-
القمة الإفريقية ــ الأوروبية قدمت دعما كبيرا لأولويات القارة السمراء وعلى رأسها تشجيع الاستثمار
-
علاقات القاهرة وبروكسل ممتدة منذ عهد «محمد على» .. والعام المقبل يشهد مئوية زيارة جدة الملك فيليب مقبرة توت عنخ آمون
أكد السفير الدكتور بدر عبدالعاطى سفير مصر لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى ودوقية لوكسمبورج أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الأخيرة بروكسل كانت زيارة تاريخية استثنائية وشديدة الأهمية، نظرا لأن بروكسل هى عاصمة الاتحاد الأوروبى بمؤسساته المختلفة، وعلى رأسها المجلس الأوروبى والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبى، وبها مقر حلف شمال الأطلنطى "الناتو"، فضلا عن كونها عاصمة لمملكة بلجيكا التى تربطنا بها علاقات تاريخية.
وقال عبدالعاطى فى تصريحات خاصة لـ«الأهرام» إن علاقات مصر وبلجيكا تمتد لعصر محمد على، مشيرا إلى أن حى مصر الجديدة بالقاهرة، والذى شيده البارون البلجيكى إمبان فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، خير شاهد على العلاقات التاريخية مع بلجيكا.
وأوضح عبدالعاطى أن أهمية الزيارة تكمن فى أنها أول زيارة للرئيس السيسى إلى بروكسل منذ توليه مهام منصبه فى 2014، كما أنها أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى لبلجيكا منذ أكثر من أربعة عقود، مشيرا إلى أنها مهمة أيضا بحكم العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية، ووجود شركات بلجيكية تعمل فى مصر أو مهتمة بالعمل فى مصر، فضلا عن أهميتها أيضا على صعيد العلاقات بين مصر ومؤسسات الاتحاد الأوروبى، مؤكدا أن الرئيس التقى خلال الزيارة بالقيادات الثلاث الرئيسية للاتحاد الأوروبى، وبعدد كبير من القادة الأوروبيين والأفارقة، ويعد من الرؤساء الأفارقة القلائل جدا الذين التقوا بهؤلاء السياسيين البلجيك وكبار قيادات الاتحاد الأوروبى خلال أعمال القمة الأوروبية - الإفريقية السادسة التى عقدت فى بروكسل يومى الخميس والجمعة الماضيين تقديرا لمكانته الدولية ولدور مصر الإقليمى.
وأشار إلى أن الزيارة شهدت لقاء بين الرئيس والملك فيليب الأول ملك بلجيكا، حيث كان الرئيس من القيادات المحدودة التى حرص الملك على استقبالها فى بروكسل من بين المشاركين فى القمة الإفريقية الأوروبية، كما أقيمت للرئيس مأدبة غداء من جانب رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دى كرو، وهى أيضا الوحيدة التى أقامها رئيس الوزراء البلجيكى على شرف أحد القادة الأوروبيين أو الأفارقة فى بروكسل على هامش القمة، وهو ما يعكس مدى اهتمام بلجيكا بتطوير العلاقات مع مصر والتقدير لمكانة الرئيس.
وأضاف: «كانت هناك أيضا لقاءات مهمة جدا مع ممثلى رؤساء مجالس إدارة مجموعة من الشركات البلجيكية الكبرى، بعضها عامل فى مصر بالفعل، والبعض الآخر مهتم بدخول السوق المصرية، لما يتوافر بها من فرص هائلة على صعيد الأعمال والاستثمار».
وتابع: «التقى الرئيس على مائدة مستديرة مع 10 من رؤساء أكبر الشركات البلجيكية العاملة هنا، كما التقى على انفراد مع عدد منتقى من رؤساء الشركات البلجيكية العاملة فى مجموعة من القطاعات ذات الأولوية للجانبين، ومن أهمها بطبيعة الحال قطاع الطاقة الذى توليه بلجيكا اهتماما كبيرا، باعتبار مصر مركزا لتداول وتوزيع الطاقة، سواء الأحفورية خاصة الغاز الطبيعى المسال أو الطاقة الجديدة والمتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أو النظيفة مثل إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وأكد رغبة بلجيكا فى أن تكون شريكا قويا لمصر فى مجال الطاقة، وتحول الطاقة، سواء من حيث استخدام الغاز الطبيعى أو المسال، خاصة أن مصر تعتبر مركزا للطاقة وتداولها».
وأوضح عبدالعاطى أن قطاع الطاقة مهم جدا للجانبين، سواء على مستوى مرحلة التحول أو الانتقال من المصادر التقليدية إلى التركيز على الغاز الطبيعى كمرحلة انتقالية، باعتباره أقل تلويثا للبيئة، مشيرا إلى أنه يوجد اهتمام كبير بمصر فى هذا المجال، نظرا لإمكاناتها الهائلة، وبما تملكه من مصادر للطاقة الجديدة والمتجددة والنظيفة تؤهلها لأن تكون مصدرا لأوروبا لتوفير الطاقة بأنواعها. وأوضح أن هذا كان محل تركيز ملحوظ من رؤساء الشركات البلجيكية خلال لقائهم مع الرئيس، حيث ركزوا على تصدير الغاز المسال لأوروبا، وعلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة فى ضوء وجود أكبر محطة طاقة شمسية فى العالم لدى مصر فى بنبان بأسوان، وأيضا مزارع الرياح، وكذلك إمكانية استخدام الفائض الكبير من الكهرباء الذى تملكه مصر للربط مع أوروبا، واستخدامها أيضا فى توليد الطاقة النظيفة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر فى ظل اهتمام بلجيكا وأوروبا بقضية أمن الطاقة.
كما تناولت اللقاءات موضوع التعاون فى مجال قطاع البنية التحتية واللوجسيتيات والربط بين الموانى المصرية والبلجيكية، خاصة أن ميناء أنتويرب البلجيكى يعد من أكبر الموانى فى أوروبا، ويعتبر مركزا مهما لتداول الحاويات والطاقة لكل أوروبا، وبالتالى فإن هناك اهتماما كبيرا من الجانب البلجيكى بالربط مع الموانى المصرية فى مجالات التجارة والطاقة وتداول الحاويات.
وأضاف الدكتور بدر عبدالعاطى: «أيضا لا ننسى الدور المهم الذى قامت به الشركات البلجيكية فى حفر قناة السويس الثانية». وأشار كذلك إلى وجود اهتمام من جانب الشركات البلجيكية بالعمل فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وأيضا مشروعات البنية التحتية المرتبطة بإدارة ومعالجة المياه».
وتابع أن العلاقات بين البلدين لا تقتصر على الجانبين السياسى والتجارى فقط، وإنما تمتد أيضا إلى المستوى الثقافى، موضحا أن بلجيكا تعاونت مع مصر فى ترميم وتجديد قصر البارون إمبان بمصر الجديدة، والذى يعد شاهدا ثقافيا مهما جدا على العلاقات بين البلدين، كما تشارك شركة بلجيكية كبرى فى مشروع بناء المتحف الكبير، الذى يعد أكبر متحف فى العالم لحضارة واحدة، منوها إلى أن الجدة الكبرى للملك فيليب كانت قد قامت بزيارة مهمة جدا لمقبرة توت عنخ آمون عام 1923، وبالتالى، فإن العام المقبل، سيشهد ذكرى مرور مائة عام على زيارة الملكة إليزابيث ملكة بلجيكا سابقا لمصر.
وفيما يتعلق بالشق المتعلق بالاتحاد الأوروبى، قال عبدالعاطى إن الزيارة كانت مشحونة باللقاءات المهمة، وعلى رأسها لقاءات مع الرئاسات الثلاث للاتحاد الأوروبى ممثلة فى المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبى والبرلمان الأوروبى، واضاف أنه كان هناك حرص من جانب قادة مؤسسات الاتحاد الأوروبى الثلاث على الالتقاء بالرئيس فى أول زيارة له إلى عاصمة المؤسسات الأوروبية، على هامش المشاركة فى أعمال الدورة السادسة من قمة الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى، تأكيدا على تقدير الجانب الأوروبى وقادته لدور القيادة المصرية سواء على المستوى الوطنى أو على مستوى المنطقة؛ وما تضطلع به مصر من دور حيوى فى القارة الإفريقية كبوابة لإفريقيا وداعمة لتطلعاتها، وتقديرا أيضا للعلاقات الثنائية المتميزة التى تجمع الاتحاد الأوروبى بشريك بحجم وثقل مصر. وعكست هذه اللقاءات رفيعة المستوى عمق العلاقات، والشراكة الإستراتيجية التى تجمع الجانبين، بل وتأكيدا للزخم الذى باتت تشهده علاقات التعاون على مختلف الأصعدة وفى المجالات محل الاهتمام المشترك، فكان هناك لقاء مع شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبى، وكان لقاء مهم ركز على كافة مجالات التعاون بين البلدين، وعلى العلاقات المصرية الأوروبية بشكل عام، وسبل دفعها فى المجالات السياسية والاقتصادية، مشيرا إلى أنه كان هناك تركيز على الطابع الإستراتيجى للعلاقات، وكذلك تقدير كامل من شارل ميشيل للدور المحورى الذى تضطلع به مصر كدولة محورية تساعد على تحقيق الاستقرار فى منطقة تموج بالاضطرابات فى إفريقيا والشرق الأوسط. كما حرص ميشيل على الاستماع للرؤية المصرية إزاء عدد من القضايا الهامة؛ على دور مصر كداعم أساسى للاستقرار والأمن فى المنطقة بأكملها، وبما ينعكس إيجابيًا وبشكل مباشر على أمن واستقرار دول الاتحاد الأوروبى، لاسيما فى مجال مكافحة الإرهاب، والهجرة غير المشروعة، فضلا عن أهمية التعاون فى مجالات التعاون الاقتصادى والتنموى.
ونوه سفير مصر ببروكسل إلى أن الرئيس السيسى التقى أيضا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فى بروكسل، والذى يعد أول لقاء رسمى للقيادتين منذ تولى «فون دير لاين» منصبها كرئيس للمفوضية الأوروبية فى 2019، حيث حرصت رئيسة المفوضية الأوروبية على الاتصال هاتفيا بالرئيس فى 31 يناير 2022 إلى جانب لقائها السريع معه على هامش قمة "محيط واحد" التى استضافتها مدينة "بريست" الفرنسية يوم 11 فبراير، وتم خلال اللقاء تأكيد حرص الجانبين على تعميق العلاقات على مختلف الأصعدة بما فى ذلك تعزيز فرص التعاون الاقتصادى، فى ضوء ما يوليه الاتحاد الأوروبى من اهتمام نحو تطوير وتعميق الشراكة مع مصر فى المرحلة المقبلة وما تمثله مصر من ركيزة لأمن واستقرار المنطقة وسعيا نحو بحث سبل تعزيز التعاون مع مصر لاسيما فى ظل آفاق التعاون القائمة فى إطار عملية التحديث التى تشهدها مختلف القطاعات التنموية فى مصر، بما فى ذلك مشروعات البنية التحتية، ومشروعات الطاقة المتجددة، والتحول الأخضر الذى تقوده مصر. كما تم التركيز على الدور الفاعل الذى تلعبه مصر على المستوى الدولى وإنجاح جهود مكافحة التغير المناخى فى ضوء استضافتها للدورة الـ27 من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP27.
وأوضح عبدالعاطى أن ملف الطاقة كان أحد أبرز مجالات التعاون مع الاتحاد الأوروبى الذى تم التطرق إليه فى ضوء الإمكانات المتوافرة لدى مصر لتحقيق شراكة إستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى فى مجال الطاقة سواء الغاز أو قطاعات الطاقة النظيفة والمتجددة، لاسيما فى ضوء وضعيتها كمركز إقليمى لتداول وإنتاج وتوزيع الطاقة سواء من الغاز المسال أو الهيدروجين الأخضر أو الربط الكهربائى، أخذا فى الاعتبار تطلعات الاتحاد الأوروبى نحو تنويع مصادره من الطاقة تحقيقا لأمن الطاقة. كما جاء التعاون فى مجال تصنيع اللقاحات فى مصر كمركز لتصدير اللقاحات لمختلف الأسواق خاصة إلى القارة الإفريقية أحد الموضوعات المهمة التى تمثل أهمية للجانبين.
وأكد عبدالعاطى أن اللقاء الذى تم بين الرئيس ورئيسة البرلمان الأوروبى المنتخبة حديثا روبرتا ميتسولا إشارة هامة على حرص الجانبين على تعزيز علاقات التعاون مع البرلمان الأوروبى.
وعلى صعيد مشاركة الرئيس فى أعمال الدورة السادسة من قمة الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى، أكد عبدالعاطى أن القمة ناقشت سبل تعزيز التحول فى مجالى الطاقة، والرقمنة، باعتبارها من أبرز المتطلبات المعاصرة؛ وبالتالى تعزيز قدرة الجانبين الإفريقى والأوروبى على التعامل معها، بما يعزز من آفاق التعاون بين القارتين نحو تحقيق التحول الاقتصادى والاجتماعي؛ إلى جانب التطرق لموضوعات النقل؛ بما فى ذلك الجوانب الخاصة بالربط والبنية التحتية.
ونوه عبدالعاطى إلى أن قضايا السلام والسلم والحوكمة استحوذت على جانب من مناقشات قادة دول وحكومات القارتين، إلى جانب دعم القطاع الخاص والتكامل الاقتصادى. وتم الإعلان خلال القمة عن إطلاق حزمة استثمارات «إفريقيا ــ أوروبا» لا تقل عن 150 مليار يورو والتى ستدعم التطلعات المشتركة لأجندة 2030، وكذا أجندة الاتحاد الإفريقى 2063، والتى تستهدف قطاعات الاستثمار والصحة والتعليم.
رابط دائم: