كان نيله لقب «أستاذ الجيل» عن استحقاق صادق، فقد كان المفكر والعلامة المصرى الكبير أحمد لطفى السيد (1872- 1963) من أصحاب الثقافة الموسوعية والرؤية الفكرية الواضحة التى طالما قبل بمناقشتها ولكنه لم يحد عن ثوابت اعتنقها عن دراسة وفهم. فرشحه ذلك ليكون أحد أبرز موجهى المشهد الثقافى والسياسى المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين. فلطفى السيد، صاحب المقولة الأشهر: «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، خاض حياته بشخصية ثرية الروافد، فزاد من ثراء زمنه.
ولد فى منتصف يناير عام 1872، بقرية «برقين» فى الدقهلية، لأسرة ميسورة الحال على رأسها والده الذى كان يشغل عمدية القرية. وكان فى ذلك خير سبيل لتلقيه تعليما لائقا حتى تخرج فى كلية الحقوق. عمل بسلك النيابة، وأحب الصحافة والعمل السياسى داعيا إلى تحرير العقل وتحرير بلاده من سطوة الإنجليز، كانت له تجارب فى العمل الصحفى، أبرزها صحيفة «الجريدة» التى صدرت عن «حزب الأمة» الذى أسهم فى تأسيسه بعد مغادرته سلك النيابة. والتزمت «الجريدة» وحزبها بالشعار الشهير «مصر للمصريين».
تولى رئاسة دار الكتب، ثم مديرا لجامعة القاهرة، مشرفا على انضمام أول طالبات إلى المقاعد الجامعية، ورافضا إلا استقلال ورفعة مقام الكيان الجامعى، حتى أنه استقال مرتين من منصبه احتجاجا على إقصاء الأديب الكبير طه حسين من عمادة كلية الآداب عام 1932، ورفضا لاقتحام قوات الشرطة مقر الحرم الجامعى عام 1937.
كان أحد أعضاء حركة الوفد المصرى المنادية باستقلال البلاد إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918. تقلد لاحقا مناصب وزارية من بينها وزيرا للمعارف ، ووزيرا للخارجية فى حكومة إسماعيل صدقى باشا، وأخيرا رئيسا لمجمع اللغة العربية حتى وفاته فى مثل يوم غد الخامس من مارس 1963.
ترك أحمد لطفى السيد عددا محدودا من المؤلفات والتراجم، منها: «تأملات»، وسيرته الذاتية «قصة حياتي»، وترجمته لمؤلف أرسطو «الكون والفساد». ولكن إسهامه فى مجال المقالات الصحفية كان الأعظم والأكثر غزارة على الإطلاق، وكان للأهرام نصيب عظيم منها. نستعرض فيما يلى بعض النماذج منها والتى تؤكد أنه كان حقا «أستاذ الجيل».
«أسلوب التعليم فى مصر» .. بيان بأحوال بدايات القرن
يظل أحمد لطفى السيد من المراجع التى يتوجب العودة إليها مرات ومرات إذا ما كانت الحاجة لبيان تطور رسالة وهيكلة مؤسسات التعليم العالى فى مصر، وتحديدا فى بدايات القرن العشرين. فكان من الوجيه التوقف أمام مقاله المنشور فى «الأهرام» بتاريخ 25 مارس عام 1929، وذلك تحت عنوان «أسلوب التعليم فى مصر»، لبيان بعض أحوال العلم وأهله فى بدايات قرن منقض، ومما جاء فيه:
«وجهت أعمال الإصلاح فى أسلوب التعليم فى مصر خلال السنوات الأخيرة إلى أربعة أمور رئيسية هى: نشر التعليم الأولى بين عامة سكان البلاد، وإيجاد تسهيلات أوسع نطاقا للتعليم العالى، وترقية التعليم الفنى وإدخال تعليم الفنون الجميلة. فعلاوة على تحسين المدارس الأولية التابعة لوزارة المعارف أو لمجالس المديريات تحت إشراف الوزارة وزيادة عدد هذه المدارس، فقد وضع نظام للتعليم الإلزامى ويقضى هذا المشروع الذى يستغرق نحو خمسة وعشرين عاما لبلوغ حد الكمال أن تتحمل المديريات بناء المدارس وتقديم أثاثها، وتقوم وزارة المعارف بنفقة الموظفين والأدوات المدرسية وهناك الآن 1330 مدرسة من مدارس التعليم الإلزامى يتعلم فيها 146399 طالبا من البنين والبنات. ومن مميزات هذه المدارس الخصوصية أنها تستعمل لتعليم الأولاد نصف النهار وتعليم البنات النصف الآخر منه، وهكذا يكون لكل جنس من الطلبة نصف نهار عطلة يمكنهم فى أثنائه مساعدة أهلهم فى الزراعة والأعمال الأخرى. ويتراوح أعمار الأحداث الذين يتلقون العلم فى هذه المدارس بين السابعة والثالثة عشرة.
أما فى المدارس الأولية المعتادة، فإن مجال تراوح الأعمار أوسع من هذا. والعلم فى هذين النوعين فى المدارس هو باللغة العربية دون سواها. ويتخرج مدرسو هذه المدارس فى مدارس المعلمين الأولية التى أسست فى جميع أنحاء البلاد، ويوجد منها الآن خمس وعشرون مدرسة للمعلمين وثمانى عشرة كلية للمعلمات، وفى إحدى مدارس المعلمات ملحق لتعليم التدبير المنزلى ونظام التعليم فى روضة الأطفال» .
ويكمل أحمد لطفى السيد، كاتبا: «وكان من جراء الزياة العظيمة فى عدد الطلبة المتخرجين فى المدارس الابتدائية والمدارس الثانوية بعد الحرب، إيجاد طبقة كبيرة من الطلبة الراغبين فى مواصلة دروسهم فى العلوم العليا، وهكذا ازدحمت الكليات العليا أشد ازدحام، وفوق ذلك قصد عدد كبير ممن يستطيعون تحمل النفقات إلى جامعات أوروبا وكلياتها وعلى هذا المنوال زادت الحاجة الماسة إلى توسيع نطاق التعليم العالى زيادة متوالية. فما جاء عام 1925، حتى نفذ القرار القاضى بإنشاء جامعة مصرية أميرية. وبدأت الجامعة كيانها بأربع كليات، هى مدرسة الطب ومدرسة الحقوق الموجودتان سابقا، ثم مدرستا العلوم والآداب، وكان القصد منهما أن يلتحق بهما عدد من الطلبة الذين يرغبون فى هذه العلوم بدلا من السفر إلى جامعات أوروبا، ولم يتقرر بعد ما إذا كانت كليات أخرى ستدغم تدريجيا فى الجامعة أو تظل مستقلة تحت إشراف وزارة المعارف. وهذه مسألة لا تتطلب سرعة البت ولكنها تستدعى النظر الدقيق الجارى فيها الآن. وقد يكون الوصول إلى حل مرض أيسر فى غضون تطور الجامعة ونموها.
وقد وسع نطاق مدرسة الهندسة من حيث البناء والأدوات نظرا لتهافت الطلبة عليها، وقسمت كلية المعلمين العليا إلى قسمين قسم الآداب وقسم العلوم. أما مدرسة الزراعة العليا ومدرسة الطب البيطرى ومدرسة التجارة العليا، فلم يستوجب الأمر توسيعها توسيعا كبيرا.
وقد فحصت أخيرا مسألة مدة التعليم فى المدارس الابتدائية والثانوية والعليا وعدل بعضها والبعض رهن التعديل، وقد أطيلت المدة فى بعض الأحوال لإيجاد الوقت الكافى لدرس المواد الإضافية.. وتدل المقارنة بين عدد الطلبة فى مدارس الحكومة الابتدائية والثانوية فى سنة 1920 وسنة 1928، على النمو السريع فى بناء هذه المدارس، فقد كان عددهم فى المدارس الابتدائية 10749 من الذكور، و843 من الإناث، سنة 1920، فصار 17013 من الذكور و2313 من الإناث سنة 1928وكان عدد الطلبة فى المدارس الثانوى 3314 ذكورا و28 إناثا سنة 1920، فصار 13750 ذكورا و193 إناثا عام 1928».
رابط دائم: