«أعتقد أن الشباب قد بدأوا يفهمون الآن أنه إذا تحركنا فى أنحاء البلاد، سيكون هذا مفيدا لتنميتنا، ليس فقط من أجل إيجاد أفضل مكان للدراسة، ولكن أيضا لاكتساب الاستقلالية وأن نصبح أكثر نضجا». كانت هذه كلمات ليون سيرانو «21 عاما»، طالب جامعى قام بتجربة جديدة إلى حد ما على المجتمع الإسبانى، حيث قرر العيش فى سكن الطلاب على الساحل الجنوبى لإسبانيا، والذى يقع على بعد خمس ساعات بالسيارة من منزل عائلته فى مدريد.
فعلى الرغم من أن الدراسة بعيدا عن المنزل تعد تجربة مألوفة فى أجزاء كثيرة من أنحاء العالم، إلا أنها تعد ظاهرة جديدة نسبيا فى جنوب أوروبا، ففى إسبانيا، قام نحو 17 ٪ من الطلاب الجامعيين بالحصول على تعليمهم خارج مدنهم الأصلية، لاسيما بعد أن توقفت الحياة داخل الحرم الجامعى منذ تفشى الوباء. علاوة على ذلك فقد عاد الطلاب أخيرا وبأعداد كبيرة للاستمتاع بنمط الحياة الجماعية بعد فترة الإغلاق، وهو ما أدى إلى وجود نقص كبير فى مساكن الطلاب، خاصة أنه من المتوقع حتى مع زيادة وتيرة البناء، تزايد الفجوة خلال السنوات المقبلة، نظرا لارتفاع أعداد الطلاب الذين يحتاجون إلى سكن طلابى، ووفقًا لدراسة نشرت فى سبتمبر الماضى من قبل إحدى شركات الخدمات العقارية، أكدت أن الطلب ارتفع على سكن الطلاب بنسبة 50٪ تقريبًا خلال العام الماضى فى مدينة مالقة الإسبانية.
وأدت تجربة تنقل الطلاب المتزايد فى إسبانيا إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية فى مساكن الطلاب، حيث دخل المستثمرون العقاريون سوق إسكان الطلاب الإسبانى، الذى يصفونه بأنه ليس به نقص فى المعروض فقط، ولكن أيضًا فى حاجة ماسة إلى إصلاح شامل، وقد وصلت الاستثمارات الجديدة فى هذا القطاع إلى 140 مليون يورو فى النصف الأول من عام 2021، بزيادة 140 ٪ عن العام السابق، فعلى سبيل المثال، قامت إحدى الشركات البلجيكية، بالاستثمار فى هذا المجال فى كل من برشلونة ومدريد عام 2019، ويقول كريستيان تيونيسن، الرئيس التنفيذى للشركة: «تشهد البلاد الآن تحولًا كبيرًا فى العرض مدفوعًا بالطلب على مساكن الطلاب الأكثر أمانا، والتى تحتوى على وسائل راحة أفضل من الشقق القديمة فى المدينة».
ويشير تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن نمط الحياة فى إسبانيا وطقسها المتميز جعلها واحدة من أفضل الوجهات التعليمية الأكثر شعبية للطلاب الدوليين، خاصة أن العديد من المدن الإسبانية مثل مدريد وبرشلونة، مدن ذات ديناميكية متعددة الثقافات تقوم بجذب الطلاب المغتربين من كل أنحاء العالم، فى الوقت نفسه تتميز إسبانيا بالجمع بين الرسوم الدراسية متوسطة التكلفة والتميز فى التدريس مع تكلفة المعيشة المناسبة عند مقارنتها مع جيرانها الأوروبيين، وهو ما جعلها الخيار الأفضل والوجهة الأكثر شعبية للطلاب المشاركين فى برنامج «إيراسموس» للتبادل الجامعى التابع للاتحاد الأوروبى، على مدار السنوات القليلة الماضية، ويضيف التقرير أن إسبانيا بدأت أيضا بشكل متزايد فى جذب طلاب أمريكا اللاتينية، خاصة أولئك الذين لغتهم الأم هى الإسبانية، لتصبح بمثابة خيار شائع للمشاركين فى برامج الدراسة بالخارج .
وعلى عكس توقعات الخبراء، فقد ارتفعت قيمة إيجار هذه المساكن، بشكل كبير داخل البلاد لتصبح تكلفة الإسكان هى الأعلى عام ٢٠٢١ . فوفقا للمعهد الوطنى للإحصاء (INE) بلغ معدل النمو السنوى حتى الربع الثالث من العام الماضى 4.2٪ بدلا من 1.9٪ . فقد بلغت تكلفة شقه «الاستوديو»، التى تضم مطبخا صغيرا وحماما، 700 يورو وهو ما يعادل ما يقرب من 800 دولار شهريا، فى حين تشير التوقعات أيضا بتضاعف المعدل وأنه سيصل إلى 4٪ فى عام 2022.
ويزيد من حدة الأزمة فى البلاد سيطرة الطوائف الكاثوليكية على سوق مساكن الطلاب فى إسبانيا، خاصة أنها مازالت توفر نصفها تقريبا، لكن نادرا ما تتضمن الإقامات الكاثوليكية صالات رياضية وغرفا للسينما والمرافق الأخرى التى يتوقعها الجيل الحالى من الطلاب، بل يفرض كثير منها قواعد محافظة، بالإضافة لذلك تواجه نقصا حادا فى الموظفين القائمين على إدارة هذه المساكن، فيقول ألفارو سوتو دى سكالس، الرئيس التنفيذى لإحدى شركات بناء مساكن الطلاب «اعتقد أنه فى العقد المقبل، ستخاطر جميع الطوائف الدينية بإدارتها لمساكن الطلاب نظرا لقلة الموظفين».
على الجانب الآخر يعمل المشرعون فى إسبانيا حاليا على تسهيل حصول المطورين العقاريين، على تراخيص بناء مساكن الطلبة، ليس فقط لمساعدة الطلاب، ولكن أيضا لتيسير السكن للمقيمين الآخرين فى مدنهم المزدحمة وتخفيف بعض الضغط عن السوق السكنية.
رابط دائم: