رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

روسيا وورقة الضمانات الأمنية

محمد عبدالقادر
الجيش الروسي

تحتفظ أوكرانيا، من بين مختلف الجمهوريات السوفيتية السابقة، بمكانة تاريخية خاصة لدى روسيا وهو ما عبر عنه الرئيس فلاديمير بوتين مؤخرا، حيث أكد أن «الروس والأوكرانيين شعب واحد وكيان واحد»، الأمر الذى اعتبره الغرب بمثابة إعلان عن نية موسكو غزو كييف، خاصة مع الحشود العسكرية الروسية على الحدود بين البلدين، والتى دفعت أمريكا وحلف الـ «ناتو» إلى التلويح بفرض «أم العقوبات» على روسيا.

ويسود التوتر بالعلاقات بين موسكو وكييف منذ عام ٢٠١٤، حيث اندلاع ما سمى بـ«مظاهرات الميدان الأوروبى» فى أوكرانيا، والإطاحة بنظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وهروبه إلى روسيا، التى وصفت بدورها تلك الأحداث بأنها مدبرة من الخارج، وهو ما أعقبه اندلاع احتجاجات شعبية موالية لموسكو ويانوكوفيتش بالمناطق الأوكرانية فى الشرق والجنوب، مما دفع روسيا إلى ضم شبه جزيرة القرم بناء على استفتاء شعبى، وإعلان منطقتى دونيتسك ولوجانسك استقلالهما عن كييف، ليفرض بعدها الغرب عقوبات طالت مؤسسات وشخصيات روسية، إلى جانب تعليق عضوية موسكو فى مجموعة الثمانى، وتجميد الـ«ناتو»  للتعاون معها. ورغم التوصل لاتفاق مينسك بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن الاتهامات الغربية بخرق موسكو بنود الاتفاق ظلت قائمة. فى الوقت الذى واصلت فيه أمريكا وحلفاؤها تقديم الدعم العسكرى لأوكرانيا، فيما اعتبرته بمثابة المواجهة مع روسيا، التى عادت إلى تذكير الولايات المتحدة ودول «الناتو» بتعهدها الذى قطعته عقب نهاية الحرب الباردة، وهو عدم التوسع العسكرى شرقا فى اتجاهها. ومع زيادة التوترات على الحدود بين الجانبين، على هامش أزمة اللاجئين على الحدود الأوكرانية مع بيلاروس، اتهمت كييف موسكو باستغلال الأزمة لحشد جنودها باتجاه الحدود معها استعدادا لغزوها، الأمر الذى غذته تقارير مخابراتية لأمريكا والـ«ناتو»، التى أكدت الحشد العسكرى الروسى، مشيرة فى الوقت نفسه إلى وجود عدة خطط للغزو، تلك التى نفتها روسيا.

وفى سياق البحث عن الحلول لتفادى اندلاع الحرب بالمنطقة، قامت روسيا بطرح ما أسمته «ورقة الضمانات الأمنية»، حيث طالبت أمريكا والناتو بتقديم التزام مكتوب بحظر أى توسع إضافى للحلف شرقا، وبالأخص عدم ضمه لأوكرانيا، إلى جانب التوقف عن إنشاء قواعد عسكرية غربية فى دول الاتحاد السوفيتى السابق، مع الحد من نشر الأسلحة بالقرب من الحدود الروسية، وعدم استخدام أى من الطرفين أراضى الدول الأخرى للتحضير أو تنفيذ هجوم مسلح ضد الطرف الآخر.


وردا على الورقة الروسية، رفضت أمريكا والناتو تقديم التزامات مكتوبة، مؤكدين أن موسكو كانت تعلم تماما صعوبة القبول بهذا المطلب على وجه الخصوص، من ثم استغلالها الأمر لتنفيذ ما تريده فى أوكرانيا وفرض الأمر الواقع بالقوة، كما حدث سابقا فى القرم.

ومع استمرار التصعيد، يبقى السؤال المطروح: هل تغزو روسيا أوكرانيا بالفعل، ولماذا الآن؟، بل وما هى الأهداف الروسية الحقيقية فى أوكرانيا؟. ويبدو أن الإجابة واضحة تماما فيما حملته مختلف المواقف الروسية حتى الآن، حيث تعبيرها عن مخاوفها الأمنية الحقيقية، خاصة مع استمرار إصرار توسع الـ»ناتو» فى اتجاهها ونقل أسلحته الثقيلة قرب حدودها، فى ظل تعليق التعاون العسكرى بين الجانبين. أضف إلى ذلك انسحاب واشنطن من مختلف المعاهدات العسكرية الموقعة مع موسكو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما يستدعى صياغة تعهدات جديدة ملزمة للطرفين، تراعى التغيرات الجيوسياسية الجديدة، وتطمئن الجانبين.

ووفقا لبوتين، فإن موسكو لا تسعى للحرب، لكنها فى الوقت نفسه لاتخشاها. وهو ما دلل عليه سرعة التحرك الروسى فى مواجهة الاضطرابات فى كازاخستان يناير الماضى، إلى جانب توقيع «الوثيقة المشتركة» مع الصين فبراير الجارى، والتى عكست بنودها رسالة واضحة لأمريكا وحلفائها الغربيين، وهى أن هناك حلفا قويا فى الشرق يمكنه ردع أى تهديدات أمنية، إلى جانب قدرته الاقتصادية على مواجهة أى عقوبات.

ومع استمرار الشد والجذب بين موسكو والغرب، يبقى فى حكم الأكيد أن الجانبين يدركان جيدا عدم جدوى المواجهة العسكرية بينهما، أو التلويح بفرض سلسلة جديدة من العقوبات المتبادلة، فى تحقيق أى مكاسب لكلا الطرفين، من ثم سعى كل منهما لشد حبل المفاوضات الجارية فى اتجاهه، إلى أقصى درجة ممكنة، وانتظار انتهاز أى فرصة لتحقيق انتصار متاح لأى من أهدافه الإستراتيجية، وهو ما لا يمنع استمرار استعراض القوة على الأرض كورقة ضغط.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق