رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين الرضوخ لشروط بوتين أو مواجهة «تكتيك الشيشان»
الخيارات العسكرية تتقدم الدبلوماسية لإنهاء الحرب فى أوكرانيا

محمد عز الدين
مسنة شيشانية تحمل متاعها وتسير علي أنقاض أحد المباني التى قصفتها القوات الروسية في جروزني عام 2000

يبدو أن الحل الدبلوماسي للحرب في أوكرانيا بعيد المنال حتى الآن، خاصة وأن المحادثات بين وزيرى الخارجية الروسى والأوكرانى في تركيا الأسبوع الماضى، ولقاءات وفدي البلدين السابقة في بيلاروس لم تؤد حتى الساعة لوقف إطلاق النار المأمول.

هناك أربع طرق يمكن أن تحسم الصراع في المدى القريب، يتقدمها الدعم العسكري من دول أوروبا الغربية لأوكرانيا، وثانيا تقديم معدات عسكرية لزيادة مقاومة الأوكرانيين وإبطاء توغل القوات الروسية، وحل ثالث دبلوماسي يشمل تلبية بعض أو كل مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورابعا وأخيرا تفعيل عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا لإجبار بوتين على وقف الغزو.

بنظرة أكثر قربا، اعتبرت منصة «مودرن دبلوماسي»، المختصة بالشؤون الأوروبية، أن كل هذه الخيارات إما غير مرغوب فيها أو غير واقعية، مما يعني أن الحرب ستستمر في المستقبل المنظور، وبدءا من الاحتمال الأخير، قالت إنه من غير المرجح أن تردع العقوبات بوتين، على الرغم من تأثيرها الشديد على الاقتصاد الروسى، والتي بدأت التأثير الفعلي حيث انهار الروبل، وانسحبت الشركات الأجنبية من البلاد، فيما تشهد روسيا الآن موجات من ارتفاع الأسعار وزيادة سعر الفائدة، كما إن الأمور الأسوأ بالنسبة لروسيا، هو حظر الحلفاء الغربيين النفط الروسى، بينما يتجه الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء اعتماده على الغاز الروسي.

وبغض النظر عن شدة العقوبات إلا أنها لن تثني بوتين، بحسب المحللين الذين يرون أن استمرار وبقاء الرئيس الروسي بالسلطة يعتمد على تحقيق نتيجة إيجابية في هذه الحرب. وبالفعل زادت شعبية بوتين في روسيا منذ بداية الحرب، فبحسب الرواية الروسية فإن العملية العسكرية في أوكرانيا تستهدف «تحريرها من النازيين الجدد»!. وتظل تقييمات المواطنين الروس إيجابية لبوتين اعتمادا على النجاحات في ساحة المعركة، فكثير من المؤيدين الروس لبوتين سيتسامحون ويتأقلمون مع التأثير السلبي للعقوبات، طالما أن روسيا فائزة بالحرب، لذلك لا يمكن أن يتراجع بوتين الآن.

وفي الواقع، ومنذ سريان وتطبيق العقوبات الاقتصادية، استخدم الجيش الروسي قوة نيرانية أكثر من قبل لقصف المدن المستهدفة في عملياته. ورغم تقديم مساعدات عسكرية ومشاركة بشكل غير مباشر بالحرب من جانب الحلفاء الغربيين، تظل مسألة إنشاء منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا، غير مرحب بها، وذلك على خلفية أن ذلك سيؤدي إلى مواجهة مباشرة بين دول حلف الناتو وروسيا، والتي قد تفضي إلى عواقب رهيبة لا جدال فيها، ولذلك رفض القادة الغربيون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، هذا الخيار.

واختارت الدول الغربية بديلا آخر هو توفير أسلحة إلى أوكرانيا لمنع الهجمات وإبطاء توغل القوات الروسية حيث أرسلت الولايات المتحدة مساعدة عسكرية بقيمة ٣٥٠ مليون دولار لأوكرانيا، في حين قدمت دول الاتحاد الأوروبي أسلحة بقيمة ٥٠٢ مليون دولار، وهذا التكتيك الأوروبي حقق نجاحا ميدانيا بالفعل حتى الآن، وبدد آمال بوتين في تحقيق نصر سريع. وحتى الآن، كما قالت وزارة الدفاع البريطانية؛ إنه من غير المرجح أن تحقق روسيا أهدافها المخططة.

وبالرغم من تلك النجاحات الجزئية، إلا أن هذا النهج يشوبه العديد من المخاطر: أولا، قد يقرر بوتين استخدام التكتيكات العشوائية لتحقيق أهدافه العسكرية، ولديه سوابق في ذلك، فلضمان النصر لروسيا خلال حربها مع الشيشان في أوائل عام ٢٠٠٠، طمس بوتين معالم عاصمتها جروزني.

وإذا ما قرر بوتين السير علي نفس النهج مرة أخرى، فإن عدد الضحايا واللاجئين سيزداد بشكل كبير. ثانيا، تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا سيبطئ فقط من التقدم العسكري الروسى، لكن من غير المرجح أن يكون كافيا لوقفهم بشكل كامل، لا سيما في جنوب أوكرانيا.

وهي مسرح معظم النشاط العسكري حاليا، أخذا في الاعتبار أنه إذا نجحت روسيا في السيطرة على مزيد من المدن، وخاصة ماريوبول، فإنها ستفرض ممرا بين شبه جزيرة القرم - التي سبق وان ضمتها روسيا - وبين منطقة دونباس، وبالتالي فمن المرجح أن يضيف بوتين المزيد من الشروط إلى قائمته الحالية، فقد يصر على أن هذه المدن والأقاليم لا تزال تحت الإشراف الروسى، أو ربما يقرر ضمهما.

هذا التحرك سيترك خيار الحل الدبلوماسى، لكنه سيتطلب تحقيق مطالب بوتين الرئيسية باعتبار أوكرانيا دولة محايدة، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كإقليم ذى أقلية روسية، والاعتراف باستقلال دولتي لوجانسك ودونيتسك، بدلا من وضعها الحالي كمنطقتين انفصاليتين في دونباس بشرق أوكرانيا.

ولم يغير الرئيس الروسي هذه المطالب والشروط وأخبر العديد من الزعماء، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن موسكو تخطط لتحقيق أهدافها إما من خلال الدبلوماسية أو بالوسائل العسكرية.

بدورها تجد أوكرانيا أن مثل هذه المطالب غير مقبولة، ولكن إذا بدأت روسيا في إحراز تقدم عسكرى، فقد تكون أيدي كييف مقيدة، وربما توافق أوكرانيا على أن تصبح دولة محايدة عسكريا، وهذا يعني أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو أو أي تحالف عسكري آخر. هذا يمكن أن ينهي الحرب الحالية مع روسيا وقد يمنع أيضا الصراعات المستقبلية بين الجانبين.

وكما حققت روسيا أهدافها، فبطبيعة الحال، تحتاج أوكرانيا إلى الحصول على ضمانات من روسيا والغرب لضمان أمنها، كما ستصر أوكرانيا على التعاون السياسي والاقتصادي مع أوروبا، بهدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، واشتراط ألا تعترض روسيا على ذلك، أو التعلل بأن هذه الخطوة من شأنها تشكيل أي تهديد أمنى، وذلك على غرار فنلندا، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي ولكن لديها وضع عسكري محايد.

ويرى مراقبون أن العلاقات الوثيقة مع أوروبا هى ما يرغب فيها معظم الأوكرانيين، وإذا كان الحياد العسكري سيسهل هذا الهدف، فقد يكون الأمر مسارا مرضيا إلى الأمام. أما قبول استقلال جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك، واعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كأقلية روسية سيكون أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، ويعتبر تركهم لروسيا بمثابة تبعية لبوتين وإذلالا للأوكرانيين. وبشكل عملى، قد يكون مفيدا لأوكرانيا للتخلي عن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، فغالبية القرميين يريدون حقا أن يكونوا تابعين لروسيا، في حين أن لوجانسك ودونتسك يعتبرون أنفسهم ثقافيا وسياسيا أقرب إلى روسيا.

واعتبرت «مودرن دبلوماسي» في تقريرها أن التخلي عن هذه المناطق ستمكن بقية أوكرانيا من الانتقال في اتجاه عضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، دون لوجانسك، ودونيتسك، والقرم، التى يعارض سكانهم علاقات أوثق مع أوروبا.

ومن الناحية النظرية، قد يكون هذا طريقا قابل للتطبيق لحل الأزمة، ولكن من غير المرجح أن يوافق الأوكرانيون على هذه المطالب الروسية، خاصة أن المعارضين لشروط الكرملين يؤكدون أن تحقيق مطالب بوتين يعني استسلام أوكرانيا.

في نهاية المطاف، وفي ظل تمسك كل طرف بموقفه وأسبابه، فلا تبدو أي من الخيارات المطروحة قابلة للتطبيق الآن، بل ستؤدي المشاركة العسكرية الغربية إلى حرب شاملة على مستوى أوروبا ككل.

وسيحقق توفير الأسلحة لأوكرانيا نجاحات ميدانية على المدى القصير، ولكن قد لا يكون كافيا لمنع روسيا من احتلال المزيد من المدن الأوكرانية. كما أن العقوبات الاقتصادية لن توقف بوتين، ويظل من غير المرجح أن توافق أوكرانيا على مطالب الرئيس الروسي.

وسيعتمد أي خيار أكثر قابلية للتطبيق على ما إذا كان أي جانب يكسب اليد العليا في الحرب؛ فإذا نجحت أوكرانيا في السيطرة الميدانية وتحجيم الهجمات الروسية وإفشالها، فهناك خطر احتمال استخدام بوتين «طريقة حرب الشيشان» لمنع هزيمة قواته.

وإذا نجح الجيش الروسي في الاستحواذ على المزيد من المدن، فسيكون هناك ضغوط على أوكرانيا لقبول بعض مطالب بوتين، أما إذا فشلت روسيا في إحراز تقدم كبير في ساحة المعركة، فقد يتم إقناع بوتين بإسقاط بعض مطالبه. وحتى ذلك الحين، ستستمر الحرب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق