رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السيطرة على عقل المراهق العربى عن طريق الدراما

محمد حبوشة

نعلم جيدا أن التحكم بالعقل البشرى فكرة احتلت مركز الصدارة من اهتمام السياسيين والعلماء؛ بل والعامة أيضا؛ بالأخص فى فترة الخمسينيات من القرن الماضى، وانعكس ذلك فى دراسات وكتب واختبارات لحالات قيل إنه قد جرى التحكم بعقول أهلها والتلاعب بهم، وامتد هذا الأثر - حتى الآن - حاملا معه دلالات ومفاهيم كثيرة، وفى الوقت ذاته لا يختلف اثنان فى أن العولمة قد حولت هدف العلم من السيطرة على الطبيعة إلى السيطرة على الإنسان، فلم تكن هناك قضايا تعاطى مخدرات أو شم الغراء كما هو الآن، كذلك لم تكن هناك القضايا الأخلاقية بشتى أنواعها كما هو منتشر الآن، وقس على ذلك قضايا التزوير والقيادة والدهس والسرقة والتلذذ بالقتل، وغيرها من الظواهر التى أصبحت منتشرة بين الأبناء فى هذه الأيام.

.............



وظنى أن المعروض من دراما المنصات الرقمية هو أهم أسباب انفجار تلك القضايا الأخلاقية وانتشارها على نطاق واسع، وذلك لأن هذه المنصات بها سم قاتل اسمه «منطق صناعى جديد للدراما»، فبعد أن طغت الموضوعات الاجتماعية والكوميدية على الدراما العربية لسنوات طويلة، بدأت تظهر اليوم قصص خيال علمى وأعمال بوليسية وكوميدية ذات محتوى فنى يبدو فى ظاهره أفضل من ذى قبل، لكن باطنه يحمل أفكارا مسمومة تتعلق بتمرير الشذوذ الجنسى على أنه «مثلية»، وغيرها من أعمال جنون العنف والقتل والتعذيب التى أصبحت تداعب خيال المراهقين العرب، وتبدو المشكلة الأكبر التى بدأت تظهر حاليا فى «تجرؤ» بعض صناع الدراما العرب واتجاههم لتقديم أعمال من تلك النوعيات التى تصنف على أنها عن مرحلة المراهقة.

ومازاد المشكلة تعقيدا هو ذلك الهجوم الشرس الذى قوبلت به غالبية هذه الأعمال حتى قبل أن تعرض، سواء من وسائل إعلام أو شخصيات عامة، متهمة إياها بالإساءة إلى المجتمع، وتقديم صورة غير واقعية عنه من خلال التركيز على عيوب وممارسات بعض المراهقين، وهو ما يدفع بالضرورة أولئك المراهقين إلى العند والإصرار على التفاعل بالمشاهدة لتلك الأعمال التى حتما تسلب عقولهم وخيالهم الطامح نحو عوالم مغايرة، ويبدو من الصعب القبول بأن تتحول هذه الاتهامات إلى «سكين» مسلط على رقبة كل من يحاول أن يناقش قضية ترتبط بهذا العمر الخطير.

وفى ظل ابتعاد الأعمال الدرامية العربية عن المراهقين وعالمهم، يصبح البديل الوحيد أمام المراهق هو الأعمال الدرامية الأجنبية، التى تشهد اقبالا كبيرا من المراهقين العرب، وتحول أبطال هذه الأعمال إلى نجوم تملأ صورهم غرف أبنائنا، وتزين حقائبهم وأدواتهم المدرسية وملابسهم، والأمر لا يقتصر على هذه الأشياء فقط، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى السلوكيات التى تتضمنها هذه الأعمال والتى قد تتعارض بشكل كبير مع العادات العربية، وفى الوقت نفسه تجذب المراهق الذى يسعى إلى التمرد والتحرر من سلطة الكبار، خصوصا الأسرة، وأن يخوض تجارب مختلفة دون حساب ما يمكن أن تنتج عنها من خسائر أو مكاسب، وهنا نأتى إلى مسألة التحكم فى العقول عن طريق الخيال الدرامى الغربى الذى يهيئ للمراهقين العرب عالما جديدا يعتمد على بهاء الصورة ودهشة الفكرة الخارجة عن الصندوق.

ولنأخد أمثلة عملية على تأثير بعض تلك الأعمال الأجنبية التى استقطبت أعدادا هائلة من المراهقين العرب خلال الفترة الأخيرة، ومنها مسلسل «ذا كراون The Crown» والذى يستعرض الصراعات السياسية والحياة العاطفية فى عهد الملكة إليزابيث الثانية والأحداث التى شكلت النصف الثانى للقرن العشرين، طغى على أحداث المسلسل الجانب الدرامى، الإنسانى والعائلى من حياة الملكة إليزابيث الثانية، فلقد تم تسليط الضوء على كيفية توازنها بين كونها ملكة لمملكة بريطانيا، وزوجة وأم، لكنه تضمن فى الوقت ذاته مشاهد جنسية تعكس تفسخ تلك العائلة المالكة التى تحاول إثبات توازنها بما يوحى للمراهقين العرب أن الجنس نزعة متأصلة فى النفس البشرية.

تمكن المسلسل الإسبانى «البروفيسور La Casa De Papel»، والذى يعرف أيضا باسم «بيت من ورق»، والذى تدور أحداثه حول رجل غامض يلقب بالبروفيسور يقوم بالإعداد لأكبر عملية سرقة أنجزت على الإطلاق، ولكى ينفذ ذلك يقوم بتجنيد 8 أشخاص ليس لديهم ما يخسرونه، يضع البروفيسور مجموعة من القواعد التى عليهم إتباعها وحتى تنجح العملية، يجب على السارقين البقاء هناك 11 يوماً والتعامل مع 67 رهينة ونخبة من قوات الشرطة الإسبانية، وهنا يغرس المسلسل فى نفوس وعقول المراهقين العرب قيما جديدة حول السرقة بطريقة احترافية تعتمد على الذكاء.

مسلسل «النخبة Elite»، هو عمل إسبانى أيضا تمكن من تحقيق نجاحات كبيرة على منصة «نتفلكس»، تدور أحداثه حول مراهقى ثانوية، يتم منح 3 منهم منحا دراسية وذلك بعد انهيار مدرستهم، ليذهبوا إلى مدرسة خاصة بالأغنياء، ومن هنا تبدأ المشاكل الإجتماعية والعاطفية تتبلور أكثر فأكثر، ولكن أحداث المسلسل لا تقف فقط عند عرض الحياة اليومية لهؤلاء الطلاب وكيف يتعاملون مع الوضع الجديد والسخرية التى يتعرضون لها وإنما يتطرق أيضا إلى مشاكلهم العاطفية والجنسية بجرأة.

وبعد استعراض الأمثلة الثلاثة، فإن هذا يؤكد لنا أن العقل الغربى فهم رغبات أبنائنا ومن ثم داعب خيالهم فى ظل غيبة الإنتاج العربى الناضج لأعمال تستوعب طاقة الشباب فى سن المراهقة، وأصبح يساهم بقوة فى تشكيل العقل العربى للمراهقين، بل أصبح مسيطرا على وجدانهم وهذا هو أخطر مافى الأمر برمته فالسيطرة على العقول ربما تكون لفترة ويعى المراهق الآثار السلبية لذلك ويتجنبها بعقله الواعى، أما السيطرة على الوجدان فهذا يعنى الترسيخ فى النفوس الذى يعدل النقش على الحجر فلا تمحى آثاره بسهولة وتصبح الكارثة محققة فى الشارع العربى.. إذا فلننتبه قبل فوات الأوان.!!!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق