للشهيد منزلة كبيرة عند الله، فهو مكرّم فى الآخرة، وينال الفردوس الأعلى فى الجنة، كما لا يُعذب عند موته بسكرات الموت، فمَقَامَ الشَّهَادَةِ مِنْ أرفع مَقَامَاتِ الِاصْطِفَاءِ وَالِاجْتِبَاءِ الَّتِى يَمْتَنُّ الله، عَزَّ وَجَلَّ، بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، بل الشهيد فى رفقة النبيين، وفق ما يؤكده علماء الدين، الذين يشيرون - بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد - إلى المنزلة العظيمة عند الله للشهداء الذين بذلوا أرواحهم فى سبيله، بالدفاع عن عقيدتهم ووطنهم، فهم «أحياء عند ربهم يُرزقون»، بأعلى درجات الجنة.
فى البداية، يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: جُبل الإنسان على حب وطنه، فمن وُلد فى بلد ونشأ وترعرع فى كنفه من الطبيعى أن يحبه ويواليه وينتمى إليه، ويوضح أن من واجبات المسلم الحق أن يكون وفيا محبا لوطنه، يفديه بروحه، ويضحى من أجله، بكل غال ونفيس، مشيرا إلى أنه لحب الوطن صور عدة، منها الدفاع عنه، والالتزام بالسلوكيات والأخلاق الحميدة، والحفاظ على النظام والنظافة والعدل والالتزام بالقوانين وتطبيقها، وغير ذلك مما يسمو بالمجتمع، كما يجب على كل فرد نبذ الخلافات، وتجنب الفرقة والفتن، والحرص على تعاضد وتماسك أفراد المجتمع.
صور الشهادة
ويضيف أن الله، سبحانه، يبتلى عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير؛ لاختبار حسن عملهم وصلاحهم فى الحالين، لذا يقول سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، ومن أنواع هذا الابتلاءِ، الإحياءُ والإماتةُ، إذ يقول الحق سبحانه: «الذى خلَق الموتَ والحياةَ ليَبلُوَكم أيُّكم أحسنُ عملا وهو العزيزُ الغفور».
ويتابع أن الله تعالى رتب الموت على أسبابه المتعددة، ومنها ما يتعلق باعتلال البدن، كالمرض والشيخوخة والهرم، وما ليس له تعلُّقٌ بها بل مَرَدُّه إلى أمور خارجية، كالقتل أو الغرق أو الحرق أو الهدم أو نحو ذلك، كما اعتبر الشارع بعض من مات بسبب اعتلال بدنه شهيدًا، كما اعتبر بعض من مات بسبب خارجيّ شهيدًا كذلك.فقد عَدّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من النوع الأول من الشهداءِ: المبطونَ والمطعونَ وصاحبَ ذاتِ الجَنْبِ، وعَدّ من النوع الثانى المقتولَ فى سبيل الله، والمقتولَ دفاعًا عن نفسه أو أهله أو ماله أو دينه، والغريقَ، وصاحبَ الحريق، والذى يموت تحت الهدم، والمرأةَ تموت عند توليدها. فقد رُوى عن جابر بن عَتيك، رضى الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «الشهادة سبع سوى القتل فى سبيل الله: المقتول فى سبيل الله شهيد، والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذاتِ الجَنْبِ شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذى يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْعٍ شهيدة».ورُوى عن أبى هريرة، رضى الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما تَعُدّون الشهداء فيكم؟، قالوا: يا رسول الله من قُتل فى سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمَّتى إذن لقليل، قالوا: فمن يا رسول الله ؟، قال: من قُتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن فهو شهيد، والغريق شهيد». ورُوى عن سعيد بن زيد رضى الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد». والمقصود بالمبطون: من أُصيب بداء فى بطنه كان سببًا فى وفاته، والأشبهُ أنه الاستسقاء، والمطعون: من أُصيب بالطاعون، ومات بسببه، والمراد بصاحبِ ذاتِ الجَنْبِ: من أصابته آلام شديدة فى جنبه بسبب الكُلَى أو غيرها إذا تسبَّبَت فى وفاته، فهؤلاء كلهم شهداء. ويواصل حديثه: من جاهَدَ أو رابَطَ فى سبيل الله تعالى فقُتل فهو شهيد، ومن وقع فى اليم فغَرِقَ فهو شهيد، ومن لم يتمكن من الفرار من حريق شَبَّ فى موضع فاحترق فهو شهيد، ومثلُه الذى يُفاجأ بتداعى البُنيان فوقه، بسبب زلزال أو ضَعْفٍ فى البناء، ولم يُمكنْه الخروجُ حتى مات فهو شهيد، والمرأة تفارق الحياة عند ولادتها بسبب النَّزْف أو الخطأ الطبيِّ أو نحوهما فهى شهيدة، ومن يُقتل عند مدافعة من يعتدى على نفسه أو أهله أو ماله أو دينه فهو شهيد.
الشهيد لا يُعذب
وتؤكد الدكتورة أسماء عبد الحكيم راتب، المدرس، بكلية البنات الإسلامية بأسيوط، أن الله قد خص الشهداء بمنازل لا يبلغها غيرهم، حتى عدّ الله من مات فى سبيله من الأحياء، وذلك فى قوله تعالي: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ــ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ــ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ».
وتضيف: فى الآيات أعظم البشارات لمن مات فى سبيل الله مدفوعا بحب وطنه مخلصا النية فى ذلك فإنه له عند ربه جنات لا تفني، وحياة سرمدية لا تنقطع طيباتها، مشيرة إلى أن الشهيد لا يُعذب عند موته بسكرات الموت، فقد روى أبو هريرة، رضى الله عنه، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما يجد الشهيد من مسّ القتل إلا كما يجد أحدكم من مسّ القرصة» وفى ذلك بشارة أن من مات فى سبيل الدفاع عن وطنه يهون الله عليه سكرات الموت، حتى قال بعض العلماء إن خروج روح الشهيد كقرصة النمل.
مناقب عدة
و يوضح الشيخ أحمد تميم المراغي، من علماء الأزهر، أنه يكفى الشهداء منزلة، أن الله تعالى جعلهم فى معيته أحياء عنده يرزقون، وما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب لكنه سبحانه وتعالى كلم الصحابى الجليل عبدالله والد جابر، رضى الله تعالى عنه، علما بأن الشهيد هُوَ الَّذِى استشهد بَاذِلًا دَمَهُ وَنَفْسَهُ مِنْ أَجْلِ اللهِ، إذ يُعَوِّضُهُ اللهُ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِى الْبَرْزَخِ - أَيْ قَبْلَ الْقِيَامَةِ، وَفِى الْجَنَّةِ بَعْدَ الْقِيَامَةِ.
كما أَنَّ اللهَ بَشَّرَ الشهداء بِالْجَنَّةِ، فقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
رابط دائم: