رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رسم مصر..
معالم القاهـرة بألوان شبابها

دعاء جلال
«قصر شامبليون» بريشة محمود عاشور

توثيق معالم مصر، توثيقا بالرسم والتصوير وحتى إعداد مقاطع فيديو قصيرة، كلها سبل لتخليد معالم، بعضها قد أوهنته توالى الأزمنة، وبعضها غاب عن ذاكرة الأجيال التى تعرفه، أو لم يبلغ ذاكرة ووعى الأجيال الشابة من الأساس. مشروع «رسوم مصر» الذى شارك ضمن الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب ضمن الحوارات التى دارت حول هوية مصر، أصولها وسبل توثيقها والحفاظ عليها.

المشروع الفنى التوثيقى يزيد بهاء معالم مصر بهاءً بتحويلها إلى لوحة فنية تستقر فى الوجدان وتذكر بمكان قد يتلاشى من الذاكرة رويداً رويداً، فتصبح الخطوط الفنية خير مرجع وخير ذاكرة للتاريخ والحضارة وللأجيال القادمة.


أن ترسم مصر.. بداية الفكرة

«بيت السحيمى» بريشة آية مصطفى

دمج الكلمات بالرسم والصورة المتحركة «الفيديو» لتوثيق الأشخاص والمعالم التاريخية، هو هدف مشروع «رسم مصر» ويحكى مؤسس المشروع، الدكتور محمد حمدى حامد أستاذ الرسم والتصوير بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان للأهرام عن بدايات الفكرة، فيقول: «كنت أقوم بكتابة موضوعات تاريخية مبسطة ممزوجة بالفنون والثقافة وشيء من الفكاهة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وتحديدا «فيسبوك» وفوجئت بحدوث تجاوب كبير من قبل المتابعين، ومن هنا كان تحويل الفكرة وتطويرها لصالح توثيق فنى مختلف وفريد للمواقع والشوارع المصرية العريقة».
كان ذلك قبل ثلاثة أعوام تقريبا، عندما حققت الفكرة تفاعلا كبيرا من جانب طلاب كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، وكانت البداية بحوالى 15 طالبا. وبمرور الوقت ونجاح التجربة، بدأ العدد يزداد ويبلغ عدة مئات قابلة للزيادة مجددا، خاصة مع انضمام أشخاص من جميع الأعمار والفئات من خارج نطاق الكلية.
وعن سبب اختيار اسم «رسم مصر» للمبادرة الفنية التوثيقية، يوضح محمد حمدى، أن ذلك لسببين: الأول اقتباساً من عنوان كتاب «وصف مصر» وإن كانت المبادرة لا تقوم على الوصف بالكلمات، وإنما بالرسم والتصوير بالألوان فى الأساس، وهناك أيضا مجموعات تقوم بالتصوير الفوتوغرافى، وإعداد أفلام وثائقية قصيرة. أما السبب الثانى، فمستلهم من عادة راجت فى عصر المماليك، بإضافة ختم «شغل مصر» على أى منتج مصرى. ومن «وصف مصر»، و«شغل مصر»، جاء مسمى «رسم مصر». وتم اعتماده كشعار للمبادرة بنقشه بالخط الكوفي  داخل ختم سلاطين الدولة المملوكية.
أما عن مسار المبادرة، فكانت بارتياد شوارع مصر لتوثيق معالمها الفريدة التاريخى منها مثل مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعى، ومروراً بالشوارع العريقة التى لعبت دورا فى صياغة تاريخ هذا البلد، مثل «حى الجمالية» و«الحبانية» و«باب الوزير» ووصولاً إلى معالم تعد مجهولة رغم أهميتها مثل «الخانقاه النظامية» بمنطقة الحطابة، وكذلك المعالم التى فى طريقها للاندثار أو التهدم مثل منطقة «عرب اليسار» الواقعة بمحيط قلعة صلاح الدين الأيوبى، وتميزت بنسق معمارى مميز. وكان رسم وتصوير فنانى المبادرة لها بمثابة توثيق يحفظها بعد تهدم أغلب معالمها.



ويرى حمدى أن ذلك كله يسهم فى تحقيق هدف ثان من أهداف المبادرة وهو ربط الشباب بتاريخ بلدهم وتنمية معرفتهم حولها بصورة مختلفة، موضحا: «نحن حريصون على أن نهرب بالتاريخ من سجنه النظرى البحت، إلى المرونة فى توصيل المعلومات التاريخية بصورة مبسطة ومبهجة، فنتيح للمتابع معرفة الفرق بين المدرسة والجامع والسبيل والكُتاب والخانقاه».
وعن الخطوات المتبعة قبل البدء فى التوثيق الفنى للمعالم والشوارع، يوضح حمدى، أن البداية تكون بعمل جولة أولية بصحبة المخرج والمونتير المسئول عن إعداد المادة المصورة، وهو المهندس نادر الشيخ، لتحديد مكان وزوايا التصوير. وذلك بالتوازى مع عملية التزود بالمعلومات اللازمة حول المعلم أو الشارع من خلال القراءة فى مراجع بعينها مثل «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» لإبن إياس وغيرهما من مؤلفات للمقريزى والجبرتى. والبحث يستهدف ليس فقط علاقة الملك أو السلاطين بالموقع، وإنما تأثيره وتأثره بالمصريين العاديين. وذلك كله قبل الإعلان عن موعد الجولة التى تكون عبارة عن محاضرة وجلسة للرسم أيضا.
وعن طريقة شرح تاريخ وأهمية الموقع، يضرب الدكتور محمد  حمدى مثالاً فيقول: «نجتمع مثلا عند ميدان القلعة، ونستمع لأوبريت الليلة الكبيرة، وعند عبارة  (دنا الأسطى عمارة من درب شكمبة .. صيتى من القلعة لسويقة اللالا)، فأبدأ فى شرح موقع حارة (سويقة اللالا) وبأنها متواجدة بجوار (درب شكمبة) فى منطقة السيدة زينب، وأن سبب تسميتها يرجع إلى (صفية اللالا) مربية أولاد الأمراء والسلاطين. وتلك المعلومات كلها تعين الرسام الشاب على التخيل والنظر بعين مختلفة. وما يزيد التجربة روعة، هو ذلك التقدير والاستقبال الرائع من أهالى المناطق التى تشملها جولات (رسم مصر)، حتى إنهم أحيانا ما يقدمون كراسى وطاولات للعمل عليها».



وآمارات التقدير لا تنتهى هنا، فيحكى الدكتور محمد حمدى عن تكرار مرات انضمام أطفال المناطق التى تشملها الجولات، وطلبهم أوراقا وألوانا للمشاركة فى رسم معالم محيطهم. وفى إحدى المرات، انضم شاب «مجند شرطة بالأمن المركزى» تصادف وجوده بموقع الرسم، واتضح من مشاركته دقة موهبته الفنية، حيث إنه عاد للمشاركة فى عدة جولات. كما أن من أعذب المشاركات التى تحقق للمبادرة تخطيها حاجز العمر، هى مشاركة شاب ووالدته ضمن فرق فنانى «رسم مصر».  
ومن ضمن الأهداف المستقبلية للمبادرة، أن يغادر فنانوها ولوحاتهم القاهرة، لتمتد جولاتهم إلى المحافظات المصرية، ولحين تحقيق هذا الهدف، يحتفى فنانو «رسم مصر» بمعرضهم الثانى الذى تجرى وقائعه اعتبارا من غد الأحد وحتى العاشر من مارس الجارى بقاعة «الشهيد أحمد بسيونى» فى كلية التربية الفنية بالزمالك، متضمنا مائة لوحة من إبداعات رحلات «رسم مصر» منذ عام 2019.


شهادة الفنانين عن «التاريخ المتوارى»

عاشور مع واحدة من لوحاته وأبناء أحد أحياء القاهرة

إن كان الدكتور محمد حمدى يؤكد تحقيق أهداف مبادرته والبقية بالنسبة له تأتى، فكيف هو وقع التجربة على فنانيها الشباب. فرسوماتهم ليست نابعة من صورة ما أو موقف عابر، وإنما هى تشكلت فى وجدانهم قبل أوراقهم، فسماعهم لحكاية وتاريخ المكان المراد توثيقه، حتماً كان له أكبر الأثر فى كيفية تصويرهم هذا المكان بأدق تفاصيله على الورق.
«مصر مليانة تاريخ مش متشاف، ومحتاج سنين كتير علشان نقدر نوثقه، وتكون لوحاتنا مرجعا للأجيال القادمة» بهذه العبارة بدأت أمنية محمد، الطالبة بكلية التربية الفنية بالزمالك حديثها إلى الأهرام، موضحة أن انضمامها إلى «رسم مصر» ترتب على شعورها بأنها السبيل لتحويل شغفها بالرسم إلى مهمة هى تعتبرها أقرب إلى المهمة الوطنية، فتوثيق تاريخ بلدها على حد قولها ليس بالشيء الهين.



وتشير أمنية لخطوات رسمها لموقع معين، قائلة: «أبدأ أنا وزملائى فى اختيار الجانب المراد رسمه وتوثيقه بعد سماعنا للشرح التاريخى المميز لمكان ما، ونستهل بعمل اسكتش كروكى سريع، وذلك لتحديد ودراسة بعض التقنيات الفنية فى الرسم مثل المنظور والأبعاد، ومنه ننتقل إلى عمل اللوحة، والتى تكون مليئة بالتفاصيل الدقيقة».
وتنفى أمنية فكرة وجود مكان تاريخى أهم من غيره، فهى أحبت وانبهرت بكل مكان ذهبت إليه، على حد تعبيرها، سواء من حيث قصة بنائه أو تفاصيله المعمارية المميزة، ولكنها بالرغم من ذلك وجدت نفسها مشدودة لبعض الأماكن أكثر من غيرها، مثل «حى الحطابة» بالقلعة، و«بيت السنارى» بالسيدة زينب، و«بيت السحيمى» بشارع المعز، وكذلك «عرب اليسار» بمنطقة السيدة عائشة، وتعتبره من أهم الأماكن التى نقلته بريشتها إلى الورق لتوثيقه، لأنه يتم إزالته حالياً. وتأمل أمنية رسم وتوثيق المزيد مثل «قبة الإمام الشافعى» و«مقابر الأسرة العلوية» و«قصر السكاكينى» بخلاف مواقع خارج القاهرة مثل «حى كوم الدكة» فى الإسكندرية، و«الأديرة» بأسيوط.



ويستلم محمود عاشور، الطالب بكلية التربية الفنية طرف الحديث، فيقول: المحاضرة التى تسبق عملية الرسم، تكشف له البعد الفلسفى والتاريخى للمكان قبل توثيقه، موضحا أن أهم الأماكن التى قام محمود عاشور بتوثيقها، كان عددا من المساجد والسبل وتكايا وحارات ومقاه تاريخية، إلى جانب اهتمامه بتوثيق العادات المصرية العريقة، معترفا بأنه عرف عن القاهرة ما لم يكن يدركه من قبل.


ويرى أن كل شارع فى مصر لابد من توثيقه، فكل مكان وشارع له لونه وثقافته المختلفة والخاصة به.
وتؤكد آية مصطفى، الطالبة بكلية التربية الفنية كلام عاشور، بأن إبداع المعمار يكمن فى تفاصيله الصغيرة، وتاريخه الثرى، وهو ما يحاول فنانو «رسم مصر» دراسته وإبرازه على الورق. وترى آية أن من أهم المواقع التى رسمتها والتى تستحق ألف زيارة ولوحة، شارع باب الوزير وحى الحسينية ومسجد السلطان حسن.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق