أعماله رغم قوة تأثيرها تشبه مياه النيل فى هدوئها وصفائها وأبطال رواياته يتسللون الى قلوبنا ببساطة وتلقائية وكأنهم من أبطال واقعنا، يعرف كيف يلتقط تفاصيل الحياة الدقيقة للبشر وينسجها فى عمل درامى.. يجمع خيوط شخصياته من بين المسافات الضيقة للشوارع وأرصفة الطرق وأنفاس البشر المتلاحقة ويلملم تعبيراته من على ألسنة الناس لذا احتلت تلك الأعمال الصدارة خاصة مسلسل أبو العروسة بمواسمه الثلاثة وأولاد ناس فور عرضها.. مع المؤلف والسيناريست والمخرج هانى كمال صاحب مسلسل «أبو العروسة» كان لنا هذا الحوار.
............
هل فقدت الدراما تأثيرها على المجتمع؟
إطلاقا لأنها لو فقدت تأثيرها لما أصبح لوجودها ضرورة فالدراما دورها الحقيقى هو التأثير فى الناس بمعنى أنه مثلما يشكل الإنسان فكرته عن الحياة فى أول 18 سنة من عمره من خلال العلاقة بين والده ووالدته وعلاقته بهم وبجميع من حوله فإن الدراما أيضا لها دور أساسى فى تشكيل وعيه بالحياة.
يبدو من كتاباتك أنك مهموم بالمجتمع عموما.. فما هى الفكرة الأساسية التى تحرص أن تدور حولها أعمالك؟
أى إنسان ربنا سبحانه وتعالى منحه موهبة فلابد أنه سيسأل عليها فضلا عن إن مشوار البنى أدم فى الحياة لو كان بلا معنى أو هدف لفقدت الحياة نفسها قيمتها حتى لو كان يملك مال الدنيا كله لذا فأنا قناعتى أن يوجد غرض وهدف من وجودى فى الدنيا وهذا الغرض أنا سأسأل عنه أمام الله ومن ثم فطبيعى أن أكون مهموما فى كل أعمالى سواء أبو العروسة أو غيرها بشأن هذا المجتمع
تهتم فى أعمالك وتحديدا «أبو العروسة» و«ولاد ناس» بتقديم نصائح لكل فرد فى المجتمع ورغم ذلك لم يشعر المتلقى بالتنظير أو التعالى عليه..!
أحرص على أن تكون الطبقة المتوسطة هى الغالبة فى أعمالى وأنا أساسا من أبناء هذه الطبقة التى تعد رمانة ميزان أى مجتمع لذا من غير الطبيعى أن أنظر على نفسى وكل ما فى الأمر أننى متوحد مع مجتمعى وهمومه ومشاكله وهذا التوحد هو الذى جعل تلك الرسائل تبدو وكأنها أمر طبيعى وليست تنظير حيث إن هناك شعرة فاصلة بين الرسالة التى يشعر المتلقى وكأنه هو الذى يتحدث بها مع نفسه وبين التنظير أو التعالى الذى ينفره من العمل والفكرة ككل.
دراستك للهندسة أفادتك فى حل تلك المعادلة أم أن الموضوع يعود للموهبة فقط؟
أنا دخلت كلية هندسة لأنى لم أستطع الإلتحاق بمعهد السينما وطبعا كنت حاصلا على مجموع كبير فى الثانوية العامة فأهلى نصحونى بالهندسة وأظن أن هذه الدراسة أفادتنى بكونها جعلت فكرى منظما كما أنها ساعدتنى على ترتيب أولوياتى ما بين الكتابة والإخراج.
أيهما أهم فى الدراما الحوار أم السيناريو الجيد؟
الكتابة حوار.. وسيناريو جيد طبعا لكن الحوار هو الأهم وهو اللى بيحرك مشاعر الناس وهذا ما تعلمناه من أساتذتنا الكبار أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحمد جلال عبدالقوى ومجدى صابر.
فى حلقة من حلقات أبو العروسة تطرقت للطفرة الكبيرة التى قامت بها الدولة فى القضاء على العشوائيات ونقل مواطنيها لحى الأسمرات ولكن الحوار فى هذا المشهد جاء فى اتجاه عكسى..فماذا كنت تقصد؟
هذا المشهد تحديدا أساء البعض فهمه بسبب الحوار الذى دار فيه على لسان حسن صديق عبدالحميد عندما قال له إنه مهم جدا أن نخرج الناس من العشش ونسكنهم فى شقق آدمية ونعيشهم حياة كريمة بس الأهم إن العشش التى تسكن الرؤوس تخرج والحقيقة أنا لدى قناعة أن العنكبوت معشش يسكن فى كل مكان غنى وفقير بدليل ارتفاع معدلات الانتحار والطلاق وجرائم العنف لأن عشش العنكبوت مازالت فى العقول وليس الأماكن وأتصور أن الدراما هنا سواء كانت سينما أو تليفزيون لها دور فعال وتأثير لايستهان به فى تغيير أفكار هذا المجتمع.
أكثر من 150 حلقة من مسلسل أبو العروسة حتى الآن ولايوجد حدث واحد قائم عليه المسلسل إنما كلها تفاصيل من نسيج حياتنا اليومية.. فكيف استطعت أن تربط الجمهور بكل هذه الحلقات دون أن تشعره بالملل؟
منذ أن بدأت الدراما فى مصر وحتى عشر سنوات ماضية كانت تسير بشكل عظيم جدا ومن ثم كانت صاحبة الريادة فى الوطن العربى إلا أنه ودون مقدمات ومن بعد 2011 تحديدا الغزو الذى دخل من السينما على الدراما بقدر ما أفادها كصورة وشكل بقدر ما أضر بها كفكر لأنهم أخذوا أفكار الأفلام وضعوها فى دراما والحقيقة أن المشاهد يستطيع أن يحتمل هذه الأفكار فى فيلم ولكنه لايحتملها فى مسلسل 30 حلقة وبالتالى لن يستطيع مشاهدته مرة أخرى لأنه قائم على حدث واحد سواء كان جريمة أو لغزا أو خيالا علميا وليس قائما على علاقات إنسانية من لحم ودم ومثال على ذلك مسلسل ليالى الحلمية أو الشهد والدموع أو زيزنيا لو تم عرضهم فى أى وقت للمرة الألف سنشاهدهم لكون البطل الرئيسى فى هذه الأعمال هو الإنسان بكل علاقاته وصراعاته وأحلامه وهذا هو نفس الفكر الذى أكتب به أعمالى فأنا أسعى لتقديم دراما للإنسان فى أى زمان وتحت أى ظروف لأننا فى الأساس كائنات علاقاتيه.
تعتقد ما السبب وراء استمرار شغف الناس بأبو العروسة؟
لأنه يركز على علاقات البنى آدمين مكتوب لناس من لحم ودم يعنى مثلا علاقة الأب والأم اللى هما أساس الأسرة فلو الأب والأم متفاهمين فنحن هنا أمام أسرة سوية وإذا كانت الأسرة سوية فالمجتمع كله بخير والعكس صحيح وأظن أن سر إستمرار شغف الناس بالمسلسل أن كل فرد فى العيلة وجد نفسه فى واحدة من شخصياته ولكنى دائما وبشكل أساسى أخاطب الأب والأم لأنهم عامود الحكاية بدليل أن عبدالحميد عندما شعر أن هناك خلل فى علاقته بمرزوق بدأ يبحث ويقرأ عن طرق مختلفة للتعامل مع المراهق وحاول أكثر من مرة وبكل الطرق البحث عن حلقة تواصل مع ابنه تساعده لأن يصل به لبر الأمان لذا ركزت فى إحدى الحلقات على اهتمام الولد بأغانى المهرجانات ومحاولات عبدالحميد لاستيعاب هذا الاهتمام ومواجهته بخلق تيار من الأعمال الجيدة فى عقل إبنه لذا بدأ يسحبه لأفلام إسماعيل ياسين وأغانى عبدالوهاب وأم كلثوم وذلك دون أن ينهره أو يسخر مما يسمعه ولكنه فقط لفت إنتباهه للأجمل حتى لانسمح لكل ما هو فردى أن يصبح جمعى.
كل شخصيات أعمالك تحمل الخير والشر بمعنى أنه لايوجد شخص طيب فى المطلق ولا شرير فى المطلق.. فهل تقصد ذلك؟
هو ليس تعمدا ولكنى كما قلت لك أكتب عن الإنسان ولايوجد إنسان شرير طول الوقت أو ملاك طول الوقت فكلنا نحمل الإثنين ولكن المهم آلا نسمح للشر الذى بداخلنا أن ينتصر على الخير وذلك لأن الدراما هى نحن البشر العاديين.
الكتابة مع الإخراج أمر فى غاية الصعوبة.. فلماذا تحرص على إخراج أعمالك بنفسك؟
لأضمن جودة التفاصيل خاصة أن الدراما الأن يتم تحضيرها فى وقت قصير ومعظم الحلقات تعرض تانى يوم تصويرها وبالتالى فالكاتب هو أكثر شخص ملم بتفاصيل شخصياته.
أبو العروسة خلق موسما دراميا جديدا خارج الموسم الرمضانى.. فأيهما أفضل بالنسبة لك؟
أنا ضد تنصنيف الدراما بالموسم وأرى أن العمل الجيد يفرض نفسه فى أى وقت.
ماذا عن شعورك عندما أعلن عدد كبير من الأباء أنهم غيروا طريقة معاملتهم مع أبنائهم بسبب قسم الأبوة الذى أقسمه ماجد الكدوانى فى مسلسل ولاد ناس؟
هذا هو النجاح الحقيقى بالنسبة لى فأنا أرى أنه لو غير أب واحد طريقة تعامله مع إبنته بسبب أبو العروسه أو مع إبنه بسبب ولاد ناس فأنا هنا تركت الأثر الذى سيبقى لى مع الناس وأمام ربنا.
بالتأكيد والحقيقة أنا بعمل حسابهم فى الكتابة وفى الحقيقة لأن اللى بكتبه بأحاول أعيشه معهم فمن غير الطبيعى أن أكتب عن الحق ولا أعيشه
لو استطعنا خلق موجة من هذه الأعمال الاجتماعية الجيدة.. هل يمكننا تغيير المجتمع للأفضل؟
بالتأكيد خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة فنحن قدمنا خمسة أعمال جيدة فى سنة سنحصد ثمارها فى المجتمع بنفس السنة.
رابط دائم: