«المعرض الزراعى الصناعى .. النار تأكل قسما كاملا من أقسامه .. تأجيل افتتاح المعرض إلى أول مارس القادم»، كان ذلك من العناوين الرئيسية التى تصدرت عدد الأهرام فى 15 فبراير 1926، لتعلن خبر اندلاع حريق نجم عن بدء توصيل التيار الكهربائى إلى الأسلاك ليقع انفجار، «وتمتد النيران فى جميع أجزاء هذا القسم فى أقل من خمس دقائق فالتهمت جميع معروضاته». وقد تسبب الحريق الضخم فى تأجيل المعرض الزراعى الصناعى الأول، الذى كان من أوائل المعارض الشاملة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتخدم أغراض التسويق والترفيه فى موقع واحد. ومن حسن الطالع أن النيران لم تتسبب فى إلغاء المعرض، وإنما أدت إلى تأجيله فقط لا غير.
قبل الواقعة، كانت «الأهرام» تنشر بانتظام أخبار الاستعداد للمعرض الاستثنائى ، ومنها ما أوردته «الأهرام» بتاريخ 12 فبراير 1926، تحت عنوان «المعرض الزراعى: طوابع بريد»، وجاء فيه: «أذاعت مصلحة البريد المصرى أنها أنشأت طوابع بريد من فئات 5 و10 و15 و50 و100 و200 مليما تذكارا للمعرض الزراعى والصناعى العام .. وهذه الطوابع مزينة برسم يمثل طرق الحراثة بالمحراث فى القطر المصرى، ويرخص فى استعمالها من 20 فبراير الحالى إلى 20 مايو التالى ...»
وفى اليوم التالى، كشفت «الأهرام» المزيد من التفاصيل حول المعرض الاستثنائى المزمع، وذلك كالتالى: «تكون أجرة الدخول يومى الأحد 21 والاثنين 22 فبراير 1926( وذلك بالإشارة إلى التاريخ الأصلى والذى كان مقررا فيه افتتاح المعرض) 30 قرشا، ومن يوم الثلاثاء 23 فبراير وصاعدا تكون أجرة الدخول 15 قرشا، ما عدا أيام الجمعة فتكون 5 قروش .. ويفتتح المعرض نهارا من الساعة 9 صباحا إلى الساعة 6 مساء للعروضات الزراعية والصناعية وبعد ذلك للالعاب والملاهى والسينما، وتكون أجرة الدخول بعد الساعة السادسة من كل يوم 5 قروش . ويخصص للسيدات صباح كل يوم اثنين..»
وبلغ التنظيم من الدقة حد إصدار تذاكر اشتراك بالصور الفوتوغرافية قيمة الواحدة 150 قرشا، وتمكن حاملها من الزيارة المتكررة للمعرض طول فترة انعقاده، وتذكرة أخرى بقيمة 100 قرش تمكن حاملها من زيارة المعرض ست مرات، ذلك فضلا عن اتفاق خاص مع مصلحة السكة الحديد لمنح زوار المعرض من الضواحى والأقاليم خصومات وأسعارا خاصة، وذلك وفقا لما أوردته الأهرام.
أما عن المعروضات، فبجانب خيرات الصناعة والزراعة المحلية، شارك فى المعرض العجائبى، «الخيل المجرية»، فوفقا للاهرام فى 27 فبراير 1926: «وصلت إلى مصر خيل الرياضة المجرية وعددها 20 جوادا من أجود الخيل المجرية ومعها عدد كبير من حيوانات شتى وهى تابعة لنادى الرياضة المجرية الكبير، ولا شك أنها من أهم ما يشاهد فى مصر من هذا النوع»، وفى خبر آخر بعنوان «ثلاث حبات أرز فى المعرض الزراعى والصناعى المصري»، ذكرت «الأهرام»: «قدم القاهرة حضرة الأديب الفاضل الشيخ نسيب مكارم الخطاط اللبنانى المشهور بجمال خطه ودقته.. وسيعرض فى المعرض الزراعى والصناعى بعض آثار خطه، وأهمها ثلاث حبات أرز: كتب على الحبة الأولى، النشيد الوطنى المصرى، الذى نظمه أمير الشعراء شوقى وعدد أبياته 16 بيتا وعدد كلماته 160 كلمة. وكتب على الثانية قصيدة للشاعر عبدالرحيم قليلات عدد أبياتها 30. وكتب على الثالثة مقاطع شعرية بالإنجليزية للشاعر بن شكسبير».
وبعد تجاوز مراسم الافتتاح التى شهدها جلالة الملك فؤاد الأول، وأحدثت أزمة مع الصحافة المصرية لعدم دعوة مندوبيها لإتمام التغطية فى الوقت المناسب، حقق العروض، المقام على 40 فدانا، بمنتجاته وفقراته الفنية والترفيهية نجاحا ما بعده نجاح. ففاق حضور السيدات مثلا الأعداد المتوقعة، وتوالى حضور وفود المدارس حتى سجل فى أحد أيام الجمع حضور 70 ألف زائر، 30 ألفا منهم يمثلون طلبة المدارس. وقد تسبب هذا التزاحم الشديد، الذى مر دون حوادث، كما أوردت «الأهرام» فى توجيه إدارة المعرض لمعالى سعد باشا زغلول، رئيس الوزراء، بتأجيل خطته لزيارة المعرض فى اليوم ذاته.
وبخلاف السيرك والملاهى وعروض الفروسية، استمتع زوار المعرض بغناء السيدة منيرة المهدية التى تنوعت توقيتات وصلاتها الغنائية من يوم إلى آخر لترضى جميع الفئات والأذواق المترددة على المعرض الزراعى والصناعى الأول بالقاهرة.
رابط دائم: