رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مخالفات البناء.. عقبات فى طريق التصالح

تحقيق ــ محمد حمدى غانم
إنهاء ملف التصالح فى مخالفات البناء ينتظر تعديل القانون - تصوير نادر أسامة

  • وزارة الإسكان : التباطؤ غير مبرر ..واسألوا (المحليات)
  • « محلية النواب»: المادة الأولى بالقانون تتطلب تعديلا تشريعيا جديدا


 

  • التخطيط العمرانى بالمنوفية : ضعف المقابل المادى أدى لاعتذار بعض المهندسين عن اللجان
  • استشاريون : تأخر إقرار كردون المدن وإحداثيات التصوير الجوى أبرز الأسباب

 

 

نهاية شهر مارس الماضى تم غلق باب التصالح على مخالفات البناء وفقا للقانون 17 لسنة 2019 وتعديلاته رقم 1 لسنة 2020 .. الأرقام الرسمية تؤكد تقدم المواطنين بنحو ثلاثة ملايين طلب تصالح .. معدل البت فى هذه الطلبات قبولا أو رفضا بطيء للغاية، بل يكاد يكون منعدما مقارنة بأرقام المتقدمين .. مما نتج عنه آثار سلبية اجتماعيا واقتصاديا .. حالة من الحيرة تنتاب المواطنين تجاه مصير مبانيهم التى تكلفت الملايين .. توقف فى منح التراخيص .. تباطؤ فى حركة البناء .. تعطل مئات الآلاف من الأيدى العاملة فى مجال المعمار وما يرتبط به من مهن وصناعات .. السطور التالية تتناول التفاصيل بحثا عن أسباب التباطؤ .

 

(ما علينا فعلناه) هكذا بدأت حديثها معنا المهندسة نفيسة هاشم رئيس قطاع الإسكان والمرافق بوزارة الإسكان ورئيس لجنة الرد على الاستفسارات الخاصة بقانون التصالح ..مشيرة إلى إصدارها العديد من الكتب الدورية الشارحة لمضمون وضوابط القانون ولائحته التنفيذية، فضلا عن عقدها العديد من ورش العمل والندوات مع مسئولى الإدارات الهندسية بالوحدات المحلية فى المحافظات المختلفة .. وكذلك إنشاء موقع إلكترونى مهمته الأساسية الرد على استفسارات المواطنين والمختصين بشأن تطبيق قانون التصالح.

وتقر بوجود تباطؤ حقيقى فى إنجاز الطلبات والبت فى شأنها إلا أنها لا ترى له سببا مفهوما بعد الجهود الحثيثة التى تم بذلها فى إعداد القانون ولائحته التنفيذية وشرح كل الخطوات، وإلزام القانون للجان الفنية بالانتهاء من أعمالها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم طلب التصالح .. وأوضحت أن الوزارة لمست بعض العقبات فى طريق الإنجاز، وتيسيرا على المواطنين والمختصين قامت بعمل (تعديل تشريعى) على قانون التصالح برقم 1 لسنة 2020 ووضعت فيه مقترحات الحل بالتنسيق مع وزارة التنمية المحلية ولجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إلا أن معدل الإنجاز ما زال ضعيفا.

سألناها : لماذا بعد كل هذه الجهود والتعديلات والكتب الدورية وورش العمل الشارحة لكل التفاصيل، يذهب المواطن لمسئولى الإدارة الهندسية فى مدينته أو قريته للاستفسار عن مصير طلبه للتصالح فلا يجد جوابا شافيا؟ ..أجابت: يسأل فى ذلك مسئولو المحليات فنحن لم نقصر فى الشرح والتوضيح، بل أرفقنا النماذج المطلوبة لكل خطوة باللائحة التنفيذية!

وحول إمكانية عمل (تعديل تشريعى) جديد لتبسيط الإجراءات وحل المشكلات والصعوبات التى كشف عنها واقع تطبيق القانون الحالى على الأرض، أكدت نفيسة هاشم أن لجنتها لم تتأخر فى الرد على أى تساؤل أو استفسار، إلا أن الانشغال بموضوع التصالح ينبغى ألا يستمر أبد الدهر فهناك مشاغل أخرى، ولا يوجد تفكير حاليا فى أى تعديلات جديدة، وإن كانت هناك ضرورة لاتخاذ هذه الخطوة فيمكن أن تتم من خلال وزارة التنمية المحلية أو مجلس النواب وليس من خلال اللجنة.

 

 محظورات مثالية 

المهندس أحمد السجينى رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب عبر عن عدم رضاه عن معدل الإنجاز فى ملف التصالح، فالمواطنون قاموا بما طلب منهم وتقدموا بنحو مليونين و 800 ألف طلب، وسددوا جدية التصالح بمليارات الجنيهات، ويبقى أن تقوم الجهات المختلفة بمسئولياتها و مهامها كما حددها القانون .. مؤكدا أنه بصفته رئيسا للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب تأتيه آلاف الشكاوى والمقترحات، ليس فقط من المواطنين الراغبين فى التصالح بل من مسئولى الإدارات الهندسية بالمحافظات المختلفة المنوط بهم تنفيذ القانون، ولكن نظرا لقربهم من الواقع على الأرض أرسلوا مقترحاتهم الكفيلة بمواجهة التعثر الحاصل.


وفى لفتة دقيقة يرى السجينى أن المادة الأولى من قانون التصالح وما تضمنته من (محظورات التصالح) سبب رئيسى من أسباب الضعف الواضح فى إنجاز الملف؛ حيث تعاملت بـ (مثالية زائدة) ولم تراع أن هناك أوضاعا مستقرة لهذه المبانى وساكنيها منذ عشرات السنين، وأن حظر التصالح فى بعض هذه الحالات يعطل المستهدف والغاية من القانون ذاته، ويجعل الجميع فى حيرة حول كيفية التعامل مع هذه الحالات التى تم حظر التصالح عليها، وهو ما سبق لفت النظر إليه خلال جلسات مناقشة هذه المادة من القانون إلا أنه تم إقرارها لتظهر مشكلاتها الآن!

 

 لا للتردد 

ويشدد السجينى على أن لجنته تضع (إنهاء) ملف المبانى المخالفة والعشوائية وضرورة التصالح عليها وتقنين أوضاعها على رأس أجندتها التشريعية وعازمة على تصفيته تماما حتى يكون أى بناء مستقبلى وفق المخططات الموضوعة، ولذا فإن اللجنة تحث الحكومة على أن تتقدم بالتعديلات التشريعية المطلوبة مرات ومرات كلما اقتضت الضرورة وواقع التطبيق على الأرض ذلك دون حرج أو تردد، فصعوبة المشكلات المتوارثة ونبل الغاية ونتائجها المنتظرة تستحق ذلك، ولذا فنحن فى انتظار التعديلات فى أقرب فرصة لمناقشتها وإقرارها.

وعندما سألناه: لماذا لا يكون التعديل التشريعى المطلوب بمبادرة من أعضاء لجنته بصفتهم النيابية والتشريعية دونما انتظار للجهات الحكومية، أكد السجينى أن هذه الجهات هى صاحبة الاختصاص التنفيذى، وهى الأجدر والأقدر على التقدم بمقترح للتعديل يكون وافيا ومعبرا، ولأنها الطرف الذى لديه الإحصاءات والأعداد المتوافرة بالوحدات المحلية وقدراتهم على الحركة ورصد الصعوبات التى واجهتهم فى التنفيذ لتلافيها ولإدخالها فى التعديل المنشود ليخرج فى أفضل صورة.

 

 عدم  دقة الأو راق

(قانون التصالح أحدث انتعاشة فى مكاتب الاستشارات الهندسية) .. بهذه العبارة بدأ حديثه معنا المهندس أسامة الحامولى – مهندس معمارى ومدير أحد المكاتب الهندسية، ملقيا الضوء على نقطة إيجابية فى هذا الشأن، حيث شهدت الفترة الأولى إقبالا من المواطنين على إعداد ملفات التصالح ورسوماتها الهندسية وشهاداتها المعتمدة .. إلا أن هذه الانتعاشة بدأت فى التراجع بمرور الوقت حتى وصلت حاليا لشبه توقف بسبب التباطؤ الحادث فى البت فى طلبات التصالح.

أحد أسباب هذا التباطؤ يرجعه المهندس الحامولى إلى (عدم دقة البيانات المقدمة)، حيث أدى الإقبال والرغبة فى إعداد أكبر عدد ممكن من الملفات إلى خلل وعدم دقة فى الرسومات الهندسية والأوراق المقدمة، وهو الخلل الذى كشفه نزول لجان تابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة والتى قامت بعمل عدة (معاينات) على الطبيعة لمطابقة الواقع بالرسومات المقدمة بالملفات، وبصورة دقيقة، دفعت مسئولى الإدارات الهندسية إلى إعادة مراجعة محتويات الملفات المقدمة مرة أخرى، ومراجعة نموذجى 3 و 4 لعدم استغلالهما بصورة سيئة، وكذلك تفاوت التسعير وتقدير القيمة بحسب الأماكن والمساحات وطبيعة المخالفات .. خصوصا أن اكتشاف أى خطأ يوقع مرتكبه تحت طائلة المساءلة القانونية.

نموذج 10

الحصول على (نموذج 10) حلم يراود جميع المتقدمين بالملفات لأنه يكتب (النهاية السعيدة) لرحلة التصالح بأوراقها ورسوماتها ونماذجها .. فبحسب القانون يعتبر بمثابة "ترخيص وبه تحفظ التحقيقات وتنقضى الدعاوى القضائية وبدونه لا توصيل لأى مرافق من كهرباء أو مياه أو غاز أو صرف صحى وخلافه" ..

المهندس محمد سلام - أحد أعضاء لجان الفحص - أكد أن تأخر منح نموذج 10 للمتقدمين للتصالح يمثل - هو الآخر - عقبة فى طريق إنهاء وتصفية هذا الملف مرجعا ذلك لعدة أسباب منها تأخر وزارات الزراعة والإسكان والتنمية المحلية فى إقرار الأحوزة العمرانية الجديدة أو ما يطلق عليه العامة (الكردون) ببعض المحافظات والمدن، إلى جانب تأخر تسليم (إحداثيات) خرائط التصوير الجوى لعام 2017 وهو ما يعطل البت فى كثير من ملفات التصالح، خصوصا فى الكتل المتاخمة للمناطق السكنية بالمدن والكتل السكنية خارج الحيز (الكردون) بالقرى.

وأوضح سلام أن تأخر الحصول على (نموذج 10) النهائى والمصحوب بإلحاح وضغط المتقدمين للتصالح، دفع اللجان ومسئولى الإدارات الهندسية إلى منح ما يسمى (نموذج 10 مؤقت) إلا أن تجربة التعامل به كشفت عن عدم قدرته على حل مشكلات الترخيص وإدخال المرافق وإنهاء الدعاوى القضائية، ربما لعدم صدور تعليمات للموظفين بكيفية التعامل معه، وربما لاشتراط القانون التعامل بنموذج 10 النهائى.


 

ضعف العائد

المهندس أشرف فرحان مدير عام إدارة التخطيط العمرانى بمحافظة المنوفية وأمين عام نقابة المهندسين بالمحافظة أكد أن ملف التصالح يلقى اهتماما كبيرا من المسئولين التنفيذيين بدءا من المحافظ والسكرتير العام وحتى رؤساء المدن والقرى والأحياء حيث أصبح معدل الإنجاز فى هذا الملف أحد معايير تقييم الأداء .. لكن هناك بعض العقبات الخارجة عن إرادة أى مسئول والتى تعود إلى طبيعة الملف الشائكة وكذلك مستحقات العاملين على إنجازه .. مشيرا إلى أن (تشكيل اللجان) يتم بطلب من المحافظة لنقابة المهندسين لترشيح عدد من أعضائها للانضمام إلى هذه اللجان بضوابط التخصص "إنشائى وعمارة ومدنى" وبضوابط الخبرة سواء 5 أو 10 سنوات.

ويرى فرحان أن (ضعف مقابل الإثابة) يعتبر أحد الأسباب الرئيسية فى ضعف الإنجاز فى ملف التصالح .. حيث نصت المادة 8 من القانون على تخصيص (نسبة لا تزيد على 1 % لإثابة أعضاء اللجان المنصوص عليها وكذا للعاملون بالجهة الإدارية وغيرهم من العاملين بالوحدات المحلية والأجهزة) .. وهى نسبة ضئيلة جدا ينبغى زيادتها، خصوصا أن اللجان نفسها متعددة (لجانا فنية للفحص ولجانا للتسعير وتقدير القيمة ولجانا للتظلم وغيرها) وإذا أضفنا العاملين بالإدارات الهندسية والوحدات المحلية لاتضحت ضآلة المقابل المرصود .. ومن واقع التطبيق على الأرض فإن نصيب اللجنة على الملف الواحد نحو 75 جنيها فقط، وبحسبة بسيطة فإن المقابل الذى يحصل عليه المهندس يبلغ نحو 500 جنيه شهريا فقط .. وهو مبلغ زهيد للغاية دفع الكثيرين للعزوف عن المشاركة فى هذه اللجان.

ويلفت مدير عام التخطيط العمرانى بالمحافظة كذلك إلى وجود تفاوت ملحوظ فى مراجعة الملفات بين المدن والقرى، فالوقت اللازم لمراجعة ملفات 10 مبان فى قرية ما على سبيل المثال ربما لا يكفى لمراجعة ملف واحد لـ (برج كبير) فى مدينة ما .. كما أن انتقال أعضاء اللجان من مقار إقامتهم إلى أماكن المبانى المخالفة مكلف ماديا .. مؤكدا أن المقابل الذى قد يتحصل عليه المهندس من عمله فى أحد المكاتب الهندسية يفوق أضعافا مضاعفة مقابل العمل بهذه اللجان.

 

اعتذارات باللجان

كل الأسباب والملابسات السابقة يرى فرحان أنها أدت إلى (عزوف) المهندسين عن المشاركة فى هذه اللجان من البداية، بل الأدهى أنها دفعت بعض أعضاء هذه اللجان للاعتذار عن عدم الاستمرار فى العمل بعد المشاركة الفعلية فى أعمالها، وهو ما أضعف من معدل الإنجاز فى هذا الملف، وعندما وصلت شكوى المهندسين وأعضاء اللجان من ضعف المقابل المادى إلى المحافظ وعدهم بالفعل ببحث الأمر والعمل على زيادة مقابل الإثابة.

ويقترح أمين عام نقابة المهندسين بالمنوفية لزيادة معدل الإنجاز فى مراجعة ملفات التصالح والبت فيها قبولا ورفضا أن تتم زيادة ومضاعفة عدد اللجان المكلفة بهذه المهمة، خصوصا أن نص القانون يسمح بذلك (لجنة أو أكثر) .. وهو أمر مرتبط ارتباطا وثيقا بزيادة مقابل الإثابة ليصبح عامل جذب للمشاركة فى عمل هذه اللجان، مؤكدا أن ذلك سيساعد أيضا على زيادة أيام عمل اللجان لتشمل كل أيام الأسبوع بدلا من يومين فقط كما هو حادث حاليا، وهو ما سيؤدى تلقائيا لمضاعفة معدل الإنجاز فى هذا الملف.

ويطالب فرحان بضرورة (إعادة) فتح باب التصالح مرة أخرى، لأن هذا من شأنه زيادة العائد من قيمة التصالح والذى يصب فى الخزانة العامة للدولة، وسيتيح فرصة أخيرة لمن تخلفوا عن التقدم للتصالح وبالتالى يصبح وضع الغالبية قانونيا، وهو ما سيرفع عن كاهل الدولة عبء الاضطرار إلى التعامل بـ (العقوبة) و(الهدم) مع عدد هائل من المبانى التى لم يتقدم أصحابها للتصالح بعد لأى سبب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق