رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

زعامة قصيرة للحزب الوطنى.. ونهاية مؤلمة
عوائق ومكائد ظلت تعرقل مسيرة محمد فريد حتى اضطر لتقديم استقالته عام 1912

دعــاء جـلال
فريد مع ثلاثة من تلاميذه .. من اليمين إلى اليسار: عبدالرحمن الرافعى ومنصور رفعت وأحمد وفيق

فى يوم 14 فبراير من عام 1908 تلقى الزعيم محمد فريد(1868-1919) مكالمة هاتفية تبلغه رغبة الخديو عباس حلمى الثاني(1874-1944) فى مقابلته، لتهنئته بتولى زعامة الحزب الوطنى خلفا للزعيم الراحل مصطفى كامل(1874-1908)، وهذه التهنئة وإن كانت فى ظاهرها التقدير، لكن فى باطنها تخفى الكثير من الدهاء السياسي. فإن خلافة فريد لكامل لم تكن قط بالأمر الهين اليسير. فقد قابله الكثير من العوائق والمكائد التى ظلت تعرقل مسيرة الزعيم الجديد للحزب الوطنى، حتى وصل لنهاية الطريق، واضطر لتقديم استقالته عام 1912. وكانت صحيفة الأهرام تتابع تطورات الموقف وتنقله لقرائها آنذاك، ونحن بدورنا الآن ننقل ما حدث وفقا لما وثقته الأهرام من أحداث.


محمد فريد

فى يوم 14 فبراير صدرت الأهرام وبها خبر يقول «اجتمع قبل ظهر اليوم الحزب الوطنى لانتخاب رئيس له، فألقى سعادة فايق باشا خطابا فى تأبين الرئيس المتوفى، وتلاه عزتلو محمد بك فريد بخطاب ذكر فيه صفات الفقيد، ثم تلاه عثمان أفندى صبرى فقال إن الفقيد قد وصى بالرئاسة بعده لعزتلو محمد بك فريد، وزكى هذه الشهادة عزتلو على بك فهمى كامل (وهو شقيق مصطفى كامل)، فوافق الجمع على ذلك».

وقد وصف فريد فى مذكراته ما جرى فى لقائه بالخديو عباس، وكيف لم تخف حرارة الترحيب خيبة الأمل التى كانت بادية على وجهه، ووفقا لفريد، قال له عباس: «حقا إنه لمن النافع جدا أن يكون على رأس الحركة الوطنية شخص مثلك، لأنك لا تحتاج الى المال ولا تطمع فيه، كما أنك تنتمى لأسرة أخلصت فى خدمة البلاد، ولن يستطيع البريطانيون أن يتهموك بأنك تسعى وراء الشهرة أو المال». وفى أثناء اللقاء عرض عليه الخديو تقديم دعم مادى لـ «جريدة اللواء»، فى نسختيها الإنجليزية والفرنسية. وكانت هذه الجريدة هى لسان حال المصريين والحزب والناقل الأمين لأخباره. وجاء رد فريد واردا فى المذكرات: «رفضت عرضه حتى لا أصبح مجرد أسير له، وترتب على هذه المقابلة أن الخديو أدرك أننى لست واحدا من أولئك الذين يمكن أن يطيعوا أوامره بلا تفكير، وهكذا بدأ التآمر ضدى، فى حين كان يتظاهر بالود نحوى».

المطالبة بالجلاء والدستور

لم يكن محمد فريد عاملا أو فلاحا، ولم يكن حتى ابنا من أبناء الطبقة المتوسطة، لكنه كان من عائلة ثرية، فوالده أحمد باشا فريد شغل عددا من المناصب المهمة. وتدرج ابنه محمد فريد فى المراحل التعليمية حتى تخرج فى مدرسة الحقوق، والتحق بعدة وظائف حتى وصل إلى وظيفة وكيل النائب العام بمحكمة استئناف القاهرة. وكان من المفترض أن يسلك هذا الطريق حتى يصل إلى أرفع المناصب القضائية. لكنه اتجه إلى مسار الحركة الوطنية، وكما ذكر فى مذكراته أن والده حذره من العمل السياسى، فكان يقوم بكتابة عدد من المقالات فى مجلة بعنوان «الآداب» ويوقع عليها بأول حرفين من اسمه فقط، حتى لا يتعرف عليه أحد. وفى عام 1892 كان اللقاء الأول مع الزعيم مصطفى كامل، والذى غير مجرى حياة محمد فريد.

وعندما تولى فريد زعامة الحزب الوطنى، لم يكن يشغل تفكيره سوى وضع دستور يضمن حقوق المصريين، إلى جانب توجيه جزء كبير من اهتمامه بالتعليم، ويسبق كل ذلك الرغبة الأقوى وهى تحقيق الجلاء البريطانى عن مصر. وكما جاء فى كتاب عبد الرحمن الرافعي (1889-1966) بعنوان «محمد فريد»، فإن فريد بدأ زعامته للحزب بإرساله برقية إلى إدوارد جراى، وزير خارجية بريطانيا فى ذلك الوقت، أخبره فيها بأنه سيسير على درب من سبقوه حتى يتم الجلاء.

وفى عدد «الأهرام» الصادر 18 أبريل 1908، نشرت الصحيفة خطابا لمحمد فريد، هذا بعض مما ورد فيه «فى الساعة السادسة والنصف غص ملعب دار التمثيل العربى بالهارعين لسماع خطبة سعادة محمد بك فريد رئيس الحزب الوطنى، ولقد طلبنا من ادارة جريدة اللواء الغراء نص الخطاب فتفضلت علينا به بعد اعداد مواد الأهرام، فنحن نكتفى بالتلخيص: لما توفى الرئيس قام الاعداء يقولون ان الحزب قائم عليه فقد مات بموته، فخاب فألهم وبرهن الحزب على ثباته وخذل الأعداء الذين سعوا ليلة المأتم لترشيح من هم خارجون عنه لرئاسته». وفى هذا الشأن فقد ذكر محمد فريد فى مذكراته من كان يقصد، وأوضح أن الخديو قام بإرسال عدد من المندوبين إلى الاجتماع الخاص باختيار زعيم للحزب، ليقترحوا مرشحين آخرين يقدمون الولاء والطاعة له.

وبالعودة إلى خطاب فريد، فقد اتجه بالدفة إلى قضية «الدستور»، ووفقا لما نقلته الأهرام، قال بشأنها: «إن الشعب طالب المرحوم توفيق باشا بالدستور فمنح المجلس النيابى، ولكن الدساسين وأخصهم الانكليز دخلوا بين الخديو وأمته، واعطونا بدلا منه مجلس الشورى، وانتم تعلمون ماهو، ولا يزول هذا الدرس المؤلم الا بزوال الاحتلال، أما الأمة فقد قامت تطلب الدستور بواسطة الحزب الوطنى من أميرها، والثقة الكاملة بأنه سيجيب مطالبها نظرا لوعده ولتربيته العالية، والسير جراى اراد ان يستشيره الجناب العالى عندما يمنح الدستور، فيكون قبول انكلترا شرطا، فإذا كان لا يمكن منحنا الدستور إلا بعد قبول انكلترا فنحن نفضل عدم الحصول عليه».

ومن المطالبة بالدستور وحياة نيابية عادلة، إلى المطالبة بحق التعليم لكل مصرى، فقال فريد فى خطابه وفقا للأهرام: «ثم انتقل الكلام على الجامعة، ومما قاله إن الحكومة تريد إحباط هذا المشروع، أولا لاشغال الأمة بإنشاء الكتاتيب، ثم لإدخالها اجناسا اخرى فى المشروع، ثم ان اللجنة التى عينت لاختيار المعلمين مؤلفة من ثلاثة بينهم مصرى واحد هو رشدى باشا، والثانى ارتين باشا عدو اللغة العربية بالمدارس والثالث الموسيو ماسبرو، وختم كلامه بالدعاء فلتحيا مصر فليحيا الدستور». وظل فريد يدعو إلى الجلاء والدستور وإقامة المشروعات الوطنية، مثل النقابات الزراعية، وكذلك المطالبة بإلغاء قانون المطبوعات، وهو قانون يعين السلطات الموالية للاحتلال على تضييق الخناق على الصحافة الوطنية.


وبصحبة الزعيم مصطفى كامل

فريد سجينا

فى 24 يونيو عام 1910 صدر كتاب بعنوان «وطنيتي» للشيخ على الغاياتى، وكتب محمد فريد مقدمة له تحت عنوان «الشعر وتأثيره على الأمم»، ولم تمر هذه المقدمة مرورا آمنا. ففى 24 يناير من عام 1911 صدر حكم على محمد فريد بالسجن ستة شهور، وكانت التهمة الموجهة له كما ذكرتها «الأهرام» فى عدد 25 يناير: «النيابة العمومية اتهمت فريد بك بأنه حسن كتاب وطنيتى، الذى طبع ونشر من 24 يونيو الى 10 يوليو 1910، والذى هو فى حد ذاته مشتمل على جملة أمور معاقب عليها قانونا، وذلك بأنه امتدح الكتاب المذكور بمقدمة فيه بإمضائه تحت عنوان تأثير الشعر فى تربية الأمم، وهذه الامور هى تحريض الناس على كراهة الحكومة والازدراء بها والعيب فى حق ذات ولى الامر».

وكما ذكر الرافعى فى كتابه الخاص بمحمد فريد عن هذه الواقعة فإن مدير مصلحة السجون ويدعى كولسن باشا توجه إلى فريد ووعده بالسعى للإفراج عنه إذا وعده بتغيير فكره. ولكن كان رد فريد بأن ما يطلبه منه مستحيل، فعدل كولسن عن مطلبه وقال له إنه لا يريد منه أن يغير مبادئه، ولكن يخفف من طريقته الثورية. وللمرة الثانية جاء رد فريد بالرفض، فقال له كولسن بأنه بهذه الطريقة سيقضى الستة شهور مسجونا، فأجابه فريد أنه مستعد لذلك، بل وبقضاء يوم آخر فى السجن لو أرادوا، ونتيجة لذلك قضى محمد فريد مدة سجنه، وغادره يوم 18 يوليو 1911.

استقالة من فرنسا

«أصبح عزل فريد بك من إدارة الحزب الوطنى أمرا واجبا»، هذه بعض الكلمات التى بدأت بها نشرة مرسلة من إدارة الحزب الوطنى إلى الأهرام لتنشرها على صفحاتها فى عددها الصادر بتاريخ 30 أغسطس 1912. واستكملت النشرة سبب طلب العزل حيث قالت «لخروجه عن مبادئ الحزب خروجا يحرج مركز الحزب ويبعد عنه القلوب ويظن به السوء»، وطالبوا اللجنة الإدارية للحزب بما يلى «أولا ً دعوة الجمعية العمومية لانتخاب رئيس، ثانيا رفع تلغراف الى سمو الخديو باسم الحزب نثبت فيه إخلاصنا وولاءنا، ثالثا نشر جميع جرائد الحزب عدم رضاها عن كل ما كتبه ويكتبه فريد بك، رابعا تكليف ذلك الموظف بتقديم كل ما عنده من مال الحزب وتحت واردات مدارس الشعب الليلية، لأن يد التبديد لعبت فيها، وماهى بالقليلة، فإن لم تفعل اللجنة الادارية ما تقدم، قمنا به خير مقام .. لفيف من الأعضاء»

واستكمالا لخطة عزل محمد فريد، نشرت الأهرام فى يوم 10 سبتمبر 1912 تقريرا آخر يشير إلى مطالبة الحزب الوطنى مرة أخرى بالتحقيق فيما كتبه فريد فى جريدة فرنسية تسمى «السيكل»، وجاء فى هذا التقرير ما يلى «اجتمعت اللجنة الادارية للحزب الوطنى، واستأنفت المناقشة والبحث فى محاسبة محمد فريد بك رئيس الحزب على ما كتبه بقلمه فى جريدة السيكل الفرنسوية، واستنكار الحزب أعمال الحمقى المنافية للمبادئ الاساسية للحزب والضارة بسمعة القطر، وستراجع اللجنة غدا محمد فريد بك فيما نشرته له الجريدة، وتنتظر جوابا، فإما ان يعترف بصحة نسبته اليه، فيكون قد خالف مبادئ الحزب، أو يعتذر بأنه نشر ما نشره معبرا فيه عن رأيه الشخصى، فيفقده هذا الاعتذار الثقة التى وضعها فيه منتخبوه».

وجاء رد محمد فريد فى رسالة بعثها من فرنسا، ونشرتها الأهرام فى 26 سبتمبر 1912 وهذا بعض مما جاء فيها «سلاما وتحية، وبعد فيما إنه من الضرورى لسير أعمال الحزب ان يكون الرئيس مقيما بالقاهرة لمباشرة الأعمال بنفسه، وحيث إنى سأقيم خارج القطر الى أجل غير محدود، فمراعاة لصالح الحركة الوطنية أقدم لكم هذه الاستقالة من رئاسة الحزب وعضوية لجنته الادارية». فكانت هذه نهاية فصل الزعامة قصيرة الأمد التى تولى خلالها فريد مقادير الحزب الوطنى قبل استقالته وخروجه من مصر وموته بعيدا عن أرضها وحيدا وفقيرا وعاد لها جثمانا يوارى الثرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق