كورونا وراء تراجع الاهتمام العالمى بالمشكلة .. والحرب الأهلية مستبعدة
طالب السفير إبراهيم خيرت مبعوث منظمة «التعاون الإسلامي» إلى ميانمار بضرورة تحرك المجتمع الدولى والمنظمات الدولية، وبسرعة، من أجل تحريك قضية الروهينجا فى ميانمار، رغم الصعوبات والعراقيل التى تحيط بهذا الملف، مشيرا إلى أنه من الضرورى استمرار الضغوط على حكومة ميانمار من أجل التأكيد على أنه لا حل لهذه القضية سوى العودة الآمنة والكريمة والمستدامة للروهينجا إلى بلادهم، محذرا من أنه إذا لم يتم ذلك، فقد تصبح هذه القضية فى طى النسيان.
وقال السفير إبراهيم خيرت فى تصريحات خاصة لـ«الأهرام» إنه مما زاد أزمة مسلمى الروهينجا فى ميانمار تعقيدا فى الفترة الأخيرة تراجع الاهتمام الدولى بها بسبب انشغال الدول المختلفة بمواجهة تداعيات جائحة «كوفيد 19»، ولكنه أوضح أن جهود واتصالات «التعاون الإسلامي» لم تتوقف فى سبيل إيجاد وسيلة لحل هذه الأزمة وإنهاء معاناة الروهينجا.
واستعرض خيرت خلفية ما يجرى فى ميانمار منذ بداية الأزمة، فقال إنه فى أعقاب موجة الاضطهاد والقمع ضد السكان الروهينجا المسلمين فى ميانمار فى أغسطس 2017، والتى وصفت بأنها مثال نموذجى للتطهير العرقى والإبادة الجماعية، لجأ نحو 750 ألفا من الروهينجا إلى بنجلاديش المجاورة، حيث يعيشون فى خمسة مخيمات فى منطقة كوكس بازار، وفى ظروف إنسانية واقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة، وفشلت كل الجهود التى بذلت خلال الأعوام الماضية من أجل عودتهم إلى ديارهم فى ولاية راخين، بسبب تخاذل موقف حكومة ميانمار، وافتقارها إلى المصداقية، بعد تغير الحكم هناك، فضلا عن تخوف لاجئى الروهينجا من تعرضهم لعمليات عنف جديدة. وأضاف أنه مما زاد الأمور تعقيدا انتشار وباء كوفيد 19، حيث تأثرت قضية الروهينجا بهذا الحدث، نتيجة تحول اهتمام الدول المجاورة والمعنية بالقضية إلى مواجهة الفيروس وتراجع الاهتمام بمشكلة الروهينجا بشكل واضح، فى حين نقلت سلطات بنجلاديش حتى الآن حوالى 19 ألف لاجئ إلى جزيرة «بهاشان شار» النائية فى بحر البنغال، كجزء من برنامج يقول المسئولون الحكوميون إنه يهدف إلى تخفيف الازدحام فى مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان فى منطقة «كوكس بازار».
وعن مهمته الدبلوماسية، يوضح السفير أنها بدأت منذ أواخر يناير 2020، حيث تم إعداد خطة عمل للتحرك تقوم على عدة بنود أساسية، إلا أنه، وللأسف الشديد، ومع بدء انتشار وتفشى فيروس كوفيد 19، تراجعت خطوات تنفيذ تلك الخطة وكانت تتضمن ما يلي: أولا: الالتقاء بالمدير العام لاتحاد «أراكان» للتشاور والتنسيق معه، وفى مرحلة لاحقة بقيادات مسلمى الروهينجا لتوحيد الصفوف ومساندتهم للتعريف بقضيتهم ووصول صوتهم إلى المحافل الدولية، وبالفعل تم فتح قنوات الاتصال، ويتم التشاور والتنسيق معهم بصفة دائمة.
وثانيا، زيارة بنجلاديش بالتشاور والتنسيق مع السلطات فيها لزيارة معسكرات اللاجئين وتقييم الأوضاع على الطبيعة وفتح قنوات اتصال دائمة مع قيادات الروهينجا هناك، والتأكيد على دور المنظمة فى العمل على تحسين أوضاعهم، فضلا عن مقابلة المسئولين المعنيين فى الدولة، والاستماع لوجهة نظرهم وتقديرهم للأوضاع، وكان من المخطط إتمام هذه الزيارة فى مارس أو أبريل 2020، إلا أنها تأجلت بسبب تفشى الوباء، وتمت فى فبراير 2021، حيث زرت المعسكرات وشاهدت على الطبيعة مأساة شعب الروهينجا والظروف المعيشية بالغة الصعوبة التى يعيشونها، ولا شك فى أن الزيارة حققت هدفها من حيث الالتقاء بمسئولى وزارة الخارجية للتشاور معهم وبحث سبل دعم التعاون والتنسيق فى قضية الروهينجا وإظهار الدعم الكامل لبنجلاديش، وكذلك بالنسبة لزيارة معسكرات اللاجئين، وخاصة «بهاشان شار»، حيث أنها المرة الأولى التى تسمح فيها السلطات المحلية لوفد رسمى بزيارة الجزيرة منذ أن زارها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بحقوق الإنسان فى ميانمار فى ذلك الوقت فى يناير 2019.
أما ثالثا، فهى زيارة دول الجوار، وخاصة ماليزيا وإندونيسيا، لحشد الدعم السياسى والإنسانى المطلوب للروهينجا والاستماع إلى أفكار وآراء المسئولين فى البلدين ومقترحاتهم فى ضوء علاقاتهم بميانمار، سواء على المستوى الثنائي، أو فى إطار عضويتهم فى مجموعة الآسيان.
ورابعا، والكلام للسفير خيرت، فهو إحياء مقترح فتح مكتب لتنسيق الموضوعات الإنسانية فى ميانمار، وهو الأمر الذى سبق وأن وافقت عليه السلطات هناك منذ عدة سنوات، إلا أنها تراجعت عنه، والتقدير أن هذا الأمر أصبح بالغ الصعوبة فى ظل الأوضاع السياسية الراهنة فى ميانمار. أما خامسا وأخيرا، فهى المشاركة الفعالة فى كافة المحافل الدولية والإقليمية للدفاع عن حقوق الروهينجا. ومع ذلك، أضاف السفير خيرت أنه على الرغم من هذه الظروف، فإن هناك تواصلا مستمرا مع سفير جامبيا لدى المملكة العربية السعودية ومندوبها لدى منظمة التعاون الإسلامي، حيث تم الاتفاق على استمرار التنسيق والتشاور من أجل العمل على دعم المصروفات القانونية المطلوبة فى القضية المرفوعة ضد ميانمار فى محكمة العدل الدولية وأى مقترحات يمكن أن أقوم بها خلال الفترة المقبلة فى هذا الشأن، ومن ضمن خطة العمل التى تم الاتفاق عليها فى هذا الشأن، زيارة بعض الدول الأعضاء فى المنظمة للحصول على الدعم المطلوب. وتابع قائلا: «حضرت أيضا فى أكتوبر 2020 الاجتماع التشاورى للجنة الوزارية المخصصة لمشكلة الروهينجا فى الرياض، حيث تم فتح قنوات اتصال مع سفراء كل من إندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش وجامبيا، كما تمت المشاركة فى اجتماعات الدورة 47 لمجلس وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامى فى نيامى بالنيجر فى نوفمبر 2020، وتم فيها الالتقاء بالعديد من المسئولين فى الدول أعضاء المنظمة».
وردا على سؤال حول تقديره للوضع هناك فى ضوء التحذيرات من وصول الأمر إلى حرب أهلية وشيكة، قال السفير إن هناك تقديرات بأن العمليات العسكرية المضادة لنظام الحكم الحالى ستستمر، وخاصة فى المناطق الحدودية التى تتواجد فيها أقليات وعرقيات مختلفة، وكذلك حركات انفصالية، ولكنه أعرب عن استبعاده لأن يصل الأمر إلى حرب أهلية شاملة. وعن موقف صاحبة نوبل للسلام أونج سان سوتشى مستشارة الدولة السابقة من الأزمة فى بلادها، أقر السفير خيرت بأنه كان موقفا «مخيبا للآمال، حيث دافعت بشدة عن موقف السلطات من عمليات القمع ضد الروهينجا»، موضحا أنه لذلك، ترى بعض قيادات الروهينجا أن التعامل المباشر مع القيادات العسكرية الحالية أفضل من التعامل مع حكومة مدنية ليست لديها سلطات كاملة، وأضاف: «التقدير أن السلطات العسكرية فى البلاد لن تسمح بعودة سان سوتشى إلى الحياة السياسية مرة أخرى بعد أن تعدت الحدود التى سمحت بها السلطات لها، وقد يكون الحكم الصادر ضدها بالحبس 4 سنوات يعنى غيابها عن أى انتخابات جديدة فى المرحلة المقبلة». وحول دعوة الولايات المتحدة إلى حظر بيع السلاح لميانمار، قال إنه لا يعتقد أن هذا الطلب سيلقى تجاوبا من الدول المصدرة للسلاح لميانمار، وبخاصة الصين والهند، لأن هناك مصالح استراتيجية واقتصادية تربطهما بميانمار، فضلا عن أنهما دائما يؤكدان أن لغة التعاون والحوار مع النظام فى ميانمار أفضل بكثير من لغة المقاطعة والعقوبات.
رابط دائم: