-
المؤشرات المالية والاقتصادية والتوقعات الدولية تؤكد استقرار سعر الصرف
-
ارتفاع الاحتياطيات النقدية الأجنبية يعزز مقاومة الجنيه للضغوط المحلية والعالمية
-
34 مليار دولار استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة لتحقق أعلى مستوياتها
وسط حالة التقلبات التى أصابت أسواق الصرف العالمية منذ أواخر العام الماضى أثبت الجنيه المصرى قدرته على الاستقرار والصمود أمام التطورات فى أسواق الصرف وحافظ الجنيه على استقراره أمام الدولار الأمريكى مما عزز من ثقة المستثمرين فى أذون الخزانة المقومة بالعملة المحلية باعتبارها استثمارا ذا عائد جذاب ومثمر يتميز بمحدودية المخاطر.
وشهدت أسواق الصرف الدولية تذبذبات فى أسعار عدد من العملات خلال الفترة الماضية وفى مقدمتها اليورو والدولار الامريكى بالإضافة إلى التقلبات الحادة التى عصفت بالليرة التركية نتيجة التدخل السياسى فى أدوات السياسة النقدية، بينما تمتع الجنيه المصرى بوضع مستقر وآمن استنادا إلى الأداء القوى الذى حققه الاقتصاد المصرى لأكثر من عام ونصف العام خلال أزمة كورونا معززا بنجاح برنامج الإصطلاح الاقتصادى الذى تم تنفيذه بالإضافة إلى تطبيق سياسة نقدية رشيدة ومتابعة دقيقة لكافة التطورات المالية والنقدية المحلية والعالمية واتخاذ العديد من الإجراءات الاستباقية لمنع الصدمات والحد من تداعيات الأزمة وبذلك تمكنت مصر من أن تصبح من الدول القلائل التى ظل فيها التضخم محدودًا خلال فترة أزمة وباء كورونا بفضل سياسات البنك المركزى والحفاظ على استقرار أسعار الفائدة منذ نهاية 2020.
وعلى عكس الحال بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة، أظهرت توقعات المؤسسات الدولية للاقتصاد المصرى تفاؤلًا كبيرًا، وذلك فيما يتعلق بمعدل النمو الذى يدعمه تعافى السياحة وازدهار الصادرات وارتفاع تحويلات المصريين من الخارج، فضلًا عن استقرار الجنيه المصرى والسيطرة على التضخم وتقليص عجز الموازنة العامة والحد من البطالة.
وأكدت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى ان الاقتصاد المصرى سيواصل الازدهار خلال العام المقبل بدعم من تراجع الآثار السلبية لفيروس كورونا وانخفاض عدد الإصابات كنسبة من إجمالى السكان، واستقرار الاحتياطيات من النقد الأجنبى فى ظل تمتع مصر بعلاقات جيدة مع شركاء التنمية الثنائيين والدوليين. كما أكد البنك الدولى أن الاقتصاد الكلى فى مصر يواصل إظهار قدرته على الصمود لأكثر من عام ونصف العام خلال الوباء حيث ساعد استقرار الإصلاحات الاقتصادية التى تم تنفيذها فى السنوات الأخيرة وحشد التمويل من مصادر دولية على تجاوز الأزمة. كما خفف التيسير النقدى والدعم، الذى تم تقديمه لعدد من القطاعات المتضررة، جزئياً من الضغوط على الأسر والأعمال التجارية والمشروعات الخاصة وساهما فى خفض تكاليف الاقتراض المحلى.
ويشير البنك الدولى فى توقعاته للاقتصاد المصرى إلى أن هناك العديد من العوامل التى تدعم الاقتصاد ونمو الاحتياطيات الدولية منها العودة التدريجية للسياحة، والنمو المستمر فى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واكتشافات الغاز ونمو الصادرات وارتفاع الاستثمارات العامة، متوقعًا أن تحقق مصر نموًا بنسبة 5% خلال العام المالى الجارى 2021 /2022،وهو ما ايدته توقعات البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية،كما رجح صندوق النقد الدولى فى تقريره الأخير عن الاستقرار المالى أن يصل الفائض الأولى بالموازنة العامة لمصر لنحو 1.7% من الناتج المحلى الإجمالى.
ومن جانب آخر أكد «دويتشه بنك « فى تقريره عن الاقتصاد المصرى، أن خفض عجز الموازنة إلى 5.5% بحلول السنة المالية 2023 /2024، وبقاء التضخم فى حدود النطاق المستهدف (7%،+/- 2%) من المتوقع أن يؤدى إلى مزيد من انتعاش النمو.
وتنعكس هذه المؤشرات الى جانب التوقعات الدولية الايجابية والمتفائلة على استقرار سعر صرف الجنيه المصرى وارتفاع معدل الإقبال على شراء أذون الخزانة بالعملة المحلية مما يعزز من سلامه وقوة الأداء الاقتصادى والمالى. فبدون شك يلعب سعر الصرف دورا مهما فى الاقتصاد حيث يعد سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار مقياسا لحجم تعاملات الدولة مع الدول الأخرى كما يؤثر على مؤشرات الاقتصاد الكلى وبشكل خاص الميزان التجارى باعتباره أحد مؤشرات جودة الأداء الاقتصادى والمالى لأى دولة.
وتقول مرفت سلطان رئيسة بنك تنمية الصادرات ان استقرار سعر صرف الجنيه يرجع الى تحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية بالرغم من التداعيات السلبية لجائحة كورونا ،وذلك على خلاف ما شهدته دول المنطقة والاسواق الناشئة.
واشارت الى ان كثيرا من دول العالم يعانى الآن من ارتفاع معدلات التضخم، لكن فى مصر وبفضل التناغم الجيد بين السياسة النقدية والمالية تمكنت من حماية الاقتصاد من ارتفاع التضخم، كما يرجع ذلك الى الاجراءات الاستباقية التى اتخذها البنك المركزى المصرى والدور الذى قام به القطاع المصرفى خلال الازمة لدعم الاقتصاد وتحفيزه.
واكدت ان جميع المؤشرات تتجه نحو مزيد من التحسن فى الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة.
ويقول محمد عبد العال الخبير المصرفى إن الجنيه المصرى حافظ على استقراره طوال العام السابق، سواء من حيث سعر صرفه، الذى استمر مُتداولاً على مستويات أعلى من متوسط سعر صرفه الفعلى التاريخى، بنحو٢٠%، وأيضا كان عائد الفائدة الحقيقى هو الأعلى مقارناً بالدول الناشئة المماثلة.
ومن المتوقع أن يستمر الجنيه المصرى محتفظاً بحالة الاستقرار خلال العام الجارى، وذلك تحت تأثير عوامل نجاح متعددة أهمها توقع تحسن معظم مؤشرات أداء الاقتصاد المصرى نتيجة ظهور آثار مبادرات دعم السيولة، والسياسة النقدية فائقة التيسير التي أتاحها البنك المركزى لمواجهة تداعيات جائحة كورونا فى العامين الماضيين، والمستمرة حتى الآن، وإعلانه تجديد كل حزم التيسيرات والإجراءات التى صدرت عقب جائحة كورونا ، وأيضا استمرار تحسن إيرادات المصادر التقليدية المصرية للنقد الاجنبى، وبالأخص مع توقع التعافى التدريجي لأنشطة السياحة حيث سيعطى ذلك دفعه قوية لاستمرار نمو الاحتياطى النقدى الأجنبى مقتربا من الأرقام المسجلة قبل الجائحة، وكافياً لتغطية الاحتياجات الاستيرادية المصرية، لمدة ثمانية أشهر. وأضاف أن التطورات الاقتصادية العالمية فى المستقبل سوف تخضع لمخاطر وعوامل الصعود والهبوط ، وأيضا هناك بعض المخاوف والتحديات المعروفة كالتأثير المحتمل للموجة التضخمية العالمية على معدل التضخم المحلى، وأيضا تداعيات السياسة النقدية التقييدية الأمريكية التى من المتوقع أن تبدأ تطبيقها تدريجيا خلال العام الحالى، وبالرغم من كل هذه التحديات إلا أننا نستطيع القول وبدرجة عالية من الثقة إن الجنيه المصرى سيظل محتفظاً بعوامل دعم ستجعله قادرا على تقليص ومقاومة معظم المخاوف والتهديدات المحتملة. وأشار إلى انه من أهم الأدوات التى تضع الجنيه المصري فى مركز تنافسى أفضل فى نظر المستثمرين الأجانب والمستثمرين المصريين هو إتاحة الاستثمار فى أوراق الدين الحكومى، خاصة أذون الخزانة المصرية، والتى بلغت حيازة الأجانب منها أعلى مستوياتها على الإطلاق حيث سجلت 34 مليار دولار، ارتفاعا من عشرة مليارات دولار فقط فى يونيو ٢٠٢٠، حيث تعتبر أذون الخزانة أداة استثمارية مهمة تتمتع بميزات متعددة تجعلها محل اهتمام من المستثمرين الأجانب فى الاستثمار غير المباشر والمصريين الباحثين عن الفرص الاستثمارية الجيدة، إلى جانب جاذبية الجنيه المصرى وتمتعه بأعلى عائد حقيقى على مستوى العالم . وأوضح محمد عبد العال ان أذون الخزانة يتم شراؤها لصالح وزارة المالية عبر الجهاز المصرفى، وحيازتها مضمونة وذات مخاطر صفرية، وإلى جانب أن فوائدها تصرف مقدما، فإنها قصيرة الأجل لا تزيد على عام، وبالتالى تحقق مرونة ويسر فى درجة سيولتها. واقترح أن يتبنى اتحاد المصارف المصرية حملة إعلامية، لشرح وتبسيط أهمية الاستثمار فى أذون الخزانة المصرية وأساليب الشراء والأسعار. ومميزاتها مقارنة بالأوعية الاستثمارية الأخرى . وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى أن هناك عدة عوامل تحدد سعر صرف العملات أهمها : كمية النقود ومعدل الإصدار النقدى وتأثيره على معدلات الأسعار وعلى الطلب على العملة الأجنبية وكذلك أسعار الفائدة المحلية ومعدلات التضخم العالمى والمحلى وميزان المدفوعات والذى يعبر عن علاقة الدولة بالعالم الخارجى وتعاملاتها المختلفة.
وهذا ما أكدته الدكتورة أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة موضحة ان استقرار سعر صرف العملة يعتبر مؤشرا إيجابيا على استقرار الاقتصاد حيث تمثل تقلبات سعر الصرف خاصة الحادة منها عنصر قلق،ويتأثر سعر الصرف بشكل كبير بحجم نمو الاقتصاد والإنتاج ومعدلات التصدير وحجم الواردات،كما يتأثر سعر الصرف بالعوامل الخارجية ومنها مستويات صرف العملات الرئيسية وفى مقدمتها الدولار الأمريكى واليورو والين اليابانى الى جانب حجم تدفقات الاستثمار الاجنبى سواء المباشر او غير المباشر .وأوصت أمنيه حلمى بضرورة التركيز على زيادة الصادرات وزيادة الدخل القومى من السياحة خاصة فى ظل تحسن وتعافى الاقتصاد العالمى وبدء فتح المجالات الجوية بين الدول.
ومن جانب أخر تؤكد تقارير بنوك الاستثمار أن الحكومة لا تزال تمتلك احتياطيات كافية للتعامل مع الصدمات الاقتصادية، مما يوفر بعض المرونة لتخفيف أى آثار سلبية من التشديد العالمى وارتفاع التضخم.
ويقول محمد أبو باشا كبير محللى الاقتصاد بإحدى المجموعات المالية الخاصة إن الجنيه سيظل مستقرا على الأرجح مقابل الدولار خلال العام الجارى نتيجة عدة عوامل منها تمكن مصر من تجنب بعض الضغوط، وفى مقدمتها مدفوعات الديون التى تقدر بـ 5 مليارات دولار جزء منها إعادة تثبيت وديعة سعودية بشروط أفضل، والآخر جمع وزارة المالية تسهيلات بقيمة مليارى دولار من السندات الخضراء.
وأشار إلى أنه تم النجاح فى تدبير 3 مليارات دولار من سندات تم طرحها باليورو فى سبتمبر الماضى ويتم التخطيط لجمع مبلغ مماثل فى النصف الأول من عام 2022 من خلال طرح صكوك سيادية لأول مرة، إلى جانب سندات خضراء.
وقال إن مصر تستعد أيضا للاستفادة بـ 2ــ4 مليار دولار من صافى التدفقات الداخلية مع إدراجها فى مؤشر جى بى مورجان للأسواق الناشئة.
وأوضح أن ما يعزز موقف البنك المركزى المصرى هو ارتفاع الاحتياطات النقدية والتى تتيح الحفاظ على استقرار الجنيه أمام الضغوط المحلية والعالمية. كما يعزز استقرار الجنيه أمام الدولار استعادة ما يقرب من 8 ــ 10 مليارات دولار من عائدات السياحة، مدعومة بعودة السياحة الروسية بعد حظر سفر دام خمس سنوات وهو ما سيكون كافيًا لتحقيق الاستقرار.
وتقول عالية ممدوح رئيسة قطاع البحوث بإحدى الشركات الخاصة إن سعر صرف الجنيه المصرى من المتوقع أن يتمتع بالثبات خلال الفترة المقبلة بسبب عدة عوامل منها تعافى مصادر الدخل بالعملة الأجنبية وبشكل خاص من السياحة والتصدير والارتفاع العالمى فى أسعار الغاز الطبيعى مصحوبا بالارتفاع المستمر فى الاحتياطى من النقد الاجنبى والذى يغطى 8 شهور من الواردات وهو أعلى من معدل الأمان المحدد من صندوق النقد الدولى، والذى يصل الى ٣ أشهر فقط،هذا بالإضافة إلى استمرار ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج مع ارتفاع دخولهم بسبب ارتفاع أسعار البترول فى الدول التى يعملون بها. وأشارت إلى أن ما يدفع إلى استقرار سعر العملة المحلية هو اعتماد النمو الاقتصادى فى الفترة الأخيرة على النمو المحلى نتيجة الطفرة والتوسع الكبير فى مشروعات البنية التحتية والعمران ومعظمها يعتمد على مكونات محلية وبالتالى ليس لها تأثير كبير على فاتورة الواردات والتى ارتفعت ارتفاعا طفيفا وطبيعيا بسبب فروقات أسعار الاستيراد للسلع والمنتجات.
وقالت إنه من المتوقع ان تزيد التدفقات الاستثمارية فى أدوات الدين رغم الارتفاع المرتقب فى معدلات التضخم بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة تأثرا بالرفع القريب لأسعار الفائدة الأمريكية.
وأشارت إلى أن مصر مقارنة بالأسواق الناشئة للدول القريبة لها من حيث المستوى ومنها الأرجنتين وتركيا ونيجيرياـ وهى الأسواق التى تجذب تدفقات الاستثمار فى أدوات الدين مثل مصر ـ نجد أن وضع الاقتصاد المصرى جيد ويحقق معدل نمو أعلى من 5٪،كما تتمتع مصر بثبات سعر الصرف وهو ما تفتقده بعض هذه الدول، بالإضافة إلى أن انضمام مصر لمؤشر«جى بى مورجان» للسندات فى نهاية الشهر الجارى سيسمح بزيادة التدفقات النقدية حيث تتوقع الحكومة زيادتها الى ٣- ٤ مليارات دولار،وبالتالى فجميع المؤشرات تدعم استقرار سعر الصرف خلال الفترة المقبلة.
رابط دائم: