من أعظم ما يحققه المبدع أن يترك أثرا لا يمحى، ليس فقط إنجازا مدويا، ولكنه أيضا إلهام ودعم لأرواح تستحق الدعم والاهتمام، وهكذا كان الفنان التشكيلى الكبير أدهم وانلى، الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم، إذا ولد فى 25 فبراير 1908. فالتشكيلى السكندرى، واسمه بالكامل إبراهيم أدهم إسماعيل محمد وانلى، شكل ثنائيا فنيا مميزا مع شقيقه سيف وانلى (1906-1979).
وبات مرسمهما الذى افتتح فى الإسكندرية عام 1935 وجهة لاستقبال الفنانين المصريين والزائرين من دول أخرى على مدى العقود التالية. وزاوج وانلى بين تقلد المنصب الأكاديمى، إذا انضم مع شقيقه سيف إلى أساتذة « كلية الفنون الجميلة» بالإسكندرية عام 1957، وذلك إلى جانب إبداعه الفنى، حيث عرف بإنتاجه الغزير، وتجسيده الفنون الحركية فى مصر، وإبداعه فى تجسيد عناصر الضوء والظل، توفى أدهم وانلى فى 20 ديسمبر عام 1959 فى بداية العقد الخامس من عمره.
وبعد وفاته بخمسة أعوام، نشرت»الأهرام» فى عددها المؤرخ بـ 30 سبتمبر 1964 حوارا أجراه الكاتب الصحفى والفنان يوسف فرانسيس (1934- 2001) مع الرسامة إحسان مختار، تلميذة أدهم وانلى، والتى اقترن بها شقيقه سيف فى مرحلة لاحقة. وكانت مقدمة الحوار كالتالى:
«الفنان فى حاجة إلى امرأة .. من الممكن أن تكون هذه المرأة زوجته أو حبيبته.. وقد تكون أختا أو أما أو صديقة.أما أنا فقد اخترت أن أكون الصديقة والأم». هكذا بدأت إحسان مختار حديثها حول علاقتها بالأخوين وانلى، قبل أن يسألها يوسف فرانسيس عن سر سعيها لتخليد ذكرى فنان راحل، لترد: «هو الاعتراف بالجميل، أنا لن أنسى أبدا جميل أدهم وانلى .. ولا مجهوده فى تعليمى الفن..»
ويعلق فرانسيس: «كانت تكتب فى الكتالوج الذى احتوى لوحات أدهم واللوحات التى رسمتها مستوحاة من حياته، هذا الإهداء: أقدم هذا المعرض تخليدا لكفاحك فى الفن نقلا عما وعته ذاكرتى من أحاديثك عن تاريخ حياتك، وحياة أخيك الفنان سيف، وتقبل جهدى الذى أقدمه فى هذا المعرض تحية لك واعترافا بالجميل الذى بذلتماه معى لدراسة الفن الأصيل».
ويكمل فرانسيس: والاعتراف بالجميل الممزوج بصداقة مخلصة هو الذى جعل إحسان مختار ترعى أدهم عندما رقد صريعا للإرهاق، وبات الموت متوقعا، كانت تجمع أعقاب سجائره، خطاباته وقصاصات الورق الصغيرة التى يرسمها.. ذات يوم كانت إحسان مختار قد جمعت بعض الرسوم التى تنقلها من صور الكارت بوستال، وذهبت لصانع البراويز شوارتز» وصحبها شوارتز إلى مرسم الأخوين سيف وأدهم وانلي».
تقول إحسان عن هذا اللقاء: «كان شوارتز قد نبهنى ألا أطيل الحديث .. وألا أمكث أكثر من عشر دقائق لما عرف عن الأخوين من حب الهدوء. ولكن المقابلة امتدت إلى ساعتين، وأصبحنا أصدقاء. وفى الدرس الأول كنت أظن الحصة بالساعة، وفاتت ساعات وذعرت .. وفهم أدهم ما يجول فى رأسى فقال لى مشجعا: الفلوس ليست لها قيمة عندى .. كل ما يهمنى هى الروح المخلصة.
وعن مذكرات أدهم وانلى، قالت تلميذته: « مذكراته قد تركها لى، كلها تنبض بحبه للفن وللناس.. ولقد دهشت كثيرا عندما وجدته يتحدث عنى فى مذكراته، وعرفت أن صداقتى لهما كانت عزيزة وثمينة، عندما قرأت فى مذكراته جملة كتبها لسيف يقول له فيها: إذا أحسست بالضيق أذهب إلى إحسان».
ويتواصل الحوار: - أين رسوم أدهم؟
- لقد جمعت له أخيرا 26000 رسم، سأضعها فى متحفه.
- وما الذى تصنعينه هذه الأيام؟
- أساعد سيف فى المعهد.. وأنظم له عمله.. وأحاول أن أحل مشاكله مع الضرائب.. سيف فنان عظيم.. يقولون إنه مثل ديجا وأنا أقول إنه أحسن»..
رابط دائم: