كشف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين صراحة عن الأهداف التى يسعى إلى تحقيقها فى أوكرانيا، تلك التى يمكن تلخيصها فى أن تصبح الجارة الغربية دولة «محايدة، منزوعة السلاح، ولايحكمها النازيون الجدد» على حد تعبيره. فقد شدد بوتين فى خطابه الذى تزامن مع بداية العملية العسكرية بأوكرانيا على أن روسيا لا تهدف لاحتلال أوكرانيا، وإنما ستسعى جاهدة لنزع سلاحها، مشيرا إلى أن دولا بـ «الناتو» تقدم الدعم لـ «القوميين المتطرفين» و «النازيين الجدد» فى أوكرانيا- كما وصفهم- وأنهم «يحاولون الدخول إلى شبه جزيرة القرم، وكذلك دونباس، لقتل المواطنين العزل. كما قامت عصابات القوميين الأوكرانيين - شركاء هتلر خلال الحرب الوطنية العظمى، بقتل الأبرياء العزل».
وإذا كان مفهوم نزع سلاح أوكرانيا وجعلها دولة حيادية يبدو واضحا فى خطاب بوتين، فإن المستغرب فى حديثه كان هو القصد من وراء ذكر «القوميين المتطرفين» و»النازيين الجدد» الذين يدعمهم «الناتو»، خاصة مع العلم أن النظام فى كييف يحكمه الرئيس فولوديمير زيلينسكى، الذى رد بدوره على بوتين متعجبا بقوله: «أنا يهودى، فكيف يمكن أن أكون نازيا؟!». وهنا، فإن هناك من يرى أنها مجرد «دعاية كاذبة»، حيث اعتادت روسيا على تشويه أوكرانيا منذ أحداث «الميدان الأوروبى» فى كييف 2014. لكن هناك أيضا من يشير إلى قضايا انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، التى ارتكبتها تنظيمات القوميين الأوكرانيين «النازيون الجدد» مثل (آزوف وتورنادو، وإيدار)، فى حق الموالين لموسكو منذ 2014، والتى وثقتها الخارجية الروسية. وفى2015، علقت موسكوعلى تبنى الكونجرس الأمريكى قرارا بحظر تمويل وتدريب كتيبة «آزوف»، بالإشارة إلى أنه من المنطقى بعد تلك الخطوة أن تعترف أمريكا بأن الأحداث فى 2014 والتى أيدتها بقوة تمت على يد هؤلاء من النازيين الجدد. لكن يبقى السؤال هنا، هل كان هذا هو مقصد بوتين الحقيقى، ذلك مع العلم أيضا أن بعض تلك الكتائب تم حلها، فيما بقى تأثيرها محدودا فى أوكرانيا؟. ربما يكمن الجواب فى التاريخ، الذى ذكر به بوتين «حلفاء الأمس» فى الغرب، حيث وقوفهم معا فى مواجهة «ألمانيا النازية» بقيادة أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، أو «الحرب الوطنية العظمى» كما أطلق عليها فى الاتحاد السوفيتى (سابقا).

بوتين
ووفقا لتقديرات الحكومة الروسية، فقد تكبد الاتحاد السوفييتى خلال الحرب العالمية الثانية خسارة أكثر من 25مليون عسكرى ومدنى، وهى الخسارة التى لم يقدرها الغرب فى تقدير بوتين، حيث تحول الاتحاد السوفييتى إلى عدو يجب إسقاطه كما سقطت «النازية»، من ثم بسط «الناتو» بقيادة أمريكا سيطرته على أراضيه. وهو الأمر نفسه الذى تحدث عنه بوتين يونيو الماضى فى ذكرى الهجوم النازى، حيث كتب مقالا بصحيفة «دى تسايت» الألمانية أنه لابد من الفخر بـ «شجاعة وبسالة أبطال الجيش الأحمر، والذين أنقذوا أوروبا والعالم من الاستعباد»، مشيرا إلى ما قطعته روسيا ودول الاتحاد الأوروبى من خطوات لتطوير العلاقات، خاصة فى أعقاب الحرب الباردة، ذلك قبل شروع «الناتو» فى التمدد شرقا، فى تجاهل للوعود الكلامية حول «أن الحلف غير موجه ضدكم»، وأن «حدود الحلف لن تقترب منكم». وذكر بوتين أنه: منذ عام 1999هناك خمس «موجات» لتوسع الناتو. ودخلت ضمن هذه المنظمة 14 دولة جديدة، من ضمنها جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق، والأدهى أن العديد من الدول وضعت أمام خيار مصطنع: إما أن تكون مع الغرب أو مع روسيا. وأكد بوتين أن الأزمة الأوكرانية فى 2014، هى بمثابة تجسيد عملى لسياسة «الناتو» العدوانية تجاه روسيا، حيث دعمت أمريكا وأوروبا الأحداث المسلحة المخالفة للدستور فى كييف. وهكذا، فإنه يمكن الاستنتاج من حديث بوتين، كيف يرى أن «الناتو» بقيادة أمريكا، وكأنه قد حل محل «ألمانيا النازية» فى عهد هتلر، بعدما أطلق «ماكينته الحربية» فى اتجاه موسكو، بل ودعم النظام الجديد فى كييف، الذى تعرض على يديه مواطنو القرم والموالون لروسيا لـ»سوء المعاملة والإبادة الجماعية» على مدى 8سنوات، الأمر الذى تطلب ضرورة التدخل لحمايتهم. إنه إذن التاريخ الذى لا يريد له الرئيس الروسى أن يعيد نفسه، من ثم اتخاذه قرار الهجوم لا الدفاع، لتحقيق الحلم فيما يمكن وصفه بـ«أوكرانيا الجديدة»، تلك التى حدد ملامحها بدقة فى خطاب إطلاقه العملية العسكرية لحماية دونباس، وهى: دولة محايدة منزوعة السلاح.. غير خاضعة لحكم ممثلى «النازيين الجدد». فهل ينجح بوتين فى تحقيق ما أراد؟
رابط دائم: