رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

شريط ستان

مريم عيسى

بينما ينطلق صوت نجاح سلام من إذاعة الشرق الأوسط «بالسلامة يا حبيبى بالسلامة»، كانت أمى تعد الفطور، وهو بيض مسلوق وجبنة قديمة.

هذا العام تضاعفت المهام عليها، فبدًلا من أن توقظ أخى الكبير فقط للذهاب إلى المدرسة، صرتُ أنا المهمة الجديدة.

قبل أن تقترب لتوقظنى كنت قد فتحت عينىّ، فرحة عارمة، أصبحت ست سنوات وفى انتظارى مقعد فى الصف الأول الابتدائى.

انتفضتُ سريعًا، وهممت فى دقائق لأستعد. كانت طقوس هذا اليوم مختلفة، فالبيض المسلوق كان مكافأة غير اعتيادية، أنتظره من العيد للعيد فى وجبة الفطور، والآن/اليوم حسنًا، يبدو أن لليوم احتفالات وطقوساً فَرِحَة.

بنهاية الثمانينيات أتممت عامى السادس، صرتُ أستطيع أداء بعض المهام بمفردى، مثل ارتداء الملابس، كان اللون البيج بغيضاً بالنسبة لى منذ أن فهمت معنى الألوان، لكنه كان لون مريلة المدرسة، تُطلق عليه أمى اسماً يثير غضبى أكثر «سمنى»، أشعر بامتعاض لكن لا شئ يهم.

فى الصباح تتراكم المهام على أمى، فتعقد حاجبيها وتصاب بصداع لم يفارقها حتى غابت للأبد، يصبح كلامها قليلا لكنه حاد مغلف بقسوة، أتجنبها فى كل الصباحات لعلى أفلت من لومها.

كانت ستى تقول لى «دى مش قسوة يا بنتى.. ده هم بعيد عنك ربنا يكفيك شر الهموم».

فى صباحات سبتمبر يتحول الجو من الحر المقفر إلى ليّن طيب، نسمات هواء دافئة تقتحم رئتى، أضفت على يومى هدوءًا عجيبًا. وبينما انشغلتُ فى اقتناص نصيبى من البيض المسلوق، نادت أمى:«أميرة.. تعالى». على عجالة آنهيت فطورى واقتربت، كانت عيناها الغائرتان تخبئان فرحة لم أعتدها ربما لسنوات طوال بعد ذلك اليوم. فى يدها كيس بلاستيك معقود بـ«دوبارة»، وددت لو سألتها ماذا يحوى، لكنها لم تمنحنى فرصة، برقة فتحت الكيس وأخرجت منه شريطين من الستان، أحدهما أزرق والآخر أخضر. اختارت الأزرق ثم أدارت رأسى ووضعت يدها على شعرى لتجدله مع ضفيرتى الخشنة، صرت حقًا كالأميرات. ولإكمال الإطلالة الملكية مدت يديها النحيلتين إلى أذنيها، خلعت حلقها الذهبى الصغير، آخر ما تبقى من شبكتها، ثم منحتنى إياه دون أن تتفوه بكلمة واحدة، فقط ابتسمت ثم احتضنتنى، تعلقت برقبتها وقلبى يرقص فرحًا، كان حضنا عميقا.

لم أعتد حضنها لسنوات طويلة بعد هذا اليوم، لكنى لن أنساه طالما حييت. ألبستنى شنطتى الجديدة التى حملتها على ظهرى فى نشاط، ودعتنى أنا وأخى ثم همست له «خلى بالك من أختك.. حاسب من العربيات».

منحتنى أمى آخر ما تبقى من ثروتها فى عُرف النساء، ومنحتنى معه طمأنينة رافقتنى سنوات، وددت لو توقف الزمن عند هذه اللحظة، لكنها السنوات.

أخطو إلى عامى الأربعين على عجل، بينما بقى الحلق والشريط الستان ديناً فى رقبتى، تعجلت أمى الرحيل قبل أن أسدد هذا الدين، ودون أن تمنحنى الحضن نفسه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق