فى فُقدانِ الوقتِ، وسطوةِ غيبتهِ،
يتحوّل بحبيبتهِ إلى أسواقٍ بَقِيَت،
مِن أزمنةٍ هلكَت،
ودروبٍ، وبقايا دورْ.
..........
يتجوّل معها فى أفنِيةٍ، تخفقُ،
بتهاويلِ الغيبِ، وأقبِيةٍ،
تنطقُ بتآويلِ الماضى المطمورْ.
..........
هل كان مِن الممكنِ،
أَن يستطلعَ فجرَ التكوينِ،
وأَن يستنطقَ جِيناتِ الدنيا،
أم كان مِن المحظورْ؟
..........
عثُرَ على قبَسٍ مُحتبِسٍ، يزكو،
بين صخورٍ خاملةٍ،
يوصلُه بالشمسِ الأولى،
إذ كان يُفتّح عينيهِ،
على أولِ تهجئةٍ للكونِ المنظور.
..........
عثُرَ على رائحةٍ،
هبَّت مِن خللِ البواباتِ الكبرى،
رائحةٍ لا يخطئها،
ردَّتهُ إلى طللِ لياليهِ الملأى،
بتجاعيدِ الماضى،
وأخاديدِ الأمسِ المبتورْ.
..........
عثُرَ على موطِيءِ أقدامٍ،
وحوافرِ قافلةٍ،
دخلَت مِن باب العيّارينَ زماناً،
واجتازت أبوابَ الكهنوتيينَ،
فسقطَت منها حباتٌ مُتكلِّسةٌ،
مِن عِقد امرأةٍ منظومْ.
استجلَبها الملَّاحونَ القدماءُ،
مِن الشطآنِ القاحلةِ،
وقِيل استخلصَها الغوّاصونَ،
مِن البحرِ الأدنى للرومْ.
..........
ومضَت حِقبٌ يتبعها سُجَفٌ وغيومْ.
والحبَّاتُ المنثورةُ تحكى فصلاً،
مِن أسرارِ الماءِ،
وَوصلاً عن رحلتِها لليابسةِ،
وأثرِ ترابِ الأرضِ عليها،
وسخونةِ أبدانِ الحورْ.
فاستعصى تاريخُ الماءِ عليهِ،
واستشكلَ ميلادُ النورْ.
..........
عثُرَ على رَتقٍ مِن سدَّاداتِ الكِتَّانِ،
المخطوطِ بدَمِ الغزلانِ،
لجلبِ حبيبينِ انفصلا، فاتصلا،
فترقّصتِ الدنيا حولهما،
وترخّصتِ النسوةُ،
واهتزَت لهما خاصِرةُ الأبدانِ،
ومرَّت حِقبٌ بعدهما، ودهورْ.
أخذَت معها الحبَّ،
وتركَت فينا الهاجرَ، والمهجورْ.
..........
عثُرَ على مِزَقٍ مِن سَقطِ متاعٍ،
أغفلهُ الرّحالةُ والكشّافونَ:
كساءِ امرأةٍ منزوعِ الجنبَينِ،
ومنقوطٍ بدَمِ الغربانِ،
لساحرةٍ ضدّ حبيبَينِ ائتلَفا،
فاختلَفا،
فانعقدت بينهما آصِرةُ الحرمانِ،
وكرَّت بعدهما حقبٌ ودهورْ.
أخذَت معها السحرَ،
وتركَت فينا الساحرَ، والمسحورْ.
..........
وعلى مقرُبةٍ مِن أتربةٍ تتململُ،
كالفجرِ الغامضِ بين الخيطينِ:
الأبيضِ والأسودِ،
عثُرَ على مقبرةٍ تتخلخلُ،
مِن أزمنةٍ غابرةٍ، وعصورْ.
هذا قبرى يا زهراءْ!
..........
لقِيَتنى سيدةُ القصرَينِ،
ـ عشيةَ لا أتذكرُ ـ
واصطحبتنى فى جولتها،
بين مياهٍ جاريةٍ، ووهادٍ، وصرُوحْ.
..........
أذكر أنى كنتُ أطارحها الشعرَ،
وأهمس فى مسمعِها،
بخلود الكلماتِ الأولى للحبِّ،
وغلبة سلطان البَوحِ،
وأمجادِ الرُّوح.
كان تآلفنا محفوفاً بالحيطةِ،
مِن أنشطةِ الأفلاكِ النائيةِ،
ومِن ظُللِ الأشباحِ المُترائيةِ،
ومِن أحوالِ الرّيح.
..........
كان مِن الطالعِ أَن تبزُغَ قصتُنا،
كالأشجارِ البريّةِ فوق جبالٍ وسفُوح.
لكنّ قصيدةَ شِعرى،
كانت قد زلَفَت مِن فوقِ العتباتِ،
ودلَفت مِن بين الأبوابِ،
ودخلَت حرمَ الإيوانْ.
فتلقّتها الكاتبةُ، وراقت للحاجبةِ،
فغنَّتها لوصيفاتِ القصرِ ،
ومَحظيّاتِ الفجرِ، وحاشيةِ الديوانِ،
فطارت فى الأروقةِ،
وساحَت فى الأوديةِ، وجالَت،
بين الرُّكبانْ.
..........
قتلَتنى أغنيتى يا زهراءُ،
فهذا قلبى،
وهنا قبرى يتململُ فى رقدتِهِ،
مِن بين تواريخٍ هلكى، ودهورْ .
فانتشليني مِن برزخِهِ،
وابتعثيني يا صاحبة النورْ.
رابط دائم: