رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى ورشتة بـ «باب الوداع»
«محفظة» عم أحمد تحفظ تاريخ الجلود

نادية عبدالحليم

فى قلب منطقة الدرب الأحمر وهى واحدة من أقدم وأعرق المناطق التاريخية فى مصر تحتضن المتاجر العتيقة فنانين يواصلون تقديم إبداع أجدادهم فى صمت وصبر، فقد تربوا فى أسر عاشقة لهذا الإبداع حيث كان الكبار يعلمون الصغار داخل الورش لتنتقل الحرف من جيل إلى آخر بنفس الدقة والمهارة والتفاصيل الصغيرة التى تميز أعمالهم على مر السنين.. من خلال فنونهم التراثية يصوغون عوالم ورؤى من الجمال والمنتجات الإبداعية التى لاتتخذ شكلاً بصريا ً واحداً وموحداً، بل تتخذ أشكالاً متعددة وصيغاً وخامات متنوعة ومفردات عدة يحافظون من خلالها على إرث مصر الأصيل من الحرف اليدوية المختلفة.

..............



وفى شارع «باب الوداع» بمنطقة الدرب الأحمر، والذى تتفرع منه عدد من الحارات والعطف توجد بعض هذه المتاجر التى كانت شاهدة وأصحابها على الكثير من الأحداث التاريخية والأنماط الحياتية اليومية التى تكشف جوانب مهمة من الحياة المصرية؛ إذ كان لهذا الشارع أهمية كبيرة فى العصر المملوكى؛ فعند وفاة أحد السلاطين أو الأمراء كان يُصلى عليهم فى القلعة أو فى مصلى المؤمنى بالقرب من ميدان القلعة، ومن ثم يسلكون هذا الشارع متجهين إلى المدافن التى أعدوها لأنفسهم فى الصحراء، كما كان هذا الطريق يستخدم فى خروج السلطان بموكبه الرسمى فى الحج، إذ يبدأ الموكب من عند باب المدرج وينثنى شمالاً عبر الحطابة ويدخل من «باب الوداع» ومن هناك يصل إلى قبة السلطان طومانباى.

وعندما تطأ قدماك شارع «باب الوداع» تستنشق رائحة الماضى المعتقة بقلوب ناسها الطيبين الذين تأخذك بساطتهم وكدهم إلى مناخات ساحرة تنعش ذاكرتك ووجدانك معاً، لاسيما حين تتلمس امتزاجها بفنون تقليدية تلقائية لم تطالها آلية التحديث، وتستطيع أن تعيش هذه المشاعر حين تزور إحدى الورش القديمة مثل ورشة العم أحمد أبوالعلا ذلك الرجل السبعينى صاحب العينين الزرقاوتين اللتين لطاما دققتا وأبدعتا فى عملهما فى مجال صناعة الجلود اليدوية، وهما أيضاً أول ما يستقبلك بحفاوة بالغة حين تدخل دكانه القديم.

وتكون فى انتظارك أشعة الشمس التى تغطى المكان فلا يزال الرجل يستقيظ فى الفجر يصلى ويقرأ القرآن ويتناول إفطاره ومن ثم يتوجه مبكراً إلى عمله، فى مشهد يمثل لوحة فنية يومية، وهى نفسها اللوحة التى اجتذبت مؤخراً الفنانين الشباب سواء فى الفن التشكيلى أو الفوتوغرافيا لتسجيل هذه الحالة الفنية بلغة بصرية بديعة، ومنهم الفنانة الشابة دعاء عادل التى التقطت مجموعة من الصور تجسد لحظات إبداعه.

تعكس الصور براعة العم أبو العلا فى صناعة المحفظة من الجلد الطبيعى ذات النقوش الفرعونية، وتنتقل بنا مابين يده التى «تتلف فى حرير» وبين ملامح وجهه الصبورة الشاهدة على الزمن وحبات العرق التى لطالما انسابت على جبهته العالية ومن ثم صعدت فى اتجاه السماء كأنها دفقات من الدعاء والابتهال، ومنها إلى تفاصيل نقوش محفظته التى قدمتها لنا أنامله بحرفية شديدة، وكذلك تنقل لنا الصور التى التقطتها الفنانة تفاصيل دكانه العتيق، فنشعرإننا على تماس مع الماضى دون أن ننفصل عن الحاضر، حيث الحركة الدؤوبة فى المكان.

تقول دعاء عادل لـ «الأهرام»: تجذبنى منطقة الدرب الأحمر بأزقتها وعطفاتها ودكاكينها وفنانينها وتدفعنى إلى حمل عدستى، والتوجه إليها لتصويرها مثل كثير من أحياء مصر العريقة و«تتابع»: ويُعد هذا الشارع الذى يحمل اسماً ذى طابع تاريخى ودرامى فى آن واحد ملهماً لسرد قصص وحكايات من خلال الصورة الفوتوغرافية، وهناك وجدت دكان العم أحمد صانع المحفظة، فأبهرنى بفنه وصبره فى العمل لساعات طويلة برغم تقدمه فى العمر، فقررت أن أزوره عدة مرات، والتقط له مجموعات من الصور، تروى حكاية رجل أصيل من مصر.

ووسط دكاكين تضج بالحياة وتتصاعد الحركة فيها مع وتيرة اﻷنفاس التى تبدأ رحلتها مع أول أشعة تدب على اﻷرصفة يمارس صانع المحفظة عمله، فيوقظ نشاطه هو وسائر الفنانين الطرقات المتكاسلة منبهة إياها ليوم جديد حافل، يقول أبو العلا: «أعمل بهذه المهنة منذ أكثر من ستين عاماً، فقد ورثتها عن والدى وعشقتها وعملت فيها معه حتى توفاه الله فقررت أن استكمل طريقه واستمر فى نفس العمل وذات الدكان».

ويضيف قائلا: «تجذب منتجاتى السياح والمصريين من محبى الفنون اليدوية الأصيلة، لكن للأسف أثرت الجائحة على السياحة بشكل سلبى، فقد أدت إلى خفض الطلب عليها بشكل ملحوظ، لكنى لازالت مستمراً فى عملى ولن أغلق الدكان مهما حدث، لأن العمل عبادة، كما إننى أشعر إننى صاحب رسالة وهى المحافظة على حرفة مصرية عريقة، حيث تتميز مصر بصناعة الجلود يدوياً منذ القدم».

نجحت دعاء عادل عبر عدستها فى تجسيد ملامح ومشاعر الفنان السبعينى ما بين الجدية والتركيز الشديدين أثناء العمل والفرحة من القلب حين ينتهى من إحدى قطعه الفنية، يقول الفنان لـ «الأهرام»: كيف لا أشعر بالسعادة وأنا أحمل بين يدى قطعة من تاريخ بلادى صنعتها بطريقة ابتكرها أجدادى منذ سنوات طويلة؟!».

رابط دائم: 
كلمات البحث:
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق