تكاد الحرب تقترب من نهاية أسبوعها الثالث، ولا أحد يعرف بعد موعدا لنهايتها، رغم ما كان يبدو من شبه الإجماع حول أنها ستكون حربا خاطفة، يمكن أن تنتهى خلال أيام معدودات. ورغم تواصل الجهود والاتصالات، بما فيها ما جرى ويجرى على مستوى القمة، فليس هناك ما يشير إلى موعد يمكن أن يضع حدا لتصاعد أوزار هذه الحرب التى تحار أطرافها المعنية أمام مدى جدوى استمرارها.
شهدت الأيام القليلة الماضية استمرار الاتصالات بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسى ايمانويل ماكرون والمستشار الألمانى اولاف شولتز، سعيا وراء التوصل إلى مساحات وسط تكفل الخروج من المأزق الراهن. ويكفى أن نشير إلى أن الرئيس الفرنسى ماكرون أعقب زياراته لموسكو بتسعة اتصالات هاتفية، كان آخرها الاتصال الثلاثى الذى جمعهما عبر الفيديو كونفرانس، بالمستشار الألمانى شولتز، حيث بحث ثلاثتهم ما يمكن التوصل إليه من خطوات على صعيد الوضع الإنساني فى مناطق إجراء العملية العسكرية الروسية. وأشار البيان الصادر عن الكرملين فى هذا الشأن إلى أن الرئيس الروسي أطلع كلا من ماكرون وشولتز على ما يجرى هناك، مشيرا إلى “حالات متعددة لانتهاك معايير القانون الإنسانى الدولى بشكل فاضح من قبل القوات الأوكرانية”، بما يشمل “الإعدام خارج نطاق القضاء للذين لديهم آراء مختلفة، واحتجاز رهائن واستخدام مدنيين دروعا بشرية، ونشر أسلحة ثقيلة فى أحياء سكنية وعلى مقربة من مستشفيات ومدارس ورياض أطفال، إلخ”، حسب بيان الكرملين. وفى محاولة لتفنيد ودحض ما تروجه المصادر الغربية من بيانات تصفها موسكو بالمكذوبة والمغلوطة، قالت مصادر الكرملين، إن الرئيس بوتين طالب ماكرون وشولتز بالضغط على كييف من أجل وقف مخالفاتها للقانون الدولى الإنسانى فى أوكرانيا، ومنها ما يتعلق بالتطاول على حقوق المدنيين، ووضع حد للوضع الكارثى المأساوى بهذا الصدد، فضلا عن “استعراض بعض المسائل المتعلقة بالاتفاقات قيد العمل بخصوص تطبيق المطالب الروسية المعروفة”. وقد جاء الاتصال الأخير إضافة إلى ما سبقه من اتصالات تركزت فى الكثير من جوانبها على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، وهو ما لم يشر الكرملين بشيء إلى رد فعل الرئيس بوتين تجاهه. ومن اللافت أن كلا من ماكرون وشولتز كانا أجريا اتصالاتهما بالرئيس الاوكرانى فلاديمير زيلينسكى قبل اتصالهما بالرئيس بوتين، دون أن تكشف مصادر الجانبين الفرنسى والألمانى عما دار فى اتصالاتهما مع زيلينسكي.
وقد جاءت هذه الاتصالات فى توقيت مواكب لما أعلنته موسكو أن قواتها المسلحة سوف تتعامل عسكريا مع أى من القوافل التى تحمل أسلحة لأوكرانيا بما يعنى “أنها يمكن أن تصبح أهدافًا للقوات المسلحة الروسية”.
وفى هذا السياق أعلن سيرجى ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية، ماهية العواقب التى يمكن أن تكون على خلفية ما وصفه بـ “النقل الطائش” لأنواع من الأسلحة إلى كييف، مثل أنظمة الدفاع الجوى المحمولة وأنظمة القذائف المضادة للدبابات. وقال إن تدفق الأسلحة الغربية على أوكرانيا لن يؤدى إلا إلى تعقيد الموقف، مؤكدا أن بلاده طالما حذرت الولايات المتحدة من أن إمداد أوكرانيا بالأسلحة “ليس مجرد خطوة خطيرة، بل إجراء يحول القوافل المقابلة إلى أهداف مشروعة”.
وعلى صعيد ذى صلة، أعلن الرئيس بوتين استجابته لاقتراح وزير دفاعه سيرجى شويجو، حول تسليم جمهوريتى “دونيتسك” و«لوجانسك» المعترف بهما من جانب موسكو، على ما وقع فى حوزة القوات الروسية المسلحة من غنائم عسكرية وأسلحة، خاصة الغربية الصنع، تم الاستيلاء عليها فى العملية العسكرية ضد أوكرانيا. وكان شويجو كشف عن أن القوات المسلحة الروسية استولت على كميات كبيرة من الأسلحة الأوكرانية. ومنها « دبابات ومدرعات ومختلف اشكال الأسلحة الصغيرة، وأسلحة المدفعية. بالإضافة إلى العديد من صواريخ جافلين وستينجر».
ولأول مرة فى تاريخ علاقات روسيا بالعالم الخارجي، أعلن الرئيس بوتين فى معرض اجتماع مجلس الأمن القومى الروسى استجابته لفكرة “استمالة متطوعين من الخارج لتقديم المساعدة العسكرية إلى دونباس”، فضلا عن تكليف وزير دفاعه سيرجى شويجو بإعداد تقرير حول تعزيز الحدود الغربية لروسيا، وهى الحدود التى تجرى على مقربة مباشرة منها فى النرويج مناورات الناتو التى أعلنت بروكسل عن بدئها خلال الأيام القليلة الماضية. ورغم ما تتسم به مثل هذه الخطوات من جنوح نحو التصعيد من الجانبين، فان هناك ما يشير إلى محاولة غير مباشرة تستهدف إعادة النظر فيما اتخذه الناتو من قرارات، حول إمكانية ضم كل من أوكرانيا وجورجيا. وفى مقابلة مع قناة TF1 الفرنسية قال جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى “أنا على استعداد للاعتراف بأننا ارتكبنا عددا من الأخطاء وأننا حرمنا روسيا فرصة التقرب من الغرب.. هناك لحظات يمكن أن يكون فيها أداؤنا أفضل وهناك أشياء اقترحناها ومن ثم لم نتمكن من تنفيذها، مثل الوعد بأن تصبح أوكرانيا وجورجيا جزءا من الناتو”، مضيفا: “أعتقد أنه من الخطأ تقديم وعود لا يمكنك الوفاء بها”. ورغم ما قاله بويل حول احتمالات تغيير الموقف من علاقات بلدان الناتو مع روسيا، وإن أشار إلى أنها “ستكون مختلفة جذريا”، بعد العملية العسكرية فى أوكرانيا، فقد عاد ليقول ردا على سؤال حول إمكان محاكمة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، باحتمالات وجود مثل هذه الفرضية. وأضاف ما نصه: “مما نراه، أعتقد أن لدينا أسبابا كثيرة للقيام بذلك”. وحول ماهية هذه العلاقات سواء الراهنة منها، أو المستقبلية، قال المسئول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى “إن الاتحاد الأوروبى وصل إلى الحد الأقصى فى العقوبات المالية ضد روسيا”. وأضاف أن “الاتحاد الأوروبى يعبر عن استيائه من روسيا من خلال فرض عقوبات على القطاع المالى وتجميد الأصول والاحتياطات”، إلى جانب تأكيده أن الاتحاد الأوروبى لا يفكر حاليا فى فرض حظر على مصادر الطاقة الروسية، معترفا فى الوقت نفسه بأن هذه المصادر تظل بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبى “موردا كبيرا للطاقة”، على حد تعبيره. غير أنه سرعان ما عاد عن مثل هذا التقدير ليؤكد “أننا نتخذ تدابير ونبحث عن أشخاص آخرين يمكنهم تزويدنا بالغاز عن طريق شحنات الغاز الطبيعى المسال”.
وفى محاولة للإجابة عن السؤال المهم «ألا من نهاية للحرب فى أوكرانيا؟»، عقدت صحيفة “موسكوفسكى كومسوموليتس” الروسية مائدة مستديرة عكف المشاركون فيها على تدارس وبحث المسائل المتعلقة بالأوضاع فى أوكرانيا ومدى الاستمرار فى المواجهة العسكرية هناك. وأشارت الصحيفة إلى ما قاله الجنرال سيرجى ليبوفوى رئيس هيئة منظمة “ضباط روسيا”، حول أن هذه العملية العسكرية الخاصة تختلف بعدد من الأوجه المهمة عن النزاعات العسكرية المعروفة. وتفسيرا لما أشار إليه حول تحقيق الأهداف الموضوعة بنجاح، رغم ما تعترف به مصادر أخرى ببطء وتيرتها فى مواقع أخرى، قال ليبوفوي: “لو حُددت المواعيد النهائية بثلاثة أو أربعة أيام، لكانت قواتنا قد فعلت ذلك. لكن جيشنا انتقائى للغاية. يقوم بإطلاق النار فقط على جيوب المقاومة لكتائب القوميين. أما إذا تقدمنا بسرعة أكبر، فسيكون هناك ضحايا أكثر بين السكان المدنيين ورجالنا”. ومن جانبه قال المقدم أندريه ماروتشكو ممثل الشرطة الشعبية فى جمهورية لوجانسك «إن كييف كانت تعد منذ فترة طويلة «سيناريو كرواتيا» ضد جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك، أى تطهيرهما من السكان الذين يختلفون مع نظام كييف”. أما الخبير العسكرى فاسيلى دانديكين فقال “ان العملية العسكرية سوف تستمر لعدة أسابيع أخرى، وذلك نظرا إلى العدد الكبير من مجموعات القوات المسلحة الأوكرانية وكتائب القوميين فى منطقة دونيتسك وماريوبول”. وذلك ما أعرب الخبير العسكرى فيكتور ليتوفكين عن اتفاقه معه، مؤكدا ذلك بقوله “ان ما تكبده الجيش الروسى من خسائر يرجع إلى حد كبير، إلى حقيقة أن جنودنا تجنبوا المدنيين، وإلى عدم قيامهم بقصف مكثف، كما فعلت الولايات المتحدة فى العراق أو سوريا”.
رابط دائم: