فقدان شخص عزيز بالوفاة مثل الأم أو الأب أو الزوج أو الأبناء أو غيرهم أمر فى غاية الصعوبة ويؤثر بشكل عميق على مشاعرنا واحيانا تكون المشاعر قوية لدرجة يتوقف فيها البعض عند لحظة الفقد ولا يستطيعون العودة للحياة الطبيعية والحزن هو رد الفعل الطبيعى فى حالات الخسارة أو الفقد لكننا لسنا جميعا نجيد التعامل مع هذه الصدمة وتجاوز هذه المشاعر يختلف من شخص لآخر وتختلف الآثار النفسية الناجمة عنه أيضا.
كما يقول د. أمجد احمد جبر استاذ مساعد الطب النفسى بجامعة الازهر عندما يمر الشخص بصدمة فقدان شخص عزيز فأنه يمر بخمس مراحل الأولى هى مرحلة الإنكار وتظهر كرد فعل دفاعى طبيعى مؤقت يجسد حالة الرفض والانكار للفقد اذ تطغى مشاعر الصدمة وقت معرفة الحدث والثانية هى مرحلة الغضب ويعد اول المشاعر الظاهرة عند الاستيعاب ومواجهة حقيقة الفقد إذ يخفى الغضب الكثير من المشاعر والآلم ويكون هذا الغضب موجها للأشخاص أو الحياة أو الأشياء الجامدة أو المواقف ويصاحبه الاستياء والتساؤلات حول الحدث والثالثة هى مرحلة المساومة وهى خط الدفاع ضد مشاعر الفقد وتتسم بالندم والأمل والإحساس بالذنب والمحاولة لاسترداد المفقود بفعل أى شئ وتقديم أى تضحية لعودة الحياة على ماكانت عليه من قبل الفقد والرابعة هى مرحلة الاكتئاب ولا يعد هنا حالة مرضية إنما هو استجابة طبيعية مؤقتة للفقد وخلال هذه المرحلة تبدأ مواجهة الواقع الحالى وحتمية الفقد والادراك ومن الطبيعى أن تظهر مجموعة مشاعر خلال هذه المرحلة مثل اليأس والاحباط والارتباك والتشتت والانعزال والارهاق وفقدان الشغف والدافع وأخيرا مرحلة القبول وهى أخر مراحل الفقد التى تتمثل بالتقبل الكامل للفقد والتعامل معه على أنه واقع وحقيقة لا مفر منها لا يمكن تغيرها ونلاحظ أن مرور الاشخاص بمراحل الفقد مختلف بينهم اذ يمر الشخص أو لا يمر بكل مرحلة من هذه المراحل وقد يكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى مختلفا وربما العودة مرة اخرى للمرحلة قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة وعن التعامل مع مشاعر الفقد وتجاوزها ينصح د.أمجد بمنح النفس وقتا كافيا لاستيعاب وتقبل الفقد والاعتناء بالنفس من خلال تناول الطعام والحصول على قسط كاف من النوم وممارسة الرياضة باستمرار والعودة لممارسة الهوايات المفضلة التى تجلب الراحة والسعادة والانخراط مع العائلة والاصدقاء والتحدث اليهم والانضمام الى مجموعات الدعم النفسى قد يساعد سماع مشكلات واحزان الاخرين على التخفيف من حدة الحزن والذهاب للطبيب النفسى للمساعدة عند اشتداد الحالة لاخذ أدوية وجلسات العلاج النفسى المناسب.
د.رضوى سعيد عبدالعظيم استشارى الطب النفسى تقول ان فقدان عزيز بالموت يعد من الصدمات التى يتعرض لها الانسان وتختلف مع درجة القرب وليس القرابة فقط لكن ايضا مدى حساسية الشخص النفسية وآليات التكيف المتاحة بمعنى وجود من يستند عليه بيولوجيا ونفسيا واجتماعيا وماديا ومن الطبيعى ان يشعر الانسان بالحزن وتتأثر حياته ويختلف الرجل فى حزنه عن المرأة، فالنساء تجيد التعبير عن مشاعرها وتجد من يستمع لها وربما تخف حدة هذه المشاعر بفضل الطبيعة الانثوية ودعمهن لبعضهن البعض فى هذا السياق بالفضفضة والطبطبة بينما لا تتاح للرجال نفس الفرصة فلا وقت للحزن وعليه ان يقوم بمسئولياته ولذلك فهو يعيش حزنه منفردا وليس أمامه مجالا واسعا للتعافى كما النساء ويبقى العمل فى كل الاحوال من أهم القنوات للتكيف والتأقلم مع مشاعر الحزن ومن المهم الا نترك الاطفال للمعاناة من الصدمات فى حالة فقدان أحد الوالدين لأنها تؤدى ضربات نفسية عنيفة فى مراحل النمو حسب عمر الطفل وادراكه وقت الفقد وعلى المدى الطويل خاصة ومطلوب دعم ودور أكبر للمقربين من أفراد الاسرة ليكفلوا مشاعر الأمان له اما لو بدأ يعانى تغيرات ملحوظة فى الشخصية مثل الانطواء والتدهور الدراسى وفى مستوى التحصيل والانسحاب من المجتمع واضطرابات فى النوم واضطرابات ما بعد الكرب فهذا يستدعى ممن يراعى الطفل اللجوء للمتخصص للحصول على المشورة والعلاج والمساعدة. وتؤكد د. نصرة منصور استاذ علم النفس المساعد بجامعة القاهرة أن المشاعر التى تنتاب الانسان بعد فقدان شخص عزيز عليه قد تصل إلى حد الاضطرابات النفسية او العقلية احيانا فيرفض الانسان الاعتراف بما حدث او يتخيل ان الفقيد مازال موجودا ويتحدث إليه ويرفض الاعتراف برحيله واستمرار اجترار الأفكار الاكتئابية فى ذهن الفرد تؤدى دورا كبيرا فى التأثير على انفعالاته ومشاعره والتى تجر معها سلوكيات غير مناسبة وقد تخرج عن حدود سيطرته ويظل مصابا بالحزن والهم والآسى وقد يترتب على هذا الفراغ النفسى مشكلات نفسية كثيرة منها الآسى الذى يجر معه المشاعر الاكتئابية كافة ومنها انعدام الشعور بقيمة الحياة والبكاء المستمر اضطرابات النوم العزلة القلق والتوتر واختلال الاتزان الوجدانى وضعف الثقة بالنفس والخوف وقد تدخل الى جانب هذه الاضطرابات النفسية اضطرابات ذهنية وانفصال عن الواقع والاصابة باعراض ضلالية باشكالها المختلفة
من أهم الأساليب النفسية لمواجهة الفقد هو الالهاء والتشتيت لكف التفكير الذى يجتره الانسان فى معترك خبرته القاسية والبعد عن العزلة والانصراف الى العمل والتواصل الاجتماعى مع المحيطين من المقربين والاصدقاء استخدام استراتيجيات مواجهة المشكلة بعدم التركيز عليها او تجاهلها أو عن طريق طلب المساندة الاجتماعية من المحيطين ولمواجهة الخوف وللقلق ويمكن استخدام أساليب مثل الاسترخاء العضلى او التخيلى الخاص بتخيل مناظر جميلة ومفرحة البعد عن التقليب فى الذكريات الحزينة والايمان بالقضاء والقدر وبأنها سنة كونية.
رابط دائم: