فى السبعينيات من القرن الماضى لم يجد المخرج الكبير أكير كيرو ساو (1910 -1998) عملا فى بلده اليابان، وهو الذى يعتبر أهم مخرجيها، بل وأهم مخرجى العالم، ويكفى إخراجه فيلم «الساموراى السبعة»عام 1954، الذى يُعد صاحب أكبر ميزانية فى تاريخ اليابان، إذ تكلف 300 مليون ين، ونجح نجاحا عالميا، وأُخذت عنه أفلام «العظماء السبع» بكل اللغات على مر السنين، فى السينما العالمية، وحتى «العظماء السبعة» لدينزل وشنطن عام 2016، و«شمس الزناتى» لعادل إمام.
لكن بعد نجاح كيرو ساو فى الأخذ من الثقافة اليابانية قرر التقاط قصص أفلامه من مصادر أخرى متنوعة مثل شكسبير ومكسيم جوركى فأخرج فيلم «يوجى مايور» عام 1961 الذى حقق نجاحا كبيرا حتى إن سيرجو ليونى اقتبسه، وأعاده للسينما الأمريكية بفيلم «من أجل حفنة دولارات» لكلينت إيستوود. ثم تأثر كيرو ساو بالواقعية الإيطالية الجديدة، فأنجز أول فيلم بالألوان عام 1970 بعنوان «ديدوس كارين»، لكنه لم يحقق النجاح حتى إنه أحبط لدرجة محاولته الانتحار، وبعد مرور السنوات اكتشف العالم مدى روعة الفيلم ليس بالنسبة لاكيرا كيرو ساو فحسب بل بالنسبة لتاريخ السينما فى العالم.
من جهتها اهتمت السينما الروسية بكيرو ساو، وهى السينما التى وضعت نظريات السينما فى كل معاهد السينما على مستوى العالم، حتى إنها دعمته فى إخراج فيلم «ديرسو اوزالا» عام 1975 الذى حصل على أوسكار أحسن فيلم أجنبى، إلا أنه بعده لم يجد كيرو ساو أى تمويل لفيلمه التالى فأصبح بلا عمل حتى أتى إليه أهم مخرجى العالم آنذاك فرنسيس فورد كوبولا مبدع ثلاثية «الأب الروحى» وجورج لوكاس صانع سلسلة «حرب النجوم».
فعرضا عليه عام 1980 إنتاج الفيلم الذى يريده فأخرج «كاغى موشا»، الذى فاز عنه بالسعفة الذهبية لمهرجان كان عام 1980، ثم أبدع أفلاما أخرى من «أحلام» عام 1990 و«رابسوديا» فى 1991 ليعود بعدها إلى اليابان 1993 ليخرج آخر أفلامه «ميد واى».
المخرج المصرى الكبير داود عبد السيد المولود عام 1946 عمل مساعدا فى الإخراج بداية من فيلم «الأرض» ليوسف شاهين ثم بدأ حياته كمخرج بإخراج العديد من الأفلام التسجيلية التى كانت ترصد الحياة فى القرى والحضر ثم كان أول أفلامه الروائية الطويلة 1985 «الصعاليك» بطولة محمود عبد العزيز ونور الشريف ثم «البحث عن سيد مرزوق» 1991، و«أرض الأحلام» 1993، و«سارق الفرح» 1994، و«أرض الخوف» 2000 لأحمد زكى، و«مواطن ومخبر وحرامى» 2001 ، و«رسائل البحر»، وأخيرا «قدرات غير عادية» عام 2015، وهى أفلام روائية طويلة قدمها فيما يقرب من 40 عاما ثم تفاجأ الوسط الفنى أخيرا بإعلانه قرار الاعتزال والانسحاب.
أعلم أنه لم يترك بابا إلا وطرقه, لكنه للأسف أنه لم يجد من يمد يده إليه بالمساعدة كما حدث مع كيروساو الذى أعاده إلى العمل الفنى أهم مخرجين فى التاريخ، حينما عرفا أن فنانا بقيمته يجب ألا يترك بل يجب أن ينجز الأفلام، فمع أول فيلم من إنتاجهما حصل على «السعفة الذهبية».
فهل نجد بين أصحاب التمويل فى مصر والعالم العربى من يطلبون من داود تنفيذ أى من الأفلام التى كتبها بالفعل؟
وهنا سابقة حسنة، ففى زمن مضى فاز عز الدين ذو الفقار بجائزة عن فيلمه الملون «رد قلبى» فيما فاز أمامه فيلم «أبيض وأسود» بنصف الجائزة بعنوان «درب المهابيل» للمخرج الشاب آنذاك توفيق صالح، فلما وجد أنه لا يعمل أنتج له الفيلم التالى «صراع الأبطال».
وغير بعيد عن داود عبدالسيد ثار الحديث حول الفيلم الأخير لمنى زكى، وهى التى جذبت النظر بقوة لأدائها بين أبناء جيلها، فهى ممثلة متمكنة فى منطقة خاصة بها، وهى بطلة من أول أدوارها، حتى وإن كان العمل ليس من بطولتها، وسيدة فى الأداء، أما عن دورها فى فيلم «أصحاب ولا أعز» فهى جريئة، ورأت أن الممثل يجب أن يكون شاملا، لكننا فى وقت يدلى فيه أى شخص ــ مهما كانت ثقافتة متحجرة ــ بدلوه فى الفن عبر منصات التواصل الاجتماعى، ويصبح صوته مسموعا عاليا.. فإذا استعرضنا أفلام أبطالنا فى الأفلام المسابقة لجاءت المسألة مختلفة؟
على سبيل المثال: هل فكر أحد فى قصة فيلم «فاطمة» لأم كلثوم، وتبنيه للزواج العرفى، و«الخيط الرفيع» لفاتن حمامة، و»السمان والخريف» لنادية لطفى، و«أمواج بلا شاطئ» لشادية، و«مع الذكريات» لمريم فخر الدين، و«بئر الحرمان» و«مكان للحب»، و«أميرة حبى أنا» لسعاد حسنى، و«الحفيد» و«أعظم طفل فى العالم» لميرفت أمين، و«الحب الحرام» لزبيدة ثروت، وفيلم «المذنبون» لسهير رمزى، و«ثرثرة فوق النيل».
والقائمة طويلة وتضم أفلاما أخرى لناهد شريف وناهد يسرى وشمس البارودى، ولن أقف عند فيلم «سمكة وأربعة قروش» لإيناس مكى التى قامت بنفس المشهد، لكن يبدو أننا فى وقت يمثل «التريند» أهم شىء فيه، لنجد بعد يومين «تريند» جديدا. إلا أن منى زكى تظل هى منى زكى: «سيدة الأداء».. فلا تظلموها.
رابط دائم: