يقف وراء وصف هذه الدورة من معرض «آرت دبى» للفن والثقافة، بأنها الأكبر والأضخم فى تاريخ المعرض على مدار ١٥ عاما، عدة أسباب وعوامل. ولعل أهم هذه الأسباب، مشاركة ٣٠ عارضا جديدا لأول مرة. يلى ذلك، إنشاء قسم تقنى مبتكر ليكون بمثابة جسر التواصل بين التشفير الرقمى وعالم الفن. فضلا عن العمل الجاد على تقوية المكانة الفنية عالميا لدولة الإمارات العربية المتحدة.
قالوا قديما: «اللى شاف غير اللى سمع»، وهذا المثل ينطبق على ما يمكن مشاهدته هنا فى معرض «آرت دبى» لأنه مهما قيل عن التركيبة الرقمية الكبيرة التى غزت أغلب أقسام المعرض دون أن يرى المرء بعينيه، ستكون حتما الصورة غير مكتملة أو بالأحرى غير قابلة للتصديق.
تداخل التكنولوجيا والفن
ما أن تدخل من بوابة المعرض المقام حاليا بدولة الإمارات العربية المتحدة، حتى يخطف نظرك تداخل التكنولوجيا مع الفن، لتجد نفسك تسير مشدوها من كثرة جمال وروعة ما تراه عينيك. فهنا صور متحركة تحكى قصصا إنسانية. وهناك تصميم بديع لاسم من أسماء الله الحسنى مكتوبا بالخط العربى بأسلوب المعادلات الهندسية. ومنحوتات بأيدى مبدعين تعبر عن ثقافة كل بلد مشارك فى المعرض، فتقف مبهورا أمام عبقرية فنها.
سرنا من صالة إلى أخرى، تجذبنا التصميمات ما بين القديم»التراثى» والحديث «التقنى» فنغوص فى أعماق لوحة تحكى قصص الأجداد، وننتبه على صوت مرافقنا فى الجولة يطالبنا بالتحرك، لنجد أنفسنا نسرع الخطى ولا نقف كثيرا أمام لوحة بعينها حتى نتمكن من زيارة أكبر قدر فى نحو 100 صالة عرض، تمثل 44 دولة، من بينهم 30 عارضا جديدا لأول مرة، مما يجعل هذه الدورة من المعرض هى الأكبر منذ انطلاقه عام ٢٠٠٧.
وفى أثناء جولتنا بالمعرض، كانت لنا جلسات صحفية مع المنظمين والعارضين للتعرف أكثر على الجوانب الفنية بشكل موسع، وتقابلنا مع هالة خياط المدير الإقليمى لـ«آرت دبى» لتوضح أن «دورة هذا العام هى الأكبر من حيث عدد المشاركين، والأضخم من حيث المساحة، وهذا يعود للعمل الجاد من جميع المسئولين عن المعرض الذين تحدوا العديد من الظروف المحيطة إقليميا ودوليا، ورغم ما فعلته جائحة كورونا بالعالم أجمع من توقف الأنشطة الاقتصادية والفنية، وتحذيرات البعض لنا بأن الفنانين الغربيين لن يستطيعوا المشاركة هذا العام والمبيعات ستنخفض، إلا أن المعرض يواصل انعقاده، وأتى الفنانون الغربيون، وحضر العرب بكثرة وتضاعفت المبيعات».
وعن نظرة وتقييم العالم للمعرض، ألمحت هالة خياط بأن العالم النخبوى أصبح يرى «آرت دبى» كمنصة عالمية وليس كمعرض محلى، ومنافس قوى لمعارض دولية، ومظلة لكل العارضين العرب والأفارقة والآسيويين.
وردا على سؤال حول تأثير الصراعات التى يشهدها العالم على الحالة الفنية أجابت:
«بالطبع الفنان يتأثر بما يحيط به، بما ينعكس على فنه، لأن الفن انعكاس لما يدور حولنا، فإذا عاصر الفنان حربا نرى لوحاته حزينة وإذا شاهد انتصارات نشاهد لوحات متفائلة ومنطلقة».
بعد انتهاء المقابلة مع المدير الإقليمى، دخلنا قسم «آرت دبى المعاصر» وهو يضم 77 صالة عرض من 33 دولة، ويستقبل 15 عارضاً مشاركاً لأول مرة، وتنوعت فيه المشاهد الفنية المبتكرة.
السجينى ..سفير مصر
زرنا الجناح المصرى المشارك « قاعة الزمالك للفن» للفنان جمال السجينى، وهو فنان مصرى متعدد المواهب، وفى مدخله تمثال عملاق لـ«أم كلثوم» منحوت من البرونز، ويعتبر من روائع أعماله. كما يحتوى الجناح على لوحات من التصوير الفنية استخدم فيها السجينى عروسة المولد كوحدة للتعبير عن الحالة المصرية، ويضم المعرض ٤ تماثيل من البرونز و٧ لوحات للتصوير الزيتى.
وأوضحت نهى دياب، مسئولة المعرض، أن هذه أول مشاركة فى «آرت دبى» وهى تجربة تمثل مصر وأهم فنانيها من الحركة التشكيلية المعاصرة، مضيفة أن مشاركة الفن المصرى فى «آرت دبى» تزيد من فاعلية المعرض لما له من تاريخ كبير فى هذا المجال، وهو ما انعكس بالفعل من إعجاب زوار الجناح واهتمامهم.
وبالقرب من الجناح المصرى، يوجد جناح «أثر» السعودى، وقال مؤسسه حمزة صيرفى: «منذ ١٣ عاما مضت وحتى الآن أرعى الفنانين فى السعودية، وكنا من أول المشاركين فى آرت دبى، وساعدنا الكثير من فنانى المنطقة للوصول إلى المعارض العالمية.» ويضيف: «معرض هذا العام له تأثير كبير، وحدثت نقلة كبيرة فى نوعية الأعمال المشاركة وتأثيرها فى عالم الفن، ونقدم فى معرضنا مجموعة كبيرة من اللوحات تحكى عن البيئة السعودية وثقافتنا وعاداتنا، وهى من تصميم فنانين لهم تاريخ واستمرارية فى أداء رسالة الفن المعاصر والحفاظ على هويتنا العربية.»
ما بين «الديجيتال» و«روابط»
وللتعرف على جديد المعرض هذا العام، دخلنا «آرت دبى ديجيتال»، واستقبلنا بابلو ديل، المدير الفنى، ليشرح قائلا: «هذا القسم يقدم نظرة عامة بزاوية 360 درجة على مشهد الفن الرقمى فى الوقت الحالى. ويقدم 17 عرضًا تقديمياً تمثل قاعدة جغرافية واسعة. ويتضمن كلاً من المعارض التقليدية والمنصات والمجموعات المحلية الرقمية، ويجمع العمل الفنى «ساند فلو» بين رؤية دبى فى الماضى والحاضر والمستقبل ويعبر عن التعددية الثقافية والمجتمعية التى تحتضنها المدينة». ويضيف: «ومن بين الأعمال الأخرى عمل فنى بعنوان «استمطار السحب» للفنان الفلبينى الأمريكى جيمس كلار».
كما زرنا معرض «روابط تأملية» الذى يقدم مجموعة مختارة من الأعمال التى ترسم على «القماش» لفنانين مقيمين فى الإمارات.
وأوضحت مريم الدباغ أن المعرض يقدم أعمالا فنية متعددة منها الرسم، والتخطيط، والنقش، والتطريز، وهى أعمال يستلهمها الفنانون من الخبرات الحياتية والاجتماعية، تسلط الضوء على الرغبة فى العودة إلى التاريخ والتراث الوطنى.
ولم يغفل المعرض حق الطفولة فى المعرفة الفنية، وعقد ورش عمل للأطفال واليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، تركز على موضوعات الاستدامة، لتشجيعهم على إعادة النظر فى كيفية رؤيتهم للأشياء اليومية والنظرة الأوسع لمحيطهم، والتركيز على الجيل المقبل من الفنانين. وذلك من خلال تدشين برنامج «بلوك تشين» لتطوير مهارات 12 فنانًا إماراتيًا، ويعقد البرنامج لمدة ثمانية أسابيع، بقيادة مجموعة من الخبراء المحليين والعالميين الرائدين فى قطاع فن البلوك تشين.
هنا فى «آرت دبى» وجوه جميع العارضين والجمهور فرحة بانتهاء العزلة الفنية التى فرضت على الدول العربية والغربية طول السنوات الثلاث الماضية بسبب جائحة كورونا، ويرون أن انعقاد المعرض هو بداية لعقد معارض فنية أخرى فى مختلف دول العالم.
رابط دائم: