرس الأمريكى قانون «مكافحة بينكرتون» عام 1893 للحد من قدرة الحكومة الفيدرالية على توظيف مرتزقة، إلا أن القانون لم يوقف ذلك، حيث أن الولايات المتحدة على مدار عقود أدمنت استخدام هذه الجيوش الخاصة وغير النظامية، لدرجة أن الجيش الأمريكى أصبح يوصف بأنه «جيش من المرتزقة». وبعد أحداث 11 سبتمبر، ظهرت شركات المتعاقدين خصوصا خلال حربى العراق وأفغانستان. ولعل تسريبا سابقا وفاضحا للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما حول عدم ضرورة الاعتماد على الجيش فقط لتحقيق أهداف الأمن القومى، كانت دليلا على محاولات أمريكا المتواصلة للبحث عن «البعبع» أو «البوجى مان» فى الخارج. وتنص اتفاقيات جنيف على عدم الاعتراف بالمرتزقة كمقاتلين شرعيين وأنه لا يتعين منحهم نفس الحماية القانونية التى يتمتع بها أفراد الخدمة فى الجيش النظامى. وتنص المادة 47 من البروتوكول الإضافى لاتفاقيات جنيف على التعريف الأكثر قبولا للمرتزق، رغم عدم الاعتراف به من قبل بعض الدول، ومن بينها الدول المتحدة، وهو أنه لا يتعين أن يمتلك صفة مقاتل أو أسير حرب، فالمرتزق من يتم تجنيده بشكل خاص محليا أو فى الخارج للقتال فى نزاع محلى، ويشارك بشكل فعلى ومباشر فى الأعمال العدائية، ويكون الدافع للمشاركة فى الأعمال العدائية أساسا الرغبة فى تحقيق مكاسب شخصية، ويتم التعهد من قبل أو نيابة عن أحد أطراف النزاع بتعويض مادى يزيد بشكل كبير عما يتلقاه الرتب المماثلة من القوات المسلحة النظامية. والمرتزق ليس من رعايا أحد أطراف النزاع ولا مقيما فى إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع، وهو بالتأكيد ليس مجندا فى القوات المسلحة لأيا من أطراف النزاع.

ومع بداية الحرب فى أوكرانيا، نشر إعلان توظيف لشركة أمريكية يقول «مطلوب: جنود سابقون يتحدثون عدة لغات يريدون التوجه سرا إلى أوكرانيا مقابل 2000 دولار فى اليوم إلى جانب الحوافز للمساعدة فى إنقاذ العائلات من صراع مروع على نحو متزايد». كما دعت أوكرانيا إلى تشكيل الفيلق الدولى لتجنيد المتطوعين، وبدأت أفواج من هؤلاء المتطوعين تتوجه إلى الحدود الأوكرانية بالفعل.

وهكذا فإن خصخصة الحرب، بمعنى الاستعانة بشركات ومتعاقدين خاصين، تغير مفهوم الحرب بطريقة عميقة لا يفهمها الجنرالات المعاصرون. فاستراتيجيات السوق هنا هى التى تفرض نفسها وليس الاستراتيجيات العسكرية، فالدول يمكنها كسب الحروب عن طريق المزايدة على العدو مقابل خدمات المرتزقة أو رشوة مرتزقة العدو للانشقاق أو ربما الاستغناء عن المرتزقة وعدم الدفع لهم بمجرد انتهاء الحرب، ولكنها لعبة خطرة، فالخيانة هى شعار الحرب الخاصة.

أما الجانب الآخر لوجود المرتزقة، فيتمثل فى أن العالم الغارق فى الفوضى يعانى المزيد من الحرب والمعاناة. فالتاريخ يكشف تحول المرتزقة العاطلين عن العمل إلى مجرمين وقطاع طرق، يمكنهم الاستيلاء على مناطق بأكملها كما حدث لميلانو فى القرن الخامس عشر. ويمكنهم بدء الحرب وإطالة أمدها من أجل الربح ومنع الوصول إلى السلام. وهذا أحد الأسباب التى جعلت حرب الثلاثين عاما (1618 إلى 1648) فى أوروبا تستغرق كل هذا الوقت، حيث قاتل المرتزقة إلى جانب جميع الأطراف بأعداد كبيرة، وبنهاية الحرب، فقدت ألمانيا من سكانها نسبة أكبر مما فقدته بعدها خلال الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع أن يزداد الاتجاه إلى تجنيد المرتزقة بقوة بفضل سوق حرة للقوة تشعل الحرب لكن لا تستطيع تنظيمها، وتحتاج إلى ذكاء استراتيجى للتعامل معها قبل أن تتحول إلى أزمة بلا حل. وتشير التوقعات إلى أن الصناعة العسكرية والأمنية العالمية الخاصة ستبلغ قيمتها أكثر من 457 مليار دولار فى عام 2030، ارتفاعا من حوالى 224 مليار دولار فى عام 2020.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق