لاينكر أحد أن المخرج الكبير سمير العصفورى حين يقف اليوم مخرجا على خشبة المسرح القومى، فإنه يقف شامخا مرتكزا على تاريخ مسرحى طويل محفور فى ذاكرة المصريين، سواء على مستوى القطاع العام بعروضه الرصينة أو القطاع الخاص بعروضه الكوميدية التى لا تخلو من رسائل سامية تتحاور مع أخلاق الأسرة وتختبر تقاليدها فكان أشهرها العيال كبرت، عروسة تجنن، وإنها حقا عائلة محترمة.. وفى كل مرة كان العصفورى قادرا على نسج صياغة درامية موزونة بميزان حساس تناسب طبيعة الشرائح الجماهيرية المختلفة وتحمل بصمته المتفردة، حتى إن أستاذنا الناقد الراحل د. حسن عطية وصفه بأنه صاحب مدرسة «عصفرة المسرح المصرى».
وأمام مسرحيته الأحدث «فى انتظار بابا» المعروضة حاليا على المسرح القومى، تذكرت ما قاله لى العصفورى ذاته فى حوار منشور بالأهرام، حين سألته: ألا ترى عروضا تستحق التقدير حتى الخاصة منها بكتابنا القدامى؟ فأجابنى قائلا: «لا أعرف أهمية تقديم نصوص مستهلكة مضى على كتابتها عقود ولا تمثل واقعنا الحالى بزعم أننى أعيد الأمجاد، فحين نقدم الآن «باب الفتوح» لمحمود دياب فمن هو صلاح الدين الأيوبى اليوم؟! ولماذا قدمنا «الدخان» لميخائيل رومان رغم أنها ليست الأروع بين أعماله، ولماذا نقدم «كاسك يا وطن» التى تنادى بإزالة الحدود بين العرب؟! فهل يناسب هذا الواقع السياسى والاجتماعى اليوم؟»
وبدورى تساءلت: ما الهدف من تقديم عرض مسرحى اليوم مأخوذ أو مستوحى من نص بير السلم للراحل سعد الدين وهبة أو حتى عرض فى حالة تناص مع أسطورة يونانية قديمة، كما حاول بطل العرض أن يفسر للجمهور ما سيشاهدونه فى بداية الأحداث، كما لو كان يتنصل من شبهة تقديم نص سعد الدين وهبة ! وهل نحن الآن نحتاج أن نرى حكاية مستهلكة لأسرة مصرية مفككة يمزقها الصراع على ميراث الأب، فى الوقت الذى نطلق فيه منصات حوار تفاعلية بين شباب مصر والعالم ووضع رؤى شبابنا الواعدة للمستقبل أمام المجتمع الدولى! فهل يناسب هذا العرض واقعنا السياسى والاجتماعى اليوم؟!
ضاعت أحداث العرض وتفرق دمه بين أبطاله وهم ينفذون أدوارهم بفتور واستجداء ضحك المتلقى، من خلال لعبة المسرح داخل مسرح، والتى يحاول فيها المخرج/ الممثل أن يشرح ويفسر ويبرر لجمهور الصالة ولممثلى فرقته ما سيقدمونه فى مساحات زمنية طويلة ومملة بلا طائل، ثم الدخول للحدوتة الرئيسية ثم الخروج منها ثم تقديم استعراضات غنائية كانت ــ فى ظنى ــ هى الأبرز والأكثر إتقانا وجاذبية بسبب ألحان أحمد الناصر العصرية وجمله اللحنية الرشيقة، وآلمنى الاستعاضة عن الديكورات والمناظر المسرحية بالبانرات المطبوعة ودون الاستفادة من الإمكانات التقنية الحديثة للمسرح القومى دون مبرر درامى مقنع، مما أفقد العرض حتى الصورة البصرية التى كانت لتبهر الجمهور خلال الاستعراضات الغنائية وتعوضه عن حالة التيه التى عاشها طوال مدة العرض يحاول فيها فك ألغاز العلاقات بين الشخصيات وعلاقتهم بالحدوتة المغلفة للأحداث وما إلى ذلك من تفاصيل مشوشة ومرتبكة أخرجت العرض فى صورة مخيبة للآمال، كما لو كان حائرا يبحث عن معادلة النجاح بين مواصفات المسرح التجارى الخاص وتقاليد مسرح الدولة المنضبط الرصين، خاصة أمام ضعف وتفكك نَص العرض والاختيار غير الموفق لأغلب الممثلين، وهو ما يطرح علامات استفهام حول الإصرار على تقديم ذلك العرض رغم لىّ عنق الدراما الواضح للتحايل على ما واجهه من عثرات!.
رابط دائم: