رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أوكرانيا.. صداع مزمن فى رأس روسيا

رسالة بودابست د. سامى عمارة

لا تكف أوكرانيا وحلفاؤها عن الشكوى من حشد روسيا لمئات الآلاف من قواتها وأسلحتها الحديثة على مقربة من الحدود الأوكرانية. تتناسى أوكرانيا وحلفاؤها من الناتو وما وراء المحيط، أن ما تحشده روسيا من قوات وأسلحة يظل داخل أراضى الدولة الروسية، فى نفس الوقت الذى تبدو فيه أوكرانيا شديدة التجاوز بما تقوم به من مناورات عسكرية بمشاركة من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية أعضاء حلف الناتو، على مقربة مباشرة من الأراضى الروسية، فضلا عن مناورات الناتو فى حوضى البحر الأسود جنوبا وبحر البلطيق، شمال غربى روسيا.

صورة «عبثية» لا تكف السلطات الأوكرانية، بدعم مباشر من جانب واشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى، عن محاولات تصديرها إلى العالم الخارجي، بغية تبرير ما تضمره واشنطن والناتو من مخططات تستهدف إحكام حلقة الحصار حول روسيا. وبغض النظر عن حقيقة الاتهامات المتبادلة بخصوص التصعيد الروسى ضد أوكرانيا، فإن الواقع يقول إن ما يجرى من تطورات وأحداث لا يستهدف أوكرانيا، بقدر ما هو يتعلق بجوهر الخلافات الروسية الأمريكية، وبما تريده روسيا من ضمانات لتصحيح الأوضاع التى تستهدف أمنها وسلامة أراضيها منذ ما قبل عام 1996. وهو ما يتلخص وبالدرجة الأولى، فى توسع الناتو شرقا وابتلاعه لكل بلدان شرق أوروبا وعدد من بلدان الفضاء السوفيتى السابق، ودفعه بقواته الضاربة وأسلحته النووية إلى مقربة مباشرة من الحدود الروسية. وعلى الرغم من تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين، عدم وجود أى خطط لغزو أوكرانيا أو استهداف أراضيها، إلا أن هناك كثيرا من المؤشرات التى تقول. إنه نجح فى إبقاء كل خصوم روسيا قيد التوتر فى إطار «تصورات هؤلاء الخصوم حول غزو مزعوم»، فى الوقت الذى يروم فيه ما هو أوسع إطارا، يضم بين طياته تدابير بناء الثقة فى القارة الأوروبية، والتخلى عما حققه الناتو من مكاسب خلال العقود الماضية، منذ سنوات حل حلف وارسو ورحيل القوات السوفيتية عن بلدان شرق أوروبا.

وكان الرئيس الأمريكى جو بايدن، قد أعلن فى معرض حديث له بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مقاليد منصبه، عن «ظنونه تجاه احتمالات تحركات للرئيس بوتين». وقال إن رد فعل الولايات المتحدة والغرب، يمكن أن يتحدد بناء على ما سوف تفعله روسيا». ومضى ليؤكد «أن رد الفعل سيتوقف على ما سوف تفعله روسيا، لكن الأمر سيكون مختلفا لو كان توغلا محدودا».

وفى غضون ذلك ، تظل أنظار العالم متعلقة بالكرملين فى انتظار ما يمكن أن يقوم به الرئيس بوتين من خطوات، فى توقيت يظل فيه ممسكا بتلابيب «خصومه» ممن يتأوهون تحت وقع شديد التوتر والإثارة، دون أن يفصح عما يمكن أن يقوم به، مكتفيا بما أعلنه من متطلبات أمنية وضمانات سبق أن أودعتها موسكو مذكرتها إلى الجانب الأمريكى. وذلك فى إطار ما تستهدفه روسيا من مفاوضات سياسية، حول إستراتيجية وأساس العلاقة بين روسيا والأطراف المعنية، وتأكيد مبادئ الأمن الأوروبى وتدابير بناء الثقة، ومراجعة شاملة لتصحيح ما كان مقبولا فى السابق، وفى الصدارة منه، حق الناتو غير المحدود فى نشر نفوذه، فى الوقت الذى تحاول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، تحويل المباحثات والمفاوضات إلى مسار يقتصر فى معظم جوانبه على المسألة الأوكرانية، وما يسمونه الغزو المحتمل من جانب القوات الروسية للأراضى الأوكرانية.

حتى الآن... تبدو الفجوة بين مواقف الجانبين الروسى والأمريكى كبيرة، والتناقضات التى تفصل بين ما يطرحانه غير قابلة للحل. ومن اللافت فى هذا الشأن، أن كلا من الجانبين أفصح صراحة وعلانية عن مواقفه مما يناقشونه من قضايا وراء الأبواب المغلقة، وبما يوحى ضمنا أن المفاوضات محكوم عليها بالفشل، فى وقت تتواصل فيه التصريحات والتهديدات على غرار ما استبقت به الدوائر الأمريكية المباحثات التى جرت فى كل من جنيف وبروكسل وفيينا من تهديدات، بقائمة جديدة للعقوبات ضد روسيا، ومنها ما يتعلق بالرئيس بوتين نفسه وبعدد من أعضاء فريقه، إلى جانب ضرب المنظومة المالية الروسية فى مقتل، بإجراءات يمكن أن تنسحب على ثلاثة من اكبر بنوكها.

ورغما عما خلصت إليه الأطراف المعنية من اعتراف، بفشل جولات المباحثات التى جرت على مستوى الوفود الأمريكية ودوائر الناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، فان ما جرى تسريبه من تصريحات و»تهديدات» تشى بين طياتها، بان الطرفين الرئيسيين فى هذه المباحثات، وهما الجانبان الروسى والأمريكي، يبدوان على غير رغبة فى المضى قُدُمًا إلى المزيد من التصعيد. وفى هذا الصدد، نقلت وكالة «نوفوستي» الروسية الحكومية عن فيدور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة روسيا فى العالم المعاصر والمدير التنفيذى لمجلس السياسة الخارجية والدفاع، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الكرملين ووزارة الخارجية الروسية، إلى أن المفاوضات فى إطار مجلس روسيا والناتو ثانوية، مؤكدا أن الحوار الرئيسى لبحث الضمانات الأمنية يجرى بين روسيا والولايات المتحدة، بينما يتكيف الحلف مع نتائج هذا الحوار. واستطرد لوكيانوف ليقول، إن القرارات والاتفاقيات، إذا حدثت، فستكون موجودة على مستوى المفاوضات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما سيتكيف معه الناتو، وما بدا واضحا فى إطار ما ظهر من تصريحات رسمية، تقول بتكيف الناتو مع أجواء مباحثات جنيف.

وفى هذا الصدد، أعلن ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الناتو، إن تجاربه السابقة تقول بإمكانية «التعامل والاتفاق مع موسكو والوصول الى الحلول المنشودة». وضرب مثلا على ذلك، انه استطاع ذلك من موقعه السابق كرئيس لحكومة النرويج، بتوصله مع الرئيس السابق دميترى ميدفيديف فى سبتمبر 2010، إلى اتفاق حول الحدود فى المناطق القطبية للبلدين، بعد نزاع استمر 40 عاما، وهو الاتفاق الذى فقدت روسيا بموجبه 175 ألف كيلومتر مربع أغلبها فى بحر بارنتس، وهى المنطقة التى يقول الخبراء فى روسيا اليوم إنها تزخر باحتياطيات هائلة من البترول والغاز، فضلا عن ثروة سمكية لا حدود لها، الأمر الذى يعتبره كثيرون امتدادا لسلسلة التنازلات الهائلة التى سبق قدمها الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، وما يمكن أن يُضاف أيضا إلى قائمة الأسباب التى تدفع روسيا إلى مراجعة الكثير من مواقفها السابقة، وما سبق أن قدمته من تنازلات.

لكن المؤكد والثابت فى سياسات موسكو اليوم، يتمثل فى القطيعة مع ماضى التنازلات والاستسلام لخدمة توجهات الغرب وسياساته، التى كثيرا ما أكدت أنها لم تعُد على موسكو بأى مكاسب فى حينه. ومن هنا تعود موسكو إلى ما سبق أن أعلنه الرئيس بوتين، فى خطابه الشهير الذى ألقاه فى ميونيخ فى مؤتمر الأمن الأوروبى فى فبراير 2007، وحدد فيه ملامح سياسات بلاده ردا على تمسك واشنطن بمقررات عالم القطب الواحد، وإعلانها حول الخروج من بعض اتفاقيات الحد من التسلح.

وهناك ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية، تدرك ربما أكثر من أى وقت مضي، أن لدى بوتين «خيارات أخرى أكثر راديكالية أبعد مدى من مجرد الدفع بالقوات والدبابات إلى أوكرانيا». وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» أشارت إلى مثل هذه التوقعات، وأعادت إلى الأذهان ما سبق أن قاله بوتين فى أبريل الماضي: «سيكون رد روسيا سريعًا وغير متكافئ وقاسٍيا»، فى إشارة إلى الإجراءات العسكرية غير التقليدية التى يمكن أن تتخذها موسكو إذا هدد خصومها «المصالح الأمنية الأساسية للبلاد».

وعلى الرغم من تبادل الجانبين الكثير من التهديدات التى تتجاوز فى بعض جوانبها «اللياقة الدبلوماسية»، والمضى بالتوقعات إلى الحد الذى يحتمل وقوع عدد من المواجهات المحدودة، التى لا يمكن أن ترقى إلى حد ما يقال ويتردد من تصريحات رسمية «غربية»، حول غزو روسى لأوكرانيا، فان هناك ما يشير إلى رغبة شديدة من جانب الولايات المتحدة ومعها دوائر الناتو، فى إبقاء الباب مفتوحا لمواصلة المفاوضات مع موسكو. وذلك ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، التى قالت: «إن لأوكرانيا الحق فى بناء سياسة خارجية مستقلة. لكن السياسة الخارجية ليست مجرد ممارسات أخلاقية، حيث أنها تتعلق أيضًا بقضايا القوة، فى وقت لا تملك فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، القوة لحرمان روسيا من أن يكون لها رأى فى مستقبل أوكرانيا، لأنهم غير مستعدين لإرسال أبنائهم وبناتهم إلى هناك للقتال. لقد أقرت إدارة بايدن ضمنيًا بالفعل، أن الناتو لا يخطط لقبول انضمام أوكرانيا إلى الحلف فى أى وقت قريب، لأنه سيلزم الولايات المتحدة وأوروبا بالدفاع عن أوكرانيا. وليس هناك فرصة لأن تلتزم الولايات المتحدة وأوروبا بمثل هذا الالتزام، إذا كان ذلك يعنى محاربة القوات الروسية».

ونشر موقع «اينوسمي» الروسى الالكتروني، ما كتبه توماس جراهام وراجان مينون فى مجلة «Politico « تحت عنوان «كيف نحصل على ما نريد من روسيا» قالت فيه، انه مادامت أن موسكو مستعدة للتهديد بالحرب، فإنها قد تستطيع منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو. إدارة بايدن ببساطة لا تريد الاعتراف بذلك علنًا، خوفًا من إضعاف معنويات الحكومة الأوكرانية، وهو ما يشجع فلاديمير بوتين على توجيه المزيد من التهديدات. وأضاف الكاتبان «إن الحل الأفضل قد يكون فى مناورة دبلوماسية ذكية، من شأنها أن تسمح لموسكو بالادعاء بأنها منعت انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بينما تعلن الولايات المتحدة وأوكرانيا أنها لايزال بإمكانها الانضمام إلى الحلف فى المستقبل البعيد النظرى».

وعلى الصعيد الروسي، تناول جينادى بيتروف، فى «نيزافيسيمايا جازيتا» (الصحيفة المستقلة)، إعلان ممثلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ضرورة الحوار مع موسكو حتى بعد فشل المفاوضات الأخيرة، فى مقال جاء فيه: «إن فشل المحادثات بين روسيا والغرب لا يعنى انتهاء الحوار بينهما، على الأقل من وجهة نظر الولايات المتحدة. يمكن استخلاص هذا الاستنتاج الحذر، من تصريحات المسئولين الأمريكيين بعد مناقشة المقترحات الروسية للضمانات الأمنية، فى جنيف وبروكسل وفيينا». ونقلت الصحيفة الروسية عن فلاديمير فاسيليف، كبير الباحثين فى معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ما قاله حول انه» ومع أن المفاوضات بين روسيا والغرب لم تسفر عن نتائج، فهى نوع من جس النبض، وليست «هجوما فروسياً» من جانب موسكو، مصمما لتحقيق اتفاق ما على عجل». وأضاف: «لدى شعور بأنه لا مفر لنا من جولة ثانية من المفاوضات. فلكل من روسيا والولايات المتحدة مصلحة مشتركة فى ذلك».

ويرى فاسيليف «أن الرئيس بايدن مهتم بإجراء حوار لأسباب سياسية داخلية إلى حد كبير. فسياسته الخارجية حتى الآن تبدو غير ناجحة. وإذا ما ارتدى بايدن سترة صانع سلام ينقذ أوكرانيا من الغزو الروسي، فسوف يكسب بعض النقاط. والكرملين، بدوره، ليس ضد اللعب مع الرئيس الأمريكي، لأن الزعيم الضعيف الحالى يناسب روسيا جيدا. وهذا وحده سبب لمواصلة الحوار»، حسب تعبيرات الخبير الروسى.

ومن هذا المنظور يقول أليكسى فيننكو الأستاذ المساعد فى قسم الأمن الدولي، بكلية السياسة العالمية، فى جامعة موسكو الحكومية، انه «إذا لم يكن فى الردود المكتوبة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ما يوفر المقدمات المناسبة لجولة جديدة من المفاوضات، فإن ذلك لابد أن تتبعه إجراءات صارمة»، لم يحدد كينونتها أو يكشف عن أى من تفاصيلها، مكتفيا بتوقع احتمالات إلغاء الميثاق التأسيسى للعلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسى لعام 1997 فى المستقبل القريب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق