رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بوتين يتمسك بمواقفه وغيوم الحرب تخيم على المنطقة

د. سامى عمارة
> القوات الروسية قرب الحدود الأوكرانية

لماذا تواصل القيادات الأمريكية والبريطانية حملات التهويل باحتمالات الغزو الروسى الوشيك لأوكرانيا رغم فشل توقعاتها منذ نوفمبر الماضى وحتى 16 فبراير الحالى الذى حدده الرئيس الأمريكى جو بايدن موعدا للغزو، استنادا إلى معلومات أجهزة مخابراته التى يقولون إنها الأقوى فى العالم؟ إلى متى تواصل الدوائر الغربية «هستيريتها» حسب وصف الدوائر الرسمية فى موسكو، حول تشديد العقوبات التى طالما تفننت فى فرضها ضد روسيا رغم ما عادت به من وبال على بعض أعضاء الأسرة الأوروبية، حسب اعتراف رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان فى موسكو؟ الأسئلة كثيرة ومنها ما لم يعد فى حاجة إلى إجابة، بعد أن نجحت موسكو فى فضح أهداف السياسات الغربية التى تواصل محاولات اللعب بأقدار أوكرانيا وعلاقاتها مع «الشقيقة الكبرى» روسيا، سعيا وراء لفت الأنظار بعيدا عن القضية المحورية التى طرحها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول متطلبات أمن بلاده وما تحتاجه لدرء أخطار توسع الناتو شرقا.

فى الوقت الذى تواصل فيه الأوساط المحلية والعالمية تناقل الأخبار والتعليقات والتوقعات بشأن الأوضاع على صعيد الأزمة الأوكرانية وتوتر العلاقات بين موسكو والغرب، نقلا عن مصادر فى معظمها أوروبية أمريكية، ولا مكان فيها لمصادر أخرى تنطق ببعض الموضوعية، كشفت مصادر الكرملين أكثر من مرة عن أن «أوكرانيا ليست سوى جزء من مشكلة أكبر تتعلق بالضمانات الأمنية بالنسبة لروسيا». وفيما قال دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين أن الرئيس بوتين على استعداد للتفاوض، كشفت المصادر الرسمية الروسية عما تقدمت به موسكو منذ نهاية عام 2021 إلى البيت الأبيض وحلف الناتو من مقترحات وتساؤلات حول الضمانات الأمنية، ولاسيما ما يتعلق منها بضمانات قانونية لوقف توسع الناتو شرقا، وإنشاء قواعد عسكرية فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق. وتضمنت المقترحات بندا خاصا بعدم نشر أسلحة الناتو الهجومية قرب حدود روسيا، وانسحاب قوات الحلف فى أوروبا الشرقية إلى مواقع عام 1997.وأكدت المصادر الروسية أن ما أرسلته الولايات المتحدة وحلف «الناتو» فى نهاية يناير الماضى إلى موسكو من ردود مكتوبة على مقترحات روسيا، لم تلبّ المطالب الروسية الأساسية للضمانات الأمنية. وجاءت المباحثات الأخيرة فى الكرملين بين الرئيس بوتين وضيفه المستشار الألمانى اولاف شولتز، لتكشف مجددا عن مدى حسم موسكو تجاه «ضرورة أن يتم البت فى إغلاق موضوع عضوية أوكرانيا فى الناتو اليوم وليس غدا» على حد قول بوتين. وردا على ملاحظة المستشار الألمانى حول أن مسألة منح كييف العضوية فى حلف شمال الأطلسى «ليس على جدول الأعمال»، قال الرئيس الروسى أنه «إذا انضمت أوكرانيا إلى الحلف بعد غد وليس غدا فذلك لا يغير شيئا بالنسبة لروسيا». وأعاد إلى الأذهان ما سبق وكشفت عنه موسكو فى أكثر من مناسبة: «لقد سمعنا منذ 30 عاما أن الناتو لن يتمدد «شبرا واحدا» باتجاه الحدود الروسية» (بعيدا عن حدوده آنذاك غربى الحدود السابقة لألمانيا الشرقية)، أما اليوم فنرى البنية التحتية للناتو على أعتاب بيوتنا». وأضاف قوله إن المناقشات حول انضمام أوكرانيا إلى الحلف مستمرة، وأنه لو حصل ذلك حتى بعد عدة أعوام، عندما تكون أوكرانيا مستعدة لهذه الخطوة، «فمن المحتمل أن يكون الأوان عندها قد فات بالنسبة إلينا. لذا فإننا نريد حسم هذا الموضوع الآن، وفى أقرب وقت ممكن، ضمن عملية تفاوضية وبطرق سلمية». وأضاف أن موسكو تنطلق من هذه الأطروحة، وتعول على أن يأخذ شركاؤها الهواجس الروسية على محمل الجد.

وتطرق الرئيس الروسى إلى أن بلاده لا تريد حربا فى أوروبا، مشيرا إلى أن الزج بالأزمة الأوكرانية فى هذا السياق لا يعنى سوى محاولة للفت الأنظار بعيدا عن القضية الرئيسية، التى تتعلق بأمن بلاده وعلاقاتها مع الناتو والولايات المتحدة الأمريكية. وطرح تنفيذ السلطات الأوكرانية ما تعهدت به بموجب اتفاقيات مينسك الموقعة فى عام 2015، وهى التى حددت معالم الخروج من المأزق الراهن بالاعتراف بوضعية خاصة لجمهوريتى «دونيتسك» و«لوجانسك» غير المعترف بهما فى جنوب شرق أوكرانيا، وما يتعلق بالإصلاحات الدستورية وانتخابات المحليات إلى جانب إصدار التشريعات المتعلقة بحقوق الأقليات الناطقة بالروسية، فى هاتين «المنطقتين» وهو ما سبق ورفعته روسيا فى حينه إلى مجلس الأمن الدولى الذى أصدر بشأنها القرار اللازم .

وفى هذا الصدد كشف بوتين عما ورد إليه من رسالة مجلس الدوما التى يوصى فيها بالاعتراف بهاتين «الجمهوريتين»، وهى الورقة التى سبق واستخدمتها روسيا لدى اعترافها فى أعقاب حربها مع جورجيا 2008 بكل من جمهوريتى «أبخازيا» و«أوسيتيا الجنوبية» اللتين كانتا أعلنتا انفصالهما منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى عن جورجيا. وثمة شواهد تقول إن المباحثات التى سبق وأجراها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى كل من موسكو وكييف، وما تلاها من مباحثات مماثلة أجراها المستشار الألمانى شولتز فى كل من كييف وموسكو، إضافة إلى ما أعلنته العاصمة الروسية من مواقف بالنسبة لحلحلة الموقف فى أوكرانيا تجاه التحرك صوب التسوية السلمية، كانت وراء ما قيل حول «رضوخ» الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى وإعلانه موافقته على تنفيذ اتفاقيات مينسك. ولتوثيق ما قاله زيلينسكى بهذا الصدد ننقل عن المستشار الألمانى شولتز تصريحاته، حول انه تلقى تأكيدات من الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى حول أن أوكرانيا «ستقدم للمناقشة مشاريع قوانين بشأن الوضعية الخاصة (لمنطقة الدونباس فى جنوب شرق أوكرانيا) والانتخابات المحلية». وذلك ما نقلته وسائل الإعلام الروسية الرسمية، ولم يعترض أحد سواء من الجانبين الفرنسى والألمانى، أو الجانب الأوكرانى على صحته.

ولم يمض من الوقت غير أيام معدودات حتى عاد زيلينسكى مثلما فعل وسابقوه، ليعلن تراجعه ورفضه الالتزام بأى من بنود اتفاقيات مينسك، على وقع استمرار المصادر الغربية فى تهديداتها بأشد صنوف العقوبات ضد روسيا، فى حال أقدمت على «غزو أوكرانيا». وكان ممثلو ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبى أعلنوا عن وعودهم لأوكرانيا بمنحها معونات وقروض تتجاوز فى مجملها ما يزيد على 3 مليارات دولار، ثمة من قال إنها قد تكون وراء جنوح زيلينسكى صوب الإعلان عن موافقته على تنفيذ اتفاقيات مينسك. ولم يكن ذلك غريبا عليه وهو الذى سبق وخاض سباق الانتخابات الرئاسية تحت شعارات تقول بالتزامه بالتسوية السلمية لمشكلة جنوب شرق أوكرانيا، مثله فى ذلك مثل الرئيس السابق بيتر بوروشينكو، الذى وقع الاتفاقيات فى مينسك، لكنه ما أن عاد إلى كييف حتى أعلن عجزه عن تنفيذها، على وقع رفض مجلس “الرادا “التصديق عليها.

وها هى الدوائر الغربية وفى الصدارة منها الإدارة الأمريكية، تواصل التلويح بسلاح العقوبات ضد روسيا إن لم تتراجع عن مواقفها وإصرارها على ما تراه من صميم حقوقها فى الدفاع عن مصالحها وأمنها القومى، وهى التى تدرجها بوصفها عدوا لها ضمن ثوابت إستراتيجيتها للأمن القومى. وفى هذا السياق نشير إلى أن أوكرانيا انتهجت أيضا موقفا مماثلا حين أدرجت روسيا فى وثائقها الرسمية، ومنها «إستراتيجية الأمن القومى» بوصفها «عدوا» لأوكرانيا، فى الوقت الذى تنص فيه هذه الوثائق على أن شبه جزيرة القرم تظل جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتقول بحقها فى استعادتها حتى باستخدام القوة العسكرية.

على أن القضية الأكثر إثارة وأهمية، تظل فى موقعها السابق على أجندة السياسة العالمية بكل أطيافها ومفرداتها التى طرحها الرئيس بوتين فى رسائله إلى كل من الرئيس الأمريكى جو بايدن وحلف الناتو. لكنها تحولت على ضوء ما واجهته الأوساط الغربية من إخفاقات وفشل فى إدارة ألازمة، إلى موقعها الذى تستحق بعد نجاح الرئيس الروسى فى فضح نقاط الضعف داخل صفوف الأسرة الأوروبية، وما يصيبها من انشقاقات، ومنها ما يتعلق بعلاقات كل من المجر وبولندا بالاتحاد الأوروبى إلى جانب رفض كرواتيا والمجر وسلوفاكيا الاستجابة إلى نشر وحدات وقوات الناتو فى أراضيها. كما كشفت تطورات الأحداث خلال الفترة الماضية عن استئثار الولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية، ونقصد منها ألمانيا وفرنسا ،بصدارة المشهد السياسى فى القارة الأوروبية، الذى لم تجد فيه البلدان الأخرى موقعا إلا من خلال ما يحدده اللاعبون الرئيسيون من أدوار، ومنها ما كشفت عنه المصادر الغربية بشأن محاولات إقناع فنلندا والسويد المحايدتين بالانضمام إلى حلف الناتو، فى الوقت الذى تراجعت فيه آفاق انضمام أوكرانيا إلى الناتو على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة.

وفى هذا الصدد نستشهد بما قالته صحيفة «تلجراف» البريطانية التى قالت إن «الولايات المتحدة أطلقت تصريحات شديدة اللهجة، لكنها لم تكن مستعدة لتعمل إلا القليل، والتحذير من عقوبات مدمرة فى حال الاجتياح، وهى عقوبات يؤكد الكرملين أنه لا يخشاها». وأضافت الصحيفة البريطانية أنه «بإمكان بوتين الإعلان عن نوع من الانتصار، إذ أنه إضافة إلى انقسام الغرب، لا يبدو أن هناك آفاقا لانضمام أوكرانيا إلى الناتو فى المستقبل المنظور. كما أن كييف أدركت الحد الذى يمكن أن تصل إليه البلدان الغربية فى دعمها المحدود، الذى قد تكون على استعداد لتقديمه لها فى الواقع، كما تكبد اقتصادها المزيد من الأضرار جراء الخوف من الحرب.

ولعله يكون من المناسب أيضا ،الاستشهاد بما قاله فيدور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الأوساط الرسمية الروسية، والمدير التنفيذى لمنتدى «فالداى»، حول ما يراه من حلول مناسبة للخروج من المأزق الراهن والأزمة التى تحتدم بين روسيا والناتو. قال لوكيانوف «إن مثل هذه القضايا، للأسف، لا يمكن حلها ببساطة عن طريق اتفاق ودى. وأضاف قوله إن مثل هذه المسائل كانت فى العصور الكلاسيكية، تحل بالحرب وإقامة توازن جديد للقوى، ولكن الحرب الآن بين طرفين يملكان أسلحة نووية بما يجعلها غير ممكنة عمليا بسبب المخاطر العالية للغاية». وإذ أشار إلى أزمة الصواريخ فى كوبا فى عام 1962 مع اعترافه بوجود الاختلاف الشديد فى بعض الجوانب، ومنها ما يتعلق بعدم وجود تهديد مباشر متبادل بين القوى النووية العظمى، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الأخطار الحقيقية والافتراضية، ومع حقيقة أن الرهان لايزال إقليميا، وإن كان واسع النطاق جدا، قال لوكيانوف إن الموقف يمكن أن يصل إلى مستوى أزمة الكاريبى بسبب الأدوات الإعلامية المستخدمة. أما عن المخرج المناسب، فقال انه يتمثل فى ضرورة الجنوح نحو الاعتراف بالخطر الكبير المتمثل فى حدوث مزيد من التصعيد، وبدء محادثات مباشرة حول مزايا مبادئ الضمانات المتبادلة. ومن هنا يمكن القول باحتمالات تكرار ما سبق وجرى بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة ،من مباحثات واتصالات تزايدت وتيرتها ومفرداتها عقب تجاوز أزمة الكاريبى وما أعقبها فى مطلع سبعينيات القرن الماضى من اتصالات ،أسفرت عن بداية انفراجه شهدت توقيع اتفاقيات الحد من التسلح، واتفاقيات هلسنكى فى عام 1975 التى وفرت قدرا من الأمن والاستقرار فى القارة الأوروبية لسنوات طوال، امتدت حتى الإعلان عن نهاية الحرب الباردة فى ديسمبر عام 1989. فهل تعود الأمور إلى ذات السياق السابق بعيدا عن الدفع بالأمور إلى شفا الهاوية؟

رابط دائم: 
كلمات البحث:
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق